المحتوى الرئيسى

ثورة 25 يناير تفرز جيلا جديدا من فناني الكاريكاتير في مصر

04/08 13:53

من بين كل الفنون، كان فن الكاريكاتير الأسرع في الاستجابة لنبض الثورة المصرية، التي انطلقت في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، والالتحام بها في ميدان التحرير مسرح عمليات الثورة بالعاصمة القاهرة. رافقت الرسوم الكاريكاتيرية شعارات الثوار بالميدان، مضيفة لمسة خاصة إلى روح السخرية والدعابة التي يتمتع بها المصريون في كل الظروف، وألقت بظلالها على مطالبهم الثورية بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. مئات من الأعمال الكاريكاتيرية التي خرجت من عباءة الثورة ورسمها مبدعون من مختلف الأجيال، وتحول معظمها إلى معارض جماعية، كشفت عما يمكن تسميته جيل جديد من فناني الكاريكاتير في مصر، على الرغم من أن هذا اللون من الفنون لا يدرس بشكل أكاديمي حتى في كليات الفنون، لكن يبدو أن مناخ حرية التعبير التي اقتنصها المصريون عبر تخلصهم من النظام السابق كان له دور في ذلك. تقول سماح فاروق، الصحافية بجريدة «المسائية» ورسامة الكاريكاتير الشابة لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كانت تواجهنا، نحن رسامي الكاريكاتير، خاصة من أبناء جيلي، مشكلات كثيرة إبان الحكم السابق، فقد كانت هناك خطوط حمراء كثيرة، خاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي، فحتى الصحف المعارضة كان سقف الحرية فيها منخفضا، ولكن بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، أصبح الأمر مختلفا تماما ناهيك بالدور المتعاظم لموقع (فيس بوك) الاجتماعي، الذي أصبح بمثابة النافذة التي يطلع منها الجميع، خاصة فنان الكاريكاتير، على العالم بحرية كاملة». إلا أن سماح ترى في هذا الانفتاح الشديد على العالم مشكلة مهمة تتعلق بحقوقها في أعمالها التي تقوم بنشرها، فهناك من يقوم بنسخ هذه الأعمال في مواقع أخرى أو في صحف، دون الإشارة إلى اسمها أحيانا، ودون استئذانها أحيانا أخرى، وهو الأمر الذي يتكرر مع كتاب وفناني الإنترنت عموما. ومن هنا فإنها تطالب بتفعيل قوانين حماية ملكية المؤلف والفنان للحفاظ على الإبداعات من أعمال القرصنة. وتؤكد سماح أن النظام السابق قد تعمد عدم تدريس فن الكاريكاتير في الكليات الفنية، نظرا لما يراه من خطورة هذا الفن عليه، وعلى تسلطه على العباد. أما عن عوامل تنشئة فنان كاريكاتير ناجح وواع، فيقول عمرو عكاشة، نائب مدير تحرير جريدة «الوفد»، وفنان الكاريكاتير المنتمي إلى ما يمكن تسميته بجيل الوسط: «هناك ضرورة في عمل قاعدة سليمة، خاصة للشباب الذين ظهروا فلم يجدوا سوى (الفيديو كليب) والأغاني الخالية من المعنى المتصفة بالتسطيح الشديد. فالمسألة تبدأ من البيت كالعادة، فالقراءة تبدأ قبل الرسم، فحتى أستطيع تنشئة فنان كاريكاتير واع يجب أن يكون أساسه العلمي والثقافي قويا بما فيه الكفاية». وحول المسؤولين عن توجيه الفنانين الشباب، يؤكد عكاشة أنهم أساتذة الجامعات والفنانون الكبار، خاصة أن الشباب بينهم مبدعون حقيقيون، وقد ظهر ذلك جليا إبان الثورة، لكنهم يحتاجون توجيها، مؤكدا أن فن الكاريكاتير يعتمد على الموهبة والاجتهاد، لا على التعليم الأكاديمي. وبرأي فنان الكاريكاتير الشهير جمعة فرحات «الكاريكاتير هو فن السخرية من الواقع لمحاولة تغييره إلى الأفضل»، كما أنه يعد سلاحا إبداعيا خطيرا في كشف ومواجهة الفساد والظلم، وأن من يتصوره مزحة أو دعابة (نكتة) فقد جانبه الصواب في الحكم عليه، فهو فن السخرية الأشهر والأقدم في العالم. ويؤكد جمعة أن فناني الكاريكاتير من كافة الأجيال، قدموا جهدا وفيرا في الفترة التي سبقت الثورة وفي مساندتها، خاصة في كشف الفساد السياسي وانعكاساته على المجتمع والاقتصاد في مصر. لافتا إلى أن «الفنان في حالة الثورة لا يستطيع أن يقدم إبداعا بقامة العمل الثوري الذي يراه أكبر وأقوى من أي إبداع إنساني، رغم كون الكاريكاتير أسرع وأقوى الفنون تعبيرا عن المشهد السياسي خاصة. ويؤكد جمعة أن الكاريكاتير فن ناقد بطبعه وينحو تجاه المجتمع والناس، ولذا فلم يتوقف دور فناني الكاريكاتير على ما قدموه أثناء الثورة، لكنهم قاموا بعد أيامها الأولى بدورهم في فضح محاولات الثورة المضادة للنيل من منجزات الثوار، وهو الأمر الذي يعد بمثابة استكمال لدور فن الكاريكاتير الذي امتد منذ سنوات طويلة في محاربة الفساد وكشفه، إلى قيام الثورة وإقامة الفنانين داخل ميدان التحرير ليقوموا برسم كل تفاصيل المشهد على الأرض. وهو ما يؤكد عليه عكاشة، مشددا على أن فن الكاريكاتير، على الرغم من كل ما يواجهه من مشكلات، سيظل السبيل الأهم في حياة شعب يسخر من كل شيء يزعجه مهما كان. كما أنه الأسلوب الأسهل والأقوى في مواجهة الأزمات والمشكلات، خاصة السياسية منها، ولا يعوقه في هذا غياب التدريس الأكاديمي، أو محاولات القرصنة الإلكترونية، فالجيل الجديد الذي أشعل فتيل الثورة يستطيع مواجهة كافة أزماته للارتقاء بفن قديم ومهم مثل فن الكاريكاتير.

Comments

عاجل