المحتوى الرئيسى

ضجة في صفوف الاقتصاد والمال

04/05 06:30

صالح الشهوان كتب كثير عن الاقتصاد والمال ومشاريع التنمية والقطاع الخاص، غير أن قدرا كبيرا منه كتب بلغة تحتاج إلى إعراب ووضع النقاط فوق الحروف وتحتها كي تصل إلى القارئ وتكون الرسالة واضحة لجهات الاختصاص، إذ غالباً ما يشوب الذهن تشوش والتباس في الربط بين المعنى المقصود في حديث عن الاقتصاد غير المتحقق كما ينبغي وبين فائض كبير من التمويل، خصوصا أن الأرقام التي ترصد للمشاريع أرقام فلكية يثير نشرها بلبلة إزاء ما يكتبه هذا الكاتب أو ذاك عن اقتصاد هو مثار الشكوى مع وجود هذه الأموال الطائلة. تحدث الحيرة نفسها حول القطاع الخاص, فالقارئ يطالع غالباً أمنيات طيبة أو مطالب جمة أو حنقا عليه بشكل عام دون أن تمسك الكتابة بتلابيب منشأة واحدة تأتي فيها على حجم أموالها، عدد ونوعية مشاريعها، القوى العاملة، نسبة السعوديين وطبيعة الأعمال التي تسند إليهم، القيمة الفعلية لوجودها في السوق، حقيقة وصدقية منتجاتها، وأهمية ذلك للاقتصاد الوطني.. إلخ، إذ تبدو الكتابة عن القطاع الخاص هلامية أو متطرفة، مرة هو الساحر ومرة هو المسحور، في سياق يجمع الصالح مع الطالح، سيان شركة كبرى أو حانوت، يطبق عليها ذات المسطرة وذات المكيال، فلا تشخيص لهذا الكائن الذي يقال له القطاع الخاص مع أنه مالئ الدنيا وشاغل الناس، نرى ونسمع ونقرأ عن فعالياته ورجالاته ونسائه، عناوين وصورا، إنما لا نعرف السيرة العملية الذاتية لمنشآته، مكوناته، أدائه، إلا النزر اليسير. إن مصدر التشوش واللبس ناجم عن طغيان الطرح النظري، فالجمل والعبارات التي تتحدث عن مشاريع الدولة أو القطاع الخاص أو الأنشطة الاستثمارية أو المشاريع الاستراتيجية لدى الهيئة العامة للاستثمار، وغير الاستراتيجية، هي جمل وعبارات معلقة في الهواء الطلق، تصلح قبعات لكل الرؤوس، تتكرر فيها إشارات من نوع: مدخلات ومخرجات، اقتصاد منتج وآخر ريعي، تعبئة موارد الإنتاج والاقتصاد الحقيقي، التنمية المالية والتنمية الاقتصادية، الاستثمار المقاولاتي أو الخدماتي أو الفعلي، القدرات المالية والاستثمارية والإنتاجية والقيمة المضافة والتنافسية.. إلخ، وقد يسهب البعض، وهو متخصص، بحديث فضفاض ينتهي إلى الحل العبقري "إنشاء" جهاز أو هيئة للمهمة وكأن هذا الإنشاء مصباح علاء الدين: (شبيك لبيك) .. مجرد كلمات جائزة وصالحة لأن تكون عن أي بلد وعن أي تنمية وعن أي استثمار، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى جزيرة الواق واق!! إن أحداً نادرا، ما نزل بالكتابة إلى أرض الواقع، فهي غالباً، محلقة تحوم حول الميدان، لا تهبط على المدرج كي ترى وتسمع وتعايش على الطبيعة ما يحدث ويدور في هذا المرفق الاقتصادي أو ذاك المشروع الاستثماري، إذ لا توصيف أو تحليل أو بيانات أو حقائق وتوضيحات ميدانية لمفاصل العملية الاقتصادية الحادثة هنا أو هناك في بلادنا.. فالقارئ، رغم كل ما قيل له ـــ مثلا ـــ عن المدن الاقتصادية لا يكاد يعرف بالضبط شيئا عن مدينة واحدة منها: هدفها الأساس، مكوناتها، حجم الاستثمار فيها، الأطراف الفاعلة، الإدارة، التسويق، ثم ما تم إنجازه والمدى الزمني لتمام الإنجاز، وأثر كل ذلك في تكوين قيمة مضافة لاقتصادنا الوطني وخلق فرص توظيف. القارئ لا يكاد يميز في هذه الطروحات النظرية سوى أن خلافاً حاداً ناشباً بين الكاتب والجهة أو الجهات التي يكتب عنها، وهو حين يستغرب صمت الجهات أو يقرأ تعقيبها يقع في حيرة من أمره لا يقوى على الإمساك بحقيقة ما يدور لأنه يقرأ رطانة فوقية لا يكاد يفقه منها سوى الأسماء، وأن لغطاً يقال حول المال والاقتصاد والتنمية والقطاع الخاص، ما جعل الاشتباك مع قضايانا، دورانا في حلقة مفرغة، السجال حولها كما لو كان حوار طرشان، فلا الكتابة وضعت كشافات الضوء وجاءت بكامل الصورة مع ما يحيط بها من جلبة، ولا الجهات سعت إلى تعطيل هذه المناكفة بالأدلة الدامغة، لذا يتراكم القول بعلله والفعل بسلبياته ويبقى الحال على ما هو عليه!! وإذا كانت هكذا كتابات مستنكفة أو عاجزة عن ممارسة اشتباك حقيقي والنزول إلى الأرض لمواجهة القضايا الاقتصادية والتنموية والاستثمارية وجهاً لوجه، فعلياً وليس نظرياً، فأين مراكز الدراسات والبحوث؟ وأين جامعاتنا من كل هذا الضجيج، ولماذا تبقى المسألة: سمك، لبن، تمر هندي؟! *نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل