المحتوى الرئيسى

شبابنا الواعد‮ ‬وثقافة الحوار

04/05 23:37

تعد المرحلة القادمة في مصر فترة حاسمة في تاريخها الحديث،‮ ‬مرحلة تكون الديمقراطية أهم سماتها،‮ ‬ولكن يظل السؤال‮: ‬هل نحن مؤهَّلون أولا قبل أن نتحدث عن الديمقراطية علي ثقافة الحوار وتقبل رأي الآخر،‮ ‬وقبول أوجه الاختلاف في الآراء قبل أن نخوض معارك انتخابية من قِبَل الأحزاب المختلفة وفي ظل مرحلة قادمة للتصارع علي الرئاسة؟إنها مرحلة يتطلب الإصلاح فيها الأخذ بأوجه النظر المختلفة لجميع الأطراف المعنية بهذا الإصلاح في جميع المجالات حتي يكون معبرا عن رأي الأغلبية،‮ ‬فثقافة الحوار لها أسس ومبادئ؛ لأنها الأداة التي بدونها لا تستطيع السفينة أن تبحر بنا إلي بر الأمان،‮ ‬فشبابنا لديه من الإمكانات والطاقات الهائلة،‮ ‬ولديه أيضا من قوة التحمل والإرادة القوية التي اذهلت العالم كله رغم أنني أخشي عليه في ظل هذه الحماسة التي تفجرت لديه لتحقيق مطالبه بعد الثورة أن يخلط بين حرية التعبير عن رأيه وحرية الإصرار علي رأيه أحيانا وهو الأمر الذي شبّ‮ ‬عليه ونشأ في بيئة سلطوية يتشبث الأب برأيه،‮ ‬ولا يبالي المسئول في المؤسسة رأي مرءوسيه في العمل‮. ‬كما أخشي علي البعض من شبابنا من سلوكيات جديدة تحت مسمي الثورة علي كل ما سبق؛ أن تكون ثورة أيضا علي قيمنا ومبادئنا وثقافتنا واحترامنا لكبيرنا،‮ ‬سواء في الأسرة أو مؤساستنا التعليمية أو‮ ‬غيرها،‮ ‬فلقد ظهرت بوادر لسلوكيات جديدة بين بعض الشباب وليس كلهم قد تكون مشابهة للسلوكيات السلطوية السابقة بمؤسساتنا،‮ ‬عبّرت عنها بعض المطالب الفئوية المعتصمة مطالبين بتعيينهم فورا بالحكومة أو بتركهم أماكن عملهم من أجل زيادات بالرواتب،‮ ‬وعبّرت عنها فئات أخري بإصرارهم علي تغيير رءوسائهم فورا‮  ‬أو أساتذتهم في بعض الجامعات في الحال،‮ ‬وقد يكونون محقين في كل هذا وفي ضرورة تغيير هؤلاء الرؤساء أو في مطالبهم الأخري،‮ ‬ولكنهم لا يكونون محقين‮  ‬في إصرارهم علي التغيير الفوري دون النظر إلي كوننا في مرحلة انتقالية حاسمة لنا جميعا تتطلب بعض الوقت لكي تتحقق كل هذه المطالب،‮ ‬وتتطلب التغيير الحكيم في ظل إدارة سليمة قوية؛ لأن من مبادئ أي إدارة أن أي تغيير لأيٍّ‮ ‬من الرؤساء في هذه المؤسسات لا بد أن يكون مقرونا بمدة زمنية كافية من شهر أو شهرين متفق عليها ومعلنة للجميع حتي يتسني للشخص المفترض أن ينوب أن يُؤَهَّل لهذا الدور من خلال معايشة المواقف المختلفة لهذه الوظيفة؛ من حيث طبيعة الأمور التي تحكم اتخاذ القرار بها،‮ ‬ومتابعة التفاصيل المختلفة لها،‮ ‬وغيرها من الأمور المتعلقة بشئون العاملين بتلك المؤسسة،‮ ‬هذا وإلا سيحدث خلل وإهدار للطاقات أو المجهودات السابقة التي تم العمل بها لسنوات بهذه المؤسسات بسبب عدم المعرفة بها أو المتابعة لها من الشخص المنوب،‮ ‬وسيحدث ضياع لحقوق الأفراد العاملين بتلك المؤسسات،‮ ‬مما يتطلب وقتًا أطول للإصلاح أو اتباع استراتيجية الإبقاء علي الوضع القائم للمديرين السابقين من باب الاحتياط في وقت لا تحتمل الأمور إلا انتهاجًا لاستراتيجيات جديدة تصلح مسار الكثير من الأمور،‮ ‬وأعتقد أن الفترة القادمة تتطلب دورًا حيويًّا للنقابات الممثلة لهذه المؤسسات،‮ ‬بحيث يكون أعضاؤها من الشباب والخبراء والمتخصصين في تلك القطاعات‮. ‬وأخشي أيضا علي البعض من شبابنا‮ -‬ولست أعني الأغلبية‮- ‬حيث إنه في الفترة الأخيرة وتحت شعار التغيير بدأت تظهر بوادر تدل علي تنصل بعضهم من القيم المجتمعية المتأصلة فينا والمعروفة عنا من احترام الكبير،‮ ‬حيث بدأت تختفي كلمة‮ "‬حضرتَك وحضرتِك‮" ‬في مجالات متعددة،‮ ‬وأصبح يستعيض عنها بكلمة‮ "‬أنتَ‮ ‬وأنتِ‮"‬،‮ ‬أو التعبير عن رفضهم لرأي ما باستخدام لغة الجسم كالتلويح أو تعبيرات الوجه التي تدل علي العصبية وغيرها،‮ ‬أو الاستئثار بالحديث ومقاطعة المتحدثين من الأساتذة والعلماء في البرامج الإعلامية أو في المجالس أو المحافل الثقافية‮. ‬والأغرب من ذلك كله أننا لا نجد من يوجه هؤلاء الشباب‮  ‬لبعض السلوكيات المقبولة؛ لأن الجميع مطالبون في هذه الفترة‮ -‬علي حد قول البعض‮- ‬أن يركبوا الموجة أو موجة الخضوع إلي أي شيء‮ ‬غير تقليدي،‮ ‬حتي لو كان خطأ خوفًا من أن يفقدوا ميزات مستقبلية ينتظروها أو كسب شعبيتهم أو‮ ‬غيره‮. ‬فالثورة التي جاء بها هذا الشباب الواعد القوي كانت ثورة من أجل الإصلاح،‮ ‬وليست ثورة علي التقاليد والقيم المجتمعية،‮ ‬الأمر الذي يتطلب تدريب أنفسنا جميعا علي ثقافة الحوار لتحقيق الكثير من الإصلاحات،‮ ‬وإلا فإننا سنفقد الكثير وتحل الخلافات والنزاعات بيننا علي أبسط الأمور‮.‬استاذة الموارد البشرية بالجامعة الأمريكية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل