المحتوى الرئيسى

حاتم حافظ : 6 أبريل.. نجاح الوطن وفشل “الوطني”

04/05 22:03

(ملحوظة: نشر هذا المقال في جريدة البديل يوم التاسع من أبريل من عام 2008. أعيد نشره الآن بعد مرور ثلاث سنوات على نشره وثلاث سنوات على ميلاد حركة 6 أبريل بدافع القول إن السلطة ـ أي سلطة ـ في العالم لا يمكنها أبدا استباق وعي الشعوب ولا مغالبته!)فشل النظام المصري في التعامل مع الإضراب الذي دعا إليه مجموعة من الشباب على موقع الفيس بوك، وكان واضحا جدا قدر الارتباك الذي أصابه والقلق من أن يمتد الإضراب ليشمل أعدادا أكبر من مجموعة الفيس بوك. علامات الارتباك بدأت قبل أيام قليلة من موعد الإضراب حيث تسارعت وتيرة الوعود الحكومية على صفحات الصحف الحكومية التي لم يصدقها أحد، كما كشف قرار الرئيس مبارك بإلغاء الجمارك على السلع الرئيسية (وهو قرار فاجأ الحكومة نفسها) ومطالبته الحكومة بزيادة العلاوة السنوية إضافة إلى مزايدته على الشعب بحديثه عن الأسعار الجنونية للسلع وكأنه بعيدا عن الأزمة التي يسميها، كشف كل هذا عن أن الدولة أصبح لها رأسان ووعيان كذلك، الوعي الأول يخص الرئيس نفسه الذي يبدو أنه يستشعر القلق من جراء السياسات الحكومية العنيفة ضد الفقراء الذين هم معظم الشعب المصري وهو قلق قد يكون منبته طول خبرته منذ أن كان نائبا للرئيس السادات، والوعي الثاني يخص الحزب الوطني الذي يقود سياساته الآن نجل الرئيس جمال مبارك وهو وعي يبدو منعزلا تماما عن الشعب المصري انعزال أصحابه بسبب نخبويتهم وابتعادهم عن الشارع المصري لسبب أو لآخر، هذا الوعي في رأيي وعي تكنوقراطي يضع سياسات نظرية دون النظر إلى تطبيقاتها على الواقع، كما أنه أيضا وعي مغرور للغاية غرور الشهادات التي يحملها أصحابه (الوزراء الدكاترة) وغرور المال الذي يحمله أصحابه (الوزراء رجال الأعمال) في الوقت نفسه.من جهة ثانية جاء التحذير المتضمن في بيان وزارة الداخلية والذي وصفه البعض بالعنف علامة على القلق من تطور الأوضاع خارج المسارات المعتادة، بدا البيان نفسه عاجزا عن تصور الوضع في مكانه الحقيقي ذلك أن الدعوة التي أطلقت على الفيس بوك والتي ضمت حوالي 66 ألفا لم يكن واضحا أبدا المدى الذي يمكن أن يحققه عدد قليل بالنسبة لمجموع الشعب المصري ولذلك جاء البيان عنيفا تحسبا للحد الأقصى مما يمكن أن يحدث فعلا بدليل حجم القوات التي امتلأت بها شوارع القاهرة منذ الصباح الباكر. والحقيقة أن بيان الداخلية جاء لصالح الإضراب كما عبر مجموعة من المضربين فقد حقق البيان انتشارا لما كان يعتقد البعض أنه إشاعة، تكفلت إذا الداخلية بانتشار الدعوة المحصورة في نطاق ضيق على الانترنت.كذلك فإن التعامل الأمني في المحلة إضافة إلى زيارة نظيف في اليوم التالي تكشف مدى الارتباك بل والخوف من أن يستمر الإضراب رغم أن صحف الحكومة أعلنت فشله، لقد جاء التعامل الأمني العنيف باستخدام تنظيمات الجنود المتخفيين في ملابس مدنية وكتائب البلطجية وهي كتائب كان يمكن رؤيتها في العاصمة نفسها تقف في تشكيلات تثير سخرية الجميع دليلا على الخوف من أن تكون مظاهرة المحلة بداية وليست حدثا عارضا وبدت القوات الأمنية هناك كما لو كانت مأمورة بالعودة بكبش فداء، غير أن كبش الفداء كان له رأي آخر فقد تجددت المظاهرات في اليوم التالي ولم يتمكن الأمن من منع أهل المحلة من إسقاط صورة الرئيس مبارك في ميدان الشون في مشهد علق الكثيرون أنه يذكر باسقاط تمثال صدام حسين.أما الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء بصحبة عدد من الوزراء كما لو كانوا وفدا رفيع المستوى فيكشف المدى الذي وصل إليه النظام من الغباء السياسي فقد مثلت هذه الزيارة تحريضا على الإضراب طالما من شأنه أن يحقق نتائج حتى ولو كانت محدودة. كما أن الطريقة التمثيلية التي أعلن بها نظيف منحه العاملين شهرا كمكافأة كشفت عن أن الحكومة ليست ذكية كما تدعي وأنها لم تتجاوز آليات السلطة منذ الخمسينيات فقد اكتفى نظيف بتمثيل دور رئيس الوزراء بينما اكتفى الحاضرون بتمثيل دور العمال الفرحون بمنحة سيدهم بينما كان العمال في الخارج يتساءلون عن قيمة هذه المنحة أمام سعار الأسعار، كما أن الأمن المتورط في الحدث كان يسأل في الخارج إذا ما كان العمال يستحقون مكافأة نظيف أم هراواتهم الثقيلة.لقد خرجت علينا صحف الحكومة مبشرة بأن الإضراب الذي دعت إليه “فئة هامشية” بتعبير الداخلية قد فشل في الوقت الذي كان المصريون يهنون أنفسهم على النجاح النسبي الذي حققوه ومتخذون قراراهم بالاستمرار في الطريق إلى النهاية، وبينما كان الأمن يعتقل المئات كانت دعوة جديدة للإضراب يوم 4 مايو تنطلق مواكبة لعيد ميلاد الرئيس.في تصور البعض أن إضراب 6 إبريل لم يكن إضرابا ناجحا بالمعنى الحقيقي للإضرابات، ولكنه في رأيي قد نجح نجاحا كبيرا، لا يمكن قياس نجاحه بعدد المشاركين به ولا بعدد المتظاهرين ولا بعدد المتعاطفين معه، ولكن يمكن قياسه بمدى الارتباك الذي أوقع النظام فيه. يوم 6 إبريل تاريخ مهم جدا في التاريخ المصري الحديث لأن الوطن قد نجح بينما خسر الوطني.مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل