المحتوى الرئيسى

مصر ...مستقبل الحراك السياسي بقلم رامي حاج سعيد

04/07 21:45

وحده الطين من استطاع أن يحيل اختلاف المشارب السياسية في ميدان التحرير طيناً، إلا أنه وبعد الثورة، لن يستطيع العبور إلا من خلال ممارساته الديمقراطية، ومن خلال مكاشفة وطنية ودعوة للحوار... فإذا كان بناء نظام سياسي مدني ديمقراطي هو المنتهى في فكر الثورة المصرية، فإن وحدة الطين في مكنون الشعب المصري بتياراته الدينية والعلمانية ، هي الأداة الأمثل لبنائه، وخصوصاً أن الثورة المصرية لم تكن بيضاء تماماً، ففارسها المسجى على قارعة الطريق كان معفراً بلون الدم، وصهيلها وصليلها وقعقعة حناجرها كانت معفرة أيضاً بلون الدم. إن أحداً لا يستطيع أن يشكك في نتائج الانتخابات المصرية على ما رقّع من الدستور، كما أن أحداً لا يستطيع أن يتجرأ على ديمقراطية آلياتها، لكنها ونتيجة للخلل الواضح في البنية التنظيمية للكثير من الأحزاب و الجبهات الفكرية التي تعتقد بضرورة بناء دستور جديد، وبالمقارنة مع حركة الإخوان المسلمين المنظمة والمتحالفة مع السلفية، والقادرة بما تراكم لديها من الخبرات في سرعة التحرك وإدارة عناصرها على الأرض، أعتقد أن هذا الخلل سيؤدي بالضرورة إلى نتيجة واضحة الملامح، وربما غير ديمقراطية، إذا ما نظرنا إلى أحقيّة الآخر في إعطائه الوقت الكافي لتنظيم صفوفه وحشد طاقاته، وطبعاً هذا لا يعطي المبرر لاتهام حركة الإخوان المسلمين بالخيانة أو العمالة أو محاولة فرض الأسلمة على أجهزة الدولة، كما ذهبت أقلام الكثيرين ممن يعتقدون بنخبويتهم، كما أنه لا يبرر محاولة ربطهم بفلول الحزب الوطني لما في ذلك من تحفيز سافر للذاكرة المصرية القريبة بشجونها وآلامها . عندما شبه الشيخ محمد حسين يعقوب هذه الانتخابات بـ"غزوة الصناديق" وبغض النظر عن شرعية ما ذهب إليه، وبغض النظر عن دلالاته، وعن قبولنا أو رفضنا، إلا أنه لم يبق أحد من أرباب القوى السياسية في الطرف الآخر، إلا وتهجم عليه، ثم كانت هناك تحذيرات ودعوات وتحالفات ومتاريس في وجه هذا المد السلفي (على حد تعبيرهم). في الحقيقة إن هذا النموذج المتعصب للدين (إذا صح التعبير) هو جزءٌ من سواد هذه الأمة، وهذا يعني أحقيّته في صياغة خطابه السياسي، طالما أنه لم يخرج عن روح القانون، وأميز هنا بين الخطاب وبين الفعل، فالخطاب هو حالة ديمقراطية خالصة، وأما الفعل وتنفيذ السياسات على الأرض دون أي مرجعية قانونية فهذا مرفوض تماماً . كان الاقتراع على تعديل الدستور للكثير من الليبراليين والعلمانيين والأقباط، والكثير الكثير من شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير، بمثابة معركة حقيقية، إلا أن أحداً لم يستخدم عبارة الغزوة، كما فعل الإخوان والسلفيين، وعند العودة للفرق بين هاتين المفردتين وجدنا أن أحد تفسيراتها يقول بأن المعركة هي وقعة بين فريقين انتصر أحدهم على الآخر انتصار واضح لا غبار عليه، وأما الغزوة فهي معركة صغيرة لم يتضح المنتصر فيها، وهي تعتمد على الكر والفر، وبهذا المعنى فمن الديمقراطية إذاً استخدام كلمة غزوة، لدلالاتها اللغوية في استمرار المنافسة على السلطة . المشكلة الحقيقية هنا ليست في استخدام اللفظ بما يحمل من دلالات إسلامية، المشكلة هنا هي كل ما تحدثنا عنه من مفهوم السيطرة والخوف ومن تغييب الآخر ديمقراطياً، وهذا خوف مبرر فحركة الإخوان المسلمين وبالرغم من تطور بنيتها الفكرية على مستوى المصطلح والفكرة وحتى الخطاب، ثم دعوتها لبناء نظام جمهوري وبرلمان ديمقراطي، إلا أن إصرارها على شعار الإسلام هو الحل، كفيل بترسيخ حالة الفزع، ودليل على سياستها الإقصائية، فالإسلام هو الحل بالنسبة لأية دولة إسلامية أحادية الطيف، وهو حل من ضمن حلول أخرى بالنسبة للدولة المدنية على اختلاف فرقائها. الغريب أن هذه المعركة الديمقراطية، وبالرغم من شفافية أطرافها، وحرص كل منهم ومن وجهة نظره على مكتسبات الثورة، إلا أنها أخذت لنفسها طابعها التصادمي، والخطير أنها وجدت من وعلى منابر الإعلام ساحة ترسخ بها لمجتمع طائفي بامتياز، وكأن الطين الذي وحد هتاف حناجرهم هناك، هو ليس نفسه الطين هنا، فهناك كان الشعب يريد إسقاط النظام، وهنا الشعب يريد إسقاط الشعب وإسقاط ثورته .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل