القبعة التركية للناتو
محمد نورالدين لا أحد يغبط تركيا على الوضع الذي تواجهه منذ بداية “الثورات” العربية التي تحول بعضها إلى حروب أهلية مثل ليبيا واليمن . حين كانت الجغرافيا البشرية العربية تغط في هدوء وصمت مطبقين، كانت تركيا حزب العدالة والتنمية تصول وتجول متوعدة “إسرائيل”، معارضة خططاً غربية هنا أو هناك . وعندما اهتزت الأرض العربية وماجت بحور الجماهير بغضبها الكامن، كانت تركيا تراقب المشهد مستغلة فرصتها الجديدة في التقاط اللحظة المؤاتية للمزيد من تأكيد الحضور وتلوين الصورة . وجّه رئيس الحكومة التركية أولى لكماته إلى الرئيس المصري حسني مبارك حين لمحه يترنح على الحلبة الداخلية ونسبياً الخارجية، فبدا “السلطان” التركي شريكاً في إسقاط “الخديوي” المصري . ونجت تركيا من القطوع الأول بل سجلت نقطة بهذا الخصوص . قبل مبارك لم يتح الوقت لتركيا أن تفتح فمها، كما يقال، لكي تدلي بدلوها في ثورة أبي القاسم الشابي في تونس، إذ كان سقوط زين العابدين بن على أسرع من كل التوقعات والإدلاء بالرأي . وعندما جاء الدور إلى ليبيا كان الامتحان الصعب لتركيا المستمر حتى هذه اللحظة من دون أن يرسو المركب التركي في مرفأ محدد، بل يبدو متأرجحاً على وقع التذبذب في المواقف . إذا قارنا ما كان يطلقه المسؤولون الأتراك من مواقف منذ لحظة اندلاع الاضطراب الليبي وما أطلقوه لاحقاً وبتدرج ندرك براعة التركي في الانتقال من لون إلى لون ومن موقف إلى آخر . عارضت تركيا التدخل الخارجي من أي نوع وعارضت مطالبة القذافي بالرحيل، وعارضت الحصار على ليبيا، وعارضت الضربات العسكرية، وعارضت تدخل حلف شمال الأطلسي(الناتو) تحديداً . لكنها لاحقاً تراجعت عن كل هذه المواقف، بل وافقت على تدخل الأطلسي وبعمليات عسكرية، وإن غلفت ذلك بالقول إنها تشارك في مهمات غير قتالية وفي المراقبة فقط . في حين أن هذه المهمات حتى لو لم تكن قتالية هي جزء من عملية الأطلسي ككل التي تتوزع المهمات بين القصف والمراقبة والتفتيش . وليس من فرق بين تفتيش لسفن تدخل المياه الليبية وبين قصف لقواعد عسكرية لقوات القذافي . العملية كل متكامل وكل جانب يكمل الآخر . والقصف هو الوجه الآخر للمراقبة والتفتيش . المنطق نفسه استخدمته تركيا في أفغانستان عندما قالت إنها تشارك في القوات الأطلسية ليس كقوات مقاتلة بل مساندة وتدريب الجيش الأفغاني وما شابه . تركيا تنطلق أيضاً من مقولة إن الجيش التركي لا يمكن أن يقاتل ضد شعب مسلم، لكن هذا المنطق لا يستقيم مع مسار الوقائع، بل يتعارض مع بعض ما ذهب إليه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عندما قال في 23 مارس/آذار الماضي، إن تركيا لا يمكن أن تتقاسم مسؤولية في عملية توصف من قبل البعض(وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان) بأنها صليبية، لكن تركيا عادت وأيدت تدخل الأطلسي في ليبيا وشاركت بالعملية بأشكال متعددة . أكثر من ذلك أن مجرد مشاركة تركيا في أية عمليات لحلف شمال الأطلسي وهي الدولة المسلمة الوحيدة فيه، تعطيه صك براءة من أية نوايا صليبية، فيما كل عمليات حلف شمال الأطلسي تحدث في الجغرافيا الإسلامية من أفغانستان إلى ليبيا . تتبع تركيا دوراً مركّباً ناتجاً من طبيعة الجغرافيا السياسية التي تنتمي إليها . فهي أطلسية وأوروبية ومتوسطية وسلافية وإسلامية وآسيوية وشرق أوسطية و”إسرائيلية” . وهي تدعم حماس من جهة وتطفيء، من دون أن يدعوها أحد، حرائق الكرمل في شمال فلسطين المحتلة . وهي ترفض التدخل الخارجي في ليبيا ومن ثم تشارك فيه . تحسن تركيا قراءة الأوضاع في ما يتصل بمصالحها . لكنها بارتداء كل حالة لبوسها خارج المعايير الموحدة تضعف الثقة التي حاولت أن تبنيها في السنوات الماضية مع العالم العربي، وهذا لا يخدم الدور التركي بل يؤذيه . نقلا عن (الخليج) الإماراتية
Comments