المحتوى الرئيسى

هواية «التفحيط» في السعودية.. لها جمهور واسع والعقوبات تلاحقها

04/06 17:46

تحولت هواية «التفحيط» (وهي تقوم على استعراض مهارة السائقين في القيام بحركات بهلوانية على سرعات عالية) في السعودية إلى عالم كبير انضم إليه كثيرون من الشباب في مهن مساندة تعددت أسماؤها بين «مفحطين» و«موجهين» و«معززين» وحتى «مخرجين» ممن يمتلكون موهبة التصوير وتوثيق مثل تلك اللقطات المثيرة. ولمن لا يعلم، فـ«المفحط» اسم يطلقه الشباب على صاحب العروض التي يقدمها بسيارته والمتضمنة الدوران بها على سرعات عالية أشبه ما تكون بـ«الجنونية»، في حين يعمل الموجه على إصدار الأوامر للمفحطين وتوجيههم إلى الشوارع والطرقات البعيدة عن الجهات الأمنية، بينما يقوم المعززون بمهمة مساندة المفحط ومساعدته في أداء عروضه من حيث التدخل إذا ما تم حدوث أي حادث مروري أو انفجار أحد إطارات السيارة أو غيرها. ورغم الخطورة الناجمة عن ممارسة هواية التفحيط التي تصل إلى خسائر في الأرواح والممتلكات، فإن معظم الشباب السعودي لا يزال مهتما بها كونها تعد وسيلة لإفراغ طاقاتهم وشحناتهم في ظل انعدام أماكن احتواء مواهبهم وصقلها، مما يدفع بهم إلى إخراجها في الشوارع والطرقات مع غياب وسائل السلامة التي من المفترض توافرها في أي محافل متعلقة بعروض السيارات. أبو الطواري، أحد هؤلاء الشباب، وأطلق عليه أصدقاؤه هذا الاسم المستقى من إحدى شخصيات المسلسل الكوميدي السعودي «طاش ما طاش»، أفاد بأنه كان بمثابة «موجه» لمواكب التفحيط والمشجعين والمتجمهرين قرابة 7 سنوات. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يكون رقم هاتفي الجوال منتشر بين المفحطين ومواكب تعزيزهم والجماهير، حيث إنني أقوم بتوجيههم إلى الطرق الآمنة، لا سيما أن مساحة الرياض كبيرة جدا». وأشار إلى أنه يتم اختيار الشوارع والطرق البعيدة عن الجهات الأمنية ومناطق السكان، مؤكدا في الوقت نفسه على أن التفحيط داخل الأحياء السكنية والشوارع الضيقة عادة ما يكون من قبل شباب غير محترفين، وإنما قد يكونون مبتدئين ولا يملكون القدرة على القيادة الجيدة، بحسب قوله. وفي ما يتعلق بمهام الموجه في مجال التفحيط، أفاد بأنه يكون لأكثر من مفحط، بينما هناك من يخصص كل أعماله لمفحط واحد فقط، والمتضمنة التواصل مع الجماهير قبل التجمهر بأربعة أيام وبمجرد أن يطلب منه المفحط فعل ذلك، إلى جانب تسلمه مهمة توجيه مواكب التعزيز المرافقة للمفحط إلى الشوارع التي يراها آمنة ومهيأة. وأضاف: «بالنسبة لمواكب التعزيز، غالبا ما تكون مكونة من أصدقاء المفحط نفسه والقريبين منه، حيث إن قيادته لا تنتظم إلا من خلال المعزز الموجود بجواره في سيارته، إضافة إلى ثلاثة أفراد آخرين يركبون في المقاعد الخلفية، وهو ما يسمى بالتعزيز الداخلي»، مبينا أن مهامهم تتضمن إرشاد المفحط إلى الشوارع والطرق في حال حدوث أي إشكالية مع الجهات الأمنية بهدف الإفلات منها. وذكر أن التعزيز الخارجي يتمثل في عدد من السيارات تكوّن موكبا للمفحط وتكون خلفه، ويتدخلون في حال وقوع حادثة أو تلف في إطارات السيارة أو حتى مشاجرة، موضحا أنهم يقومون بنقل أي حالة إصابة تتعلق بالمفحط أو معززيه الداخليين إلى المستشفى إذا ما تعرضوا لانقلاب أو تصادم. وزاد: «ليس بإمكان أي شخص الدخول في مجال التفحيط إلا من يملك قلبا قويا، إضافة إلى تمتعه بعلاقات قوية وكثيرة تساعده في الخروج من المآزق إذا ما وقع في يد الجهات الأمنية؛ إذ إن هناك من لديه علاقة بأحد منسوبي المرور ليساعدوه في عدم تسجيل سابقة تفحيط في ملفاته، إلى جانب علاقته بأي مستشفى من خلال العاملين بها لمساعدته في استقبال الحالات المصابة دون تعرضه لمساءلات قانونية»، مؤكدا وجود متعة في ممارسة تلك الهواية، إلا أنه من الضروري أن يكون هؤلاء الأفراد على قدر كبير من الوعي والحذر، على حد قوله. حالات الوفاة التي تشهدها معظم تجمعات التفحيط أو «الطارة» كما يحلو لكثيرين تسميتها، غالبا ما تكون من المتجمهرين، الذين يتجاوزون المنطقة ليخرجوا إلى الشارع، ومن ثم يتعرضون للدهس من قبل المفحطين كونهم لا يستطيعون السيطرة على سياراتهم حينها، وذلك بحسب ما أكده أحد المعززين الذي فضل عدم ذكر اسمه. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب علينا تقييد المتجمهرين في مكان واحد، حيث إن ما يقارب 60 في المائة منهم ينزلون فجأة إلى ساحة التفحيط، وهو ما يجعلنا نطالب بتخصيص ساحات تتوفر فيها وسائل السلامة ليتسنى لنا ممارسة هوايتنا دون أي مخاطر». وهنا علق أبو الطواري قائلا: «ابتعدت في الآونة الأخيرة عن التفحيط بعد أن فقدت أشخاصا كثيرين من معارفي نتيجة حوادث شنيعة، فمنهم من فارق الحياة أمام عيني، في حين آخرون سمعت بأنباء وفاتهم بعد نقلهم إلى المستشفى»، موضحا أن بعض الفتيات بدأن في الدخول إلى ذلك المجال من خلال الركوب مع المفحطين بسياراتهم أو مواكب التعزيز أو حتى المتجمهرين. وأبان أن مواكب التعزيز عادة ما يتم استخدامها من قبل المفحطين للتمويه في حال وصول دوريات الجهات الأمنية، فيقومون بإيهام الدوريات بوجود سيارة المفحط بينهم حتى يلوذ بالفرار، على حد قوله. وفي ما يتعلق بأشهر الشوارع المعروفة في الرياض التي يمارس المفحطون فيها هوايتهم، ذكر أبو الطواري أن من بينها «الفروسية» والطرق الدائرية بشكل عام، إلى جانب شارع «البحري» وغيرها. «جنرال الشرق»، المفحط الذي، بحسب قوله، استطاع الحصول على هذا اللقب بعد أن سيطر على منطقة شرق الرياض من حيث قدرته على «إطراب» جماهيره المهتمين بالتفحيط، مؤكدا أن ذلك الاسم لم يصل إليه إلا بعد مشوار طويل في هذا المجال. وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت في ممارسة هواية التفحيط منذ نحو 7 سنوات، وقد امتلكت جمهوري الخاص الذي عادة ما يطرب لعروضي، إضافة إلى مواكب التعزيز الخاصة بي والمكونة من نحو 8 إلى 10 سيارات»، مؤكدا أن هذا الموكب بمثابة حماية له من الاعتداءات أو الجهات الأمنية. وبين أنه عادة ما يحرص على اختيار الشوارع بعناية فائقة من حيث إمكانية وجود مساحات يستطيع الجمهور التجمع فيها، فضلا عن قدرة موكب التعزيز على إيجاد أماكن لسياراتهم، إضافة إلى ضرورة أن لا تكون شدة عزم سيارته في الشارع قوية ليتسنى له التحكم بها، موضحا أن معظم السيارات المستخدمة في التفحيط هي من نوع «كامري» أو «كابريس». وعلى الرغم من تعرض «جنرال الشرق» إلى حادث انقلاب لم يسفر إلا عن رضوض بسيطة له وللراكبين معه، فإنه لا يزال يصر على شعوره بالسعادة والارتياح جراء ممارسته التفحيط، لا سيما أنه من خلال تلك الهواية يقوم بتفريغ طاقات كبيرة بداخله في الحديد. موكب التعزيز المرافق لـ«جنرال الشرق» يتولى عادة مهمة تغيير إطار سيارته أو لوحته أو تمويه الجهات الأمنية عن طريق إغلاق الطريق ليستطيع هو الإفلات من قبضتها، وهو ما يجعله يفتخر كثيرا بموكب تعزيزه الذي وصفهم بـ«الخاصين» والمكونين من «أبو سبعة» و«عتوش» و«شاش» و«مزلب الشرق». وحول كيفية اختيار أسمائهم المستعارة، اكتفى «جنرال الشرق» بالقول: «نأتي بها من عقولنا لتصبح بمثابة أسماء دائمة لنا نحقق من خلالها شهرتنا»، مؤكدا في الوقت نفسه على وجود جماهير متابعين له من خارج مدينة الرياض يأتون لمشاهدة عروضه. واستطرد بالقول: «نقوم بالإعلان عن موقع (الطارة) عبر المنتديات الإلكترونية والموجهين، إلى جانب تقنية الـ(بلاك بيري) ليتم إخبار الجماهير بمواعيد التفحيط، علما بأننا حينما نقدم عروضنا، فإننا نسعى لإسعاد جماهيرنا وليس لإيذائهم، إلا أن حوادث الدهس تحدث بشكل مفاجئ». المطالبات بتخصيص ساحات لممارسة هواية التفحيط جاءت على ألسنة كثير من المهتمين بهذا المجال، حيث تساءل «جنرال الشرق» عن عدم قيام الجهات المعنية بذلك رغم ما تم تقديمه أثناء مهرجان «أكشنها» حينما خصصت مساحات للمشاركين مزودة بوسائل السلامة وسيارات الإسعاف، بينما لا يتم فعل ذلك للشباب الآخرين. طموح معظم الشباب المتجمهرين في ساحات التفحيط لا يتوقف عند حدود الشعور بالمتعة والإثارة لما يشاهدونه فقط، وإنما يمتد إلى أمنياتهم بأن يصبحوا «مفحطين» هم أيضا، إضافة إلى وجود آخرين سخروا مواهبهم للعمل على تصوير وإخراج مقاطع فيديو لما يحدث في تلك الساحات. «أسطورة المخرجين سمارت» المعروف على موقع «يوتيوب» الذي بدأ مشواره في تصوير وإخراج مقاطع التفحيط منذ نحو 6 سنوات، أكد على اهتمامه بالوجود في مثل هذه الأحداث واختيار أنسب الزوايا لممارسة هواية التصوير وإضافة لمساته الفنية عليها ومن ثم نشرها عبر مواقع الإنترنت. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أمتلك موهبة كبيرة في مجال التصوير والإخراج، غير أنني لم أجد أي مكان يتبنى تلك الموهبة، الأمر الذي جعلني موجودا في ساحات التفحيط»، مبينا عدم وجود أماكن ترفيهية للشباب تجعلهم ينصرفون عن تلك الهواية، إلى جانب أنه لم يجد وظيفة يشغل بها وقت فراغه حتى الآن. وأوضح أن أحد أصدقائه المقربين منه فارق الحياة إثر حادث تعرض له أثناء التفحيط أمام عدسة الكاميرا، وهو ما جعله يفكر جديا في الابتعاد عن ذلك المجال، إلا أن وجود أوقات فراغ طويلة لديه تجبره على العودة مجددا. من جهته، أكد مصدر مسؤول في مرور الرياض على أن «التفحيط» لم يعد قضية مرورية فقط، وإنما تعدى ذلك ليصبح إشكالية اجتماعية ينبغي لكافة شرائح المجتمع السعودي المشاركة في معالجتها. وكشف الرائد حسن الحسن رئيس مركز القيادة والتحكم المروري في الرياض عن بلوغ عدد المفحطين الذين وقعوا في قبضة الجهات الأمنية العام الماضي ما يقارب 964 مفحطا منهم 719 فردا لا يزالون على مقاعد الدراسة، إضافة إلى 161 موظفا، في حين وصل عدد الأحداث المفحطين ممن هم أقل من 15 سنة إلى نحو 257 شخصا. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن البطالة ليست لها علاقة بتلك السلوكيات، لا سيما أن عدد المفحطين العاطلين عن العمل لم يتجاوز 84 فردا، الأمر الذي يؤكد غياب دور الجهات الاجتماعية والأندية الرياضية في احتواء الشباب بشكل عام»، مبينا أن نحو 44 شابا تمت معاقبتهم وفق القوانين، إلا أنهم عادوا مجددا إلى التفحيط بعد انقضاء عقوبتهم. وأفاد بأن المرور يعد جهة ضبط تقوم بتطبيق العقوبة فقط، غير أنها لا يمكنها متابعة المفحطين بعد انتهاء عقوباتهم، والذين قد يعودون إلى تلك الممارسات نتيجة عدم وجود بدائل تحتويهم وتساعدهم في تفريغ شحناتهم. وأضاف أن «معظم الشباب لديهم حب الظهور والشهرة، إضافة إلى أنهم يملكون مهارات معينة يريدون إبرازها، إلا أنهم لا يجدون أماكن أو نوادي رياضية تساعدهم في ذلك سوى الشوارع والطرقات»، مشيرا إلى أن الدور الاجتماعية والنوادي الرياضية لم تقم بأي دراسات حول ظاهرة التفحيط رغم امتلاك المرور إحصاءات دقيقة من شأنها أن تساعدهم في القيام بذلك. وشدد رئيس مركز القيادة والتحكم المروري في الرياض على أهمية دور المجتمع وجهاته في احتواء شريحة الشباب قبل خروجهم إلى الشوارع وارتكابهم أي سلوكيات خاطئة، مطالبا في الوقت نفسه بتقدم الدور الاجتماعية إلى المرور للحصول على الإحصاءات والشروع في إعداد الدراسات المطلوبة باعتبار أن «التفحيط» بات إشكالية جذرية. وحول مطالبات الشباب بتخصيص ساحات معينة لممارسة هواية التفحيط بها دون وقوع أي مخاطر، أبان الرائد حسن الحسن بوجود ساحة واحدة فقط تحمل اسم «الريم» وتبعد عن مدينة الرياض نحو 150 كيلومترا، غير أنها غير مفعلة بالشكل السليم كونها بعيدة جدا عن المنطقة. واستطرد في القول: «من المؤكد أن وجود ساحة واحدة فقط في منطقة كبيرة كالرياض لن يكون فعالا مطلقا، فضلا عن أنها ليست مفعلة في ظل احتياج الشباب إلى احتواء مواهبهم نتيجة عدم وجود بدائل، وهو ما أدى إلى زيادة إشكاليات التفحيط بوصفه بات مرتبطا بأمور جنائية». عقوبة المفحطين والمتجمهرين واحدة وفق الأنظمة والقوانين، وتتضمن حجز السيارة لمدة 15 يوما ودفع غرامة مالية تصل إلى 1000 ريال، إلى جانب إحالة المخالف للمحكمة المختصة من أجل النظر في تطبيق العقوبة عليه وفق المعطيات، وذلك في حال تم القبض عليه للمرة الأولى، بينما يتم حجز المركبة قرابة شهر كامل وتغريم المخالف 1500 ريال إذا ما تم القبض عليه للمرة الثانية، فضلا عن إحالته إلى المحكمة المختصة وتطبيق العقوبة المتخذة في حقه، في حين إذا ما تم إيقافه للمرة الثالثة، فإنه يتم حجز سيارته وتغريمه مبلغ 2000 ريال مع الرفع إلى المحكمة للنظر في مصادرة المركبة أو إلزامه بدفع القيمة المماثلة لها إذا ما كانت مستأجرة أو مسروقة ومن ثم سجنه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل