المحتوى الرئيسى

البطالة تتفاقم والفاقة تدفع الناس للتظاهر بقلم:عبد الاله النصراوي

04/08 17:32

عبد الاله النصراوي الأمين العام للحركة الاشتراكية العربية - بغداد ليس جديدا القول بأن العراق كان عبر التاريخ نموذجاً لأرض الخصب والخير والحضارات، ولذلك اطلق عليه اسم (ارض السواد) لكثافة الزراعة فيه وخصوصاً النخيل, ولعيش سكانه في بحبوحة يحسدون عليها. ومن المؤلم حقا أن يتحول بلد الخيرات هذا من الغنى الى الفقر, ويفقد الحدود الدنيا للتقدم والرفاهية فيه على الرغم من ثرواته النفطية الكبيرة ، فالاحصائيات بحدها الادنى تشير مثلاً الى وجود 15% من ابنائه عاطلين عن العمل علاوة على العمالة الناقصة ومنها باعة المفرق الذين تصل نسبتهم الى قرابة 30%. انها لمفارقة محزنة، فهذا البلد المعطاء قد تحول بسبب الانظمة الاستبدادية وسياسات الاستئثار والمحاصصة والحروب الى مأوى للعاطلين والفقراء وبؤرة لنقص حاد لابسط الخدمات الانسانية، ومن بؤس ما يعانيه العاطلين والفقراء من ظلم وفاقة يكاد صوتهم يلتقي مع صوت الصحابي أبو ذر الغفاري وهو يصرخ (عجبت ممن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه)؟ لكن الناس عندنا اعتبروا أن اصواتهم المتعالية عبر تظاهراتهم واحتجاجاتهم هي سيوفهم المشهرة في وجه من حرموهم ابسط متطلباتهم في الحياة الكريمة, وتوفير احتياجاتهم المعيشية والخدمية. ولذلك عبر المواطنون عن ارائهم بوسائل مختلفة ولأسباب لم تعد خافية على أحد، ومنها: اولاً: التظاهرات المستمرة في بغداد ومختلف محافظات البلاد وهي بمثابة تعبير عن ألم الناس واحتجاجهم على الظروف السيئة التي يعيشونها، ومطالبين بتحسينها وتقديم الخدمات الاساسية والضرورية لهم، خصوصاً وأنهم قد حرموا منها عقوداً طويلة وتوسموا بالحكومة خيراً في أن تعوضهم عن تلك العقود بتلبية حاجاتهم من المتطلبات المشروعة لأي شعب، فكيف الأمر وهم يعيشون في بلد يعتبر من بلدان العالم الغنية بالثروات القادرة على تلبية كل تلك المتطلبات اذا ما احسن استخدامها وتوزيع عائداتها! ثانيا: إن الحالة المأساوية التي تعيشها الغالبية العظمى من الناس ولّدت فاقة حقيقية بحيث أن تقارير الامم المتحدة تشير في احصاءاتها الى أن خط الفقر قد بلغ في العراق 23% ، وهذا واضح جلي في الارياف ومدن الصفيح واحزمة الفقر في المناطق الشعبية المعدمة، وفيها نلاحظ تعاظم معدلات الجريمة، المدفوعة الثمن والتي يستفيد منها من يشاء وبخاصة الارهابيون انفسهم. ومن المؤلم حقاً أن تزداد وتيرة الفقر ، وربما يكون الامر الاكثر ألماً بالنسبة لنا هو الغياب المريب لمشاريع يمكن أن تخفف من معدلات الفقر, والحيلولة دون ازدياده بنحو مستمر.. وهو ما افقد العراقيين الامل بعد ان وجدوا ان الفاقة قد تمكنت من حياتهم, وبات الحديث الشريف (كادت الفاقة أن تكون كفراً) معبراً عن اوضاعهم، فليس ما هو اكثر ألماً على المجتمع من أن يحرم من لقمة العيش الشريفة وأن يسد رمقه من خلال العمل الحلال وتوفير الفرص اللازمة لذلك. ثالثاً: من الواضح انه لا توجد خطط فعلية للتنمية في العراق لمواجهة هذه التحديات فمن المعروف عالمياً وفي علم الاقتصاد أن الدول تضع خططاً طويلة الامد ومتوسطة ومنهاجاً سنوياً يجري تنفيذها على مراحل وتخصص المبالغ اللازمة لها وتعطى الاولوية في الاهتمام، وكان هذا النهج موجوداً في العراق عبر وزارة التخطيط التي تضع خططاً عشرية وخمسية ومنهاجاً استثمارياً سنوياً، ويقوم موظفون اكفاء في وضع هذه الخطط كل حسب اختصاصه, وبالتالي فأن اية عقبة او مشكلة في التنفيذ يجري حلها والاشراف على انجازها من خلال عناصر مختصة، وهذا ما نفتقده في الوقت الراهن سواء من حيث انعدام التخطيط بمختلف مدده أو بعدم وجود اقتصاديين من اصحاب الاختصاصات المتنوعة يشرفون على التخطيط والتنفيذ، وذلك ما يجعل وضعنا ينطبق عليه قول (اقتصاد بدون اقتصاديين) بعد أن كان المثل يقول (ديمقراطية بدون ديمقراطيين) فقد جرى قلب الموازين ليصبح الاقتصاد وهو محرك جميع المجالات الاخرى لا يدار من قبل ذوي الخبرة والمقدرة في هذا المجال. بحيث لا نجد اقتصادياً في الحكومة وتدار القطاعات الاقتصادية من عناصر لا علاقة لها بالاقتصاد. وكان من نتيجة هذه الحالة أن تسود الحلول المرتجلة وغير المدروسة، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فأن الحكومة تنوي الان تخفيض سن التقاعد من 63 سنة الى 61 سنة بحجة توفير فرص عمل للاجيال الجديدة، ولكن ذلك لا يمثل حلاً عملياً وجذرياً باعتقادنا، وان الموظف في عمر الحادي والستين يكون في قمة النضج والخبرة والكفاءة والعطاء، ومن الخسارة احالته على التقاعد، وفي أوروبا يعتبر المعدل الوسطي للعمر 75 سنة واخذ عمر الانسان يزداد بفعل التقدم الصحي والاقتصادي وتحسن ظروف المعيشة، وقد رأينا أن الرئيس الفرنسي ساركوزي قد رفع عمر التقاعد من 61 الى 63 للاستفادة من عطاء الموظفين وهم في هذه السن المناسبة للاستمرار في العمل. لذلك فأننا نعتقد أن من يحالون على التقاعد سيتحولون الى عاطلين عن العمل ويتقاضون رواتب تقاعدية تزيد من انفاقات الدولة غير المثمرة وعديمة الجدوى، كما انها تنعكس سلبياً عليهم من النواحي المادية والنفسية والاجتماعية، ولا ندري من أين تأتي مثل هذه الافكار لدى بعض المسؤولين, في حين اننا نطالب بايجاد فرص العمل الحقيقية واردنا التحول من دولة ريعية تعيش على انفاق عائدات النفط الى دولة انتاجية. رابعاً: لا يجوز الاعتماد على النفط كوسيلة لايجاد فرص العمل فالخبراء يؤكدون أن ميدان النفط لا يشغّل اكثر من 1% من الايدي العاملة، ونتيجة لاعتمادنا على هذا المجال فقد تدهورت الصناعة واصبحت تمثل 1.5% من الناتج القومي، والزراعة 3.5% منه، بينما المعروف لدى الاقتصاديين أن تنمية القطاعات الاقتصادية هو الطريق السليم لمكافحة البطالة وتشغيل الناس، وتسخير اكبر جزء من موارد الدولة الى القطاعات الانتاجية المثمرة، علاوة على ضرورة اعادة البنى التحتية الاساسية واقامة مشاريع الاسكان خصوصاً وان الاحصائيات تشير الى اننا نحتاج الى مليوني وحدة سكنية و 6000 مدرسة ابتدائية ومشاريع الانشاءات المختلفة وبذلك نساهم في سد بعض حاجات الناس الى العمل والقضاء على البطالة. وبأمكان تحقيق هذه المطالب من خلال الفرق بين تسعير برميل النفط الواحد في الميزانية العامة بـ 76.5 دولار في حين أن سعره قد أرتفع الى اكثر من 100 دولار، ومن المتوقع أن تزداد ايرادات النفط بـ 20 مليار دولار اضافة الى التقديرات الأولية وستكون اكثر اذا ارتفعت الاسعار، لذلك فأن هذه الفروقات الكبيرة يجب توجيهها الى قطاعات الزراعة والصناعة وعلى المسؤولين الاخذ بالاولويات المهمة وعدم توجيه القسم الاكبر من الميزانية الى المجالات التشغيلية لان ذلك يعني الدوران في حلقة مفرغة لا تحقق تقدماً حقيقياً للبلاد . فهل من توجه حقيقي لتلافي الاخطاء والهفوات والبدء بعملية التخطيط السليم لاقتصاد البلاد؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل