المحتوى الرئيسى

مصر: «تجريم الاحتجاج» بين التبرير والإدانة بقلم:فؤاد محجوب

04/06 21:51

فؤاد محجوب الثورة المصرية كانت عبارة عن احتجاجات ومظاهرات، فكيف يتم تجريمها الآن؟ وكيف يتم التعبير بشكل جماعي عن الرأي، إذا قبل هذا القانون؟ على رغم الانتقادات الشديدة التي وجهتها منظمات حقوقية وقوى معارضة مرتبطة بـ «ثورة 25 يناير»، لمشروع قانون تجريم الاعتصام والتظاهر، واعتباره «انتكاسة للثورة والديمقراطية»، أقر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مرسوم القانون المتعلق بذلك، والذي يتضمن عقوبات بالحبس أو الغرامة ضد بعض حالات الاحتجاج والاعتصام. ورأى المعارضون للقانون أن «الاعتصام والتظاهر والاحتجاج والإضراب عن العمل ليست جرائم، كما وصفها القانون، ولكنها حقوق ناضل عمال العالم وعمال مصر من أجل التمتع بها وتضمينها في اتفاقات دولية، وقعّت وصدّقت عليها مصر، ويجب على كل السلطات أن تحترم هذه الحقوق دون انتقاص أو إهدار». وطالب المعارضون السلطات المصرية بالتوقف عن تصدير فزاعة الاستقرار واستخدامها سيفا مسلطاً على رقاب الشعب لقبول التنازل تلو الآخر. مؤكدين أن الاستقرار المنشود الذي يتمناه الشعب المصري لن يأتي من سياسات وممارسات وقوانين قمعية تصادر الحريات وتعود بنا للوراء لأكثر من خمسين عاما، ولكن يأتي من خلال إرساء قواعد العدالة الاجتماعية والاعتراف بحقوق العمال والفقراء والفئات الأكثر تهميشا. وذكّر هؤلاء بأن مطالب عمال مصر التي رفعوها طوال الأشهر الماضية لم تجد أية استجابة أو تقدير لها، بل شنت حملة شرسة عليها، حيث تم وصفها بالمطالب الفئوية، في محاولة للادعاء بأنها مطالب شخصية لا تتوافق مع اللحظة السياسية التي تمر بها البلاد. ولفت المعارضون إلى أن المطالب المرفوعة من قبل العمال المصريين، هي مطالب وحقوق اجتماعية واقتصادية عادلة لكافة عمال مصر، وليس فقط مطالب فئوية أو شخصية لقلة من العمال، مضيفين بأن «المتابع للدور الشريف الذي قام به العمال في حماية القطاع العام من المسؤولين والقيادات الفاسدة، والاحتجاجات التي قاموا بها في السنوات الأخيرة من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، يخجل من حرمانهم من حق الإضراب والتظاهر». وفضلا عن ذلك كله، قال هؤلاء بأن «الثورة المصرية كانت عبارة عن احتجاجات ومظاهرات، فكيف يتم تجريمها الآن؟ وكيف نعبر بشكل جماعي عن رأينا، إذا قبلنا هذا القانون؟». التبريرات المطروحة وفي المقابل، سعت الحكومة المصرية إلى طمأنة المعترضين من خلال التأكيد على أن القانون «لا يهدف إلى حرمان المواطنين من حق التجمهر والإضراب والتعبير عن الرأي والمشاركة في صنع مستقبل البلاد (..)، وإنما يهدف إلى مواجهة ظاهرة جديدة أصبحت تقلق المجتمع المصري، وهي زيادة حجم الوقفات الاحتجاجية، وكذلك الاعتصامات الفئوية التي أوقفت دولاب العمل في مختلف المجالات ومرافق الدولة»، كما قال وزير العدل المصري المستشار محمد عبد العزيز الجندي، وأضاف بأن القانون «مؤقت وسيتم وقف العمل به بعد إلغاء قانون الطوارئ، لأنه تم إصداره لمواجهة ما يحدث خلال الفترة الانتقالية التي تمر بها مصر في الوقت الحالي، إذ يخشى من إصابة مرافق الدولة بالشلل وتعطل الإنتاج في الوحدات الصناعية والاقتصادية». ورأى الجندي أن «الاحتجاجات والاعتصامات المتتالية في مختلف مواقع العمل والإنتاج والمحافظات أثارت الشكوك في أنها غير تلقائية، وأنها محاولة مما يطلق عليها الثورة المضادة ومن أصحاب المصالح المرتبطين بالنظام السابق لوقف العمل والإنتاج وتعريض مصر لفوضى شاملة.. وتاليا الندم على حدوث الثورة». وأشار الوزير المصري إلى ضرورة تحقيق زيادة في الإنتاج وفرص العمل وإيرادات الدولة، في وقت حدث فيه نزيف في الموارد والإيرادات، وخسائر من تعطل الإنتاج والسياحة, وشدد على أن الهدف من القانون هو «توفير الأمن والاستقرار لجذب الاستثمار، وليس مصادرة الحرية على الإطلاق». الموازنة وفرص العمل في غضون ذلك، يشير خبراء مختصون إلى تنامي عجز الموازنة المصرية, وازدياد أعداد مقدمي طلبات التشغيل (7 ملايين طلب بحسب الأرقام المعلنة)، في وقت لا تلبي فيه الوظائف المتاحة أكثر من 450 ألف فرصة عمل خلال العام الجاري. وعلى رغم رهان الحكومة على القطاع الخاص لاستيعاب جزء من طلبات العمل، فإن الركود في معظم شركات القطاع الخاص الصناعية أو الخدمية، يحول دون مساهمة هذه الشركات في تنفيذ «البرنامج القومي للتشغيل» الذي تراهن عليه الحكومة لامتصاص بطالة متنامية شهدت مزيدا من الارتفاع بعد أحداث ثورة 25 يناير، وخصوصا في مجال العمالة الموسمية والمؤقتة. أما شركات القطاع العام، فإنها تعاني هي الأخرى ضغوطا مماثلة تتعلق بتراجع صادراتها أو توقف بعض خطوط الإنتاج فيها. وتراهن حكومة عصام شرف، على قطاع السياحة، للوفاء بمتطلبات البرنامج القومي للتشغيل، حيث تعتقد بإمكان زيادة أعداد السائحين في مصر ليبلغ 15 مليونا خلال هذا العام، بشرط عودة البرامج السياحية، ورفع الحظر الدولي عن السفر إلى مصر. وكانت الجهات المصرية المعنية تلقت أكثر من 7 ملايين طلب توظيف، معظمها من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة. والعامل الآخر الذي يمثل ضغطا شديدا على برنامج التشغيل، هو العجز المتنامي في الموازنة العامة للدولة، والذي من المتوقع أن يقفز من 8,2 إلى 10% هذا العام، ففي ظل هذا العجز يصبح من الصعب توفير موارد إضافية لبند الأجور، خاصة في ظل ثلاثة التزامات مالية للحكومة، وهي زيادة الأجور 15% لجميع العاملين في الدولة، وإضافة عدد كبير من العاملين في الجهاز الإداري، إلى جانب خطة الحكومة لصرف إعانة بطالة للعاطلين عن العمل، الأمر الذي سيمثل مزيدا من الأعباء على الموازنة ويتهدد قدرة الحكومة على الوفاء بمتطلبات برنامج التشغيل. وفي ما كشف الواقع الفعلي عن وجود 7 ملايين مصري بحاجة للعمل، في حين كانت الحكومات السابقة تتحدث عن 3 ملايين عاطل، فإن عددا من الخبراء ينصحون بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، بحيث يتم تخصيص موارد إضافية لبند الأجور وبرامج التشغيل حتى لا تصاب الملايين من الأجيال الشابة بإحباط أو صدمة، خصوصا أنها هي التي صنعت الثورة، وتنتظر أن تحصل على ثمارها. ويشدد هؤلاء على ضرورة أن يتضمن برنامج التشغيل فكرة تقديم قروض بلا فائدة، وتيسيرات للشباب الراغب بإقامة مشروعات خاصة ـ بدلا من الحصول على وظيفة حكومية ـ ومن ثم توفير فرص عمل حقيقية، تضيف إلى الاقتصاد القومي بدلا من المساهمة في مزيد من التضخم في الجهاز الإداري للدولة، بما يعوق عمل هذا الجهاز مستقبلا، أو يعزز توجهه البيروقراطي المعطل للعملية الإنتاجية. وعلى رغم الآمال الكبيرة المعلقة على برنامج التشغيل، فإن القدرة على تحقيق تلك الآمال تبقى محدودة، على الأقل خلال مرحلة الركود الاقتصادي الراهنة، والتي يتوقع لها خبراء اقتصاديون أن تمتد حتي نهاية العام، شريطة إنجاز التحول الديمقراطي المأمول، وإتمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة، وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل