المحتوى الرئيسى

شريف الغرينى : قانون معاداة الثورة

04/07 18:06

هناك خطأ دارج تتناقله الأقلام وتنطقه السنة الناس البسطاء والمثقفين على حد سواء عند وصف الاستبداد والظلم والحكم المطلق بأنه نظام ديكتاتوري ، فالديكتاتورية اصطلاح روماني قديم  ويعبر عن نظام وضعته الدولة الرومانية معتبرة إياه جزء استثنائي بسيط ومكمل لنظام برلماني ديمقراطي أصيل ، حيث كان  يقوم فيه  مجلس النواب senate   في روما و في أوقات الأزمات التي تهدد البلاد باختيار شخصية مشهودا لها بالقدرة والكفاءة والحزم وتكليفها بإدارة شئون الأزمة مع الاتفاق على تفويضه سلطات شبه مطلقة  خلال وقت محدد تكفى لإنهاء ودرء الخطر عن البلاد  على  أن تسقط  تلك الصلاحيات بالتقادم أو بانتهاء الأزمة ..أيهما اقرب ، أما ما كان يحدث في مصر وغيرها من الدول قديما وحديثا فهو شيء خارج ذلك السياق تماما ، إذا لا يمكن اعتبار السلطة المطلقة والاستبداد نظام أو طريقة خاضعة لأي تصنيف من التصنيفات المتعارف عليها قديما وحديثا ولذلك كانت السلطة تتخفى دائما في عباءات دينية حتى لا تخضع لأي حسابات بشرية ويصبح الحاكم الهي مطلق اليد ” ثيوقراطى”   يسال ولا يسأله احد يحاسب ولا يحاسبه أحد..أو أن يكون أسطوريا تسبقه بطولات  من ثورة وحرب و انجاز جلل يخرج الناس من الظلمات إلى النور مثلما فعل السادات  الرئيس المؤمن بطل الحرب والسلام  صاحب ثورة التصحيح التي لا يعلم إلا الله ضد من قامت هذه الثورة  ولمن وبأي هدف .. أو كما فعل مبارك العظيم صاحب الطلعة البهية والطلعات الجوية للولايات المتحدة الأمريكية أو القذافي صاحب ثورة البرسيم الأخضر..  اعتقد أن عرضي لمعنى كلمة  الديكتاتور ينطوي على مطلبي الشخصي بتفويض احدهم للتصرف دون الرجوع لأحد للقضاء على من يقف في وجه الحلم المصري  ..الثورة المصرية تعانى اليوم  من ممانعة ومكابح  تصنعها أياد آثمة تتعاون داخليا وخارجيا في توجيهها بعيدا عن أشياء محددة فهناك خطوط حمراء على مصر ومصر بالذات عليها  ألا تجتازها منذ عهد محمد على وحتى اليوم ، سواء كان ذلك في ظل نظام عسكري أمنى أو في ظل نظام ديمقراطي ، المهم ألا نفكر في موضوع أن نصبح كما ينبغي أن نكون “دولة كبرى” والأهم  ألا ندرك أننا قادرون .. فمصر  كانت الدولة العظمى قديما ، وحديثا هي  الأكثر تأهلا لأن تكون كذلك ، فهي دولة مفترق الطرق التي تقسم العالم إلى نصفين وتعد بوابة العالم الشرقي للغرب وبوابة الغرب للشرق والطريق من الشمال إلى الجنوب والمعبر اليابس من أوروبا لإفريقيا واسيا والعكس  والمتحكم في طرق التجارة منذ عهد الفراعنة ، وهذا الموقع  احدث  تداخلات جينية وانصهار تام بين أجناس عديدة توطنت وبقت في مصر و تسببت  بامتزاجها بتميز العقل المصري بالذكاء الحاد والالتصاق بالمدنية و القابلية المتناهية في قبول الأخر والوسطية والاستيعابية  و هي  فروق فردية تميزنا بشكل واضح عن باقي الشعوب و تجعل من المصري عنصرا إنسانيا فريد إذا ما قورن بغيره من الأجناس التي تعانى من العزلة الجينية التي اثبت البيولوجيين اتجاه الشعوب  التي تعيش على حواف العالم جغرافيا  للانحدار ذهنيا وجسديا  في مقابلة الأجناس التي اختلطت وتداخلت أعراقها كالشعب المصري .. هذا فضلا عن التنوع المناخي والتضاريسي  والتنوع في العناصر المكونة للاقتصاد المصري عامة ، فمصر بلد لا ينقصها إي عنصر من عناصر السبق الحضاري ولكن السؤال الذي يقذف بنفسه في وجوهنا جميعا .. لماذا نحن في الخلف مع توافر كل عوامل السبق ؟هناك في العالم من يقرأ ويعي ويتابع بعين الخبير ويعلم تماما ويقدر ما يملكه الشعب المصري من مؤهلات و لكنه في ذات الوقت يخشى من مغبة استغلالنا لقدراتنا وثرواتنا الكامنة فينا و في أرضنا ويعلم أن في  سبقنا ردى وهلاكا له لو أننا بالفعل تمكننا من واقعنا يوما ،البعض سيقول أنى مازلت حبيس فكرة المؤامرة ومع ذلك أقول أن الأمر ليس كذلك واراها أنها ليست مؤامرة على الإطلاق  لان المؤامرة من سماتها قصر العمر والانتهاء بنهاية تنفيذها ..أما ما أتحدث عنه هنا  فهو حقيقة  تاريخية وركيزة إستراتيجية غربية تتوارثها أنظمة الحكم عندهم و تستطيع أن  تثبتها دراسة بسيطة للحروب الفجة التي تورطت فيها تحالفات أوروبية  ضد محمد على باشا وضد عبد الناصر فيما بعد  وضد كل أصحاب  الفكر القومي الاستقلالي الوحدوي التقدمي ، من قبل ذلك وحتى اليوم ونحن نعانى من  الاحتلال التبادلي لمصر من قبل الدول العظمى وحسب قوانين الإزاحة السياسية والتي تتفق دائما في الهدف وتختلف في الطريقة  سواء كانت تلك الطريقة بالهيمنة العسكرية والتحكم القسري واغتصاب الشعوب وفقا للفكر الأوروبي أو بالغواية  والعصا والجزرة من باب الغزو ثقافيا تخفيضا للنفقات و تعظيما لعوائد المستعمرات   لا تراجعا عن الفكر الاستعماري نفسه  وفقا للطريقة الأمريكية ، قليلون من هم مثلى ممن لا يتعجبون مما يحدث للثورة المصرية من ممانعة  وقليلون هم  من يتوقعون كل ما يحدث لدرجة أنهم لا  يشعرون بالصدمة  ، لأنهم يعرفون مثلى أن مصر دولة مازالت محتلة وأنها أن كانت قد أزاحت نظام فهي لم تفعل أكثر من ضرب وكيل كان يستر خلفه المستعمر الحقيقي والذي  مازال يدير اللحظة من خلف مجموعة وكلاء جدد تظهر علينا كل يوم بالزى العسكري المموه بالأكاذيب  ، ما يحدث الآن في مصر ليس إلا محاولة لإعادة ترتيب الأمور وإطالة أمد و إتاحة الفرصة لاستحداث طريقة احتلال تناسب  الظرف التاريخي و التغير الحادث في خارطة الشعب المصري وملامحه الجديدة و التي أضيف لها مؤخراً ملمح الحرية ومطلب العدالة الاجتماعية، و كما أن الأنظمة العربية  القمعية الفاسدة تتشابه  ولا تبدع وكما أنه لا جديد في عالم القمع والقهر فإن الأنظمة الاستعمارية أيضا لا تبدع وتستخدم نفس السيناريوهات لغزو وإسقاط الدول وللسيطرة عليها ، فالعراق الجريح على سبيل المثال واستخدام الآلة الاستعمارية  للطائفية والمذهبية لإذابته وتفكيكه  مازال غير بعيد عن عيوننا وهاهم يستخدمونه في مصر اليوم ، فمصر في عيونهم  إما أن تعيش محتلة أو أن تموت  ، ومن غير المقبول لدي النخبة العالمية الحاكمة أن تدار هذه البلاد بمعرفة وطنيين  مخلصين فقدرنا أن يكون هناك من يحكمنا  باسم الآخرين وقدرنا أن نرتضيه و ألا نرى من يختبئ خلفه شريطة ألا نعرف أن هذا يحدث ، لتكون سياساته مقبولة والتي هي في الأصل سياسات المستعمر ، المهم أن يغط الشعب في وهم الاستقلال والكرامة الوطنية التي لا وجود لها  ، إن المخطط الذي لديهم فيما يخص مصر والوضع الراهن  ينادى بالتقسيم على أسس مذهبية وطائفية وهو الآن الحل الوحيد أمامهم لبقاء مصر حبيسة عصور الظلام و هي آلية سريعة مجربة و تستخدم  بمنهجية لذبح الحلم المصري ووقف تحليقه  في سماوات الحرية ..للأسف لم يدفع بالثورة المصرية  في هذا الطريق وهذا الأتون سوى رجال الجيش في المجلس الأعلى ، الذي يدعى كل يوم دعمه للثورة والثوار ،ولو كان الجيش صادقا في دعمه للثورة  لحارب أعداء الثورة بطرق شتى ولو بإصدار قانون يشبه قانون ابتدعه “أولاد العم من الصهاينة ” ،لماذا لا نسميه مثلا قانون معادة الثورة ؟ وليضع له فقهاء القانون عقوبات استثنائية ولنعتبر فيه أن  الطائفية والدعوة أليها ،  والمذهبية والدعوة إليها  ، والبلطجة  ، والتأمر ، والتحريض  ضد الثورة ، وإهانتها أو تعمد التجمهر والشغب بغرض تشويهها أو عمل أي دعاية سلبية عنها  جرائم تعبر عن معادة الثورة  وأن ارتكاب هذه الجرائم على الأقل في السنوات الأربع القادمة يستوجب محاكمة عاجلة وحكم قاس رادع واجب النفاذ بمجرد الإثبات  ، لأن مرتكبو هذه الجرائم  يجب أن يميزوا وأن ويحاصروا لأنه ببساطة  يحاول قتل حلم وليد و إرادة شعب لا ذنب له إلا أنه اختار الحرية والاستقلال..مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل