المحتوى الرئيسى

التدخل في ليبيا... شروط النجاح

04/05 02:19

باسكال بونيفاس مما لا شك فيه أن التدخل العسكري الدولي في ليبيا، والذي جاء بعد قرار من مجلس الأمن الدولي، قد نجح منذ بعض الوقت في تحقيق هدفه الأول، ألا وهو الحؤول دون إقدام القذافي على ارتكاب المذبحة التي توعد بها بنغازي. وقد تحقق هذا النجاح بفضل المشاركة الفعالة لبعض البلدان، والدعم السياسي لبلدان أخرى، وعدم معارضة البلدان الرافضة للتدخل. وهكذا، كان ممكناً هذه المرة أن يشار إلى مفهوم المجتمع الدولي، الذي يكون في أحيان كثيرة فارغاً من معناه، على نحو صحيح ومناسب. ولكن، ماذا يمكن أن يحدث اعتباراً من هذه اللحظة؟ الأمر في الواقع يعتمد على ما إن كان الائتلاف الدولي يوثر حلاً سياسياً أو حلاً عسكرياً للأزمة التي تتوالى فصولها على الساحة الليبية منذ 17 فبراير الماضي. ويبدو أن الحل العسكري للأزمة، يمكن تحقيقه على نحو سهل على الأرجح، إذ من شأن تكثيف الضربات الجوية والمعارك أن يدمِّر القوات الموالية للقذافي ويطيح بالعقيد في غضون فترة قصيرة نسبياً. غير أن من شأن هذا الأمر، في الوقت نفسه، أن ينسف التوافق الدولي حول العملية. ذلك أن التوصل إلى سيناريو يضمن رحيل القذافي شيء، وتحقق هذا الرحيل في ظروف لا تضر المستقبل، أو تضر بأقل قدر ممكن، شيء آخر. وعلى سبيل المثال، فقد تمت الإطاحة بنظام صدام في العراق عام 2003 في ظرف أسبوعين، غير أن الاستقرار في العراق حتى الآن لم يتحقق بعد، وهذا ما يجعل المشهد الليبي محفوفاً بالمخاطر، خاصة أن ذاكرة الولايات المتحدة لا تزال منهمكة في الشأن العراقي. والواقع أنه منذ اللحظة التي دخلت فيها ليبيا حرباً أهلية، فإنه لم يعد ثمة حل مُرض تماماً. وبالتالي، فينبغي والحالة هذه البحث عن حل يمكن اعتباره الأقل سوءاً قدر الإمكان. ولعل أهم شيء بالنسبة لليبيا والمنطقة بصفة عامة حالياً هو تجنب تحقيق القراءة القائلة بحرب غربية ضد بلد عربي، والحفاظ على الائتلاف الدولي الحالي قوياً ومتماسكاً، وذلك من خلال ضمان ألا تقوم البلدان التي كانت تؤيد العملية بتغيير رأيها، أو استمرار البلدان الرافضة لها في عدم معارضتها. غير أن مواصلة الضربات الجوية الحالية بالوتيرة نفسها وبالكثافة نفسها قد يستغرق وقتاً. وعلاوة على ذلك، فهناك دائما خطر وإمكانية وقوع خطأ يمكن أن يغيِّر التصورات تماماً، حيث سينظر البعض إلى الائتلاف الدولي على أنه يقاتل إلى جانب الثوار، والحال أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 لا ينص على الإطاحة بالقذافي، ناهيك عن تلميحات أميركية بشأن العمل العسكري في ليبيا وإنه لا يرمي إلى تغيير النظام الليبي بالقوة. غير أن بقاء القذافي في السلطة لا يمكن إلا أن يمدد ويطيل أمد الحرب. ففي الوقت الحالي، يبدو الزعيم الليبي غير قادر على استرجاع جميع المواقع التي خسرها، ولكنه يستطيع الحفاظ على تلك التي يسيطر عليها اليوم. وعليه، فقد يكون من الحكمة والحصافة تعليق العملية مستقبلاً، لا وقفها؛ على أن يتم استئنافها إذا ما رغب القذافي في مهاجمة المدنيين من جديد. ولكن لا بد من الاعتراف بأنه لا يوجد حل سريع للمشكلة الليبية. ففي النهاية، نظام القذافي، العالق بين المعارضة الداخلية والعقوبات الدولية، مدان وهالك. ولكن الحل لن يأتي في غضون أيام أو أسابيع على الأرجح، بل أشهر. وهذا أمر غير مُرض تماماً ولكنه هو المفضل من قبل الائتلاف. ومما لا شك فيه أن القضاء على نظام القذافي يمكن أن يتم بسرعة، غير أنه سيبدو كنصر عسكري للخارج. وبالمقابل، فإن من شأن تقييده وتكبيله بطريقة جماعية أن يسمح بالإطاحة به من خلال تحلل داخلي وسيشكل عبئاً أخف على مستقبل ليبيا. وفي هذه الأثناء، تشير نتائج مؤتمر لندن، الذي عقد في التاسع والعشرين من مارس الماضي، إلى تغير في المهمة على ما يبدو؛ حيث أصبح رحيل القذافي من الآن فصاعداً مطلباً واضحاً للقوى المشاركة في الائتلاف الدولي. غير أنه إذا استمرت هذه القوى في قصف القوات الموالية للقذافي، فإنها ستواجه خطر الانحراف عن المهمة الرئيسية التي حُددت لها وحصلت على دعم دولي كبير. وفي هذه الحالة، لن يظل الأمر متعلقاً بحماية السكان المدنيين، وإنما بالتوصل إلى رحيل القذافي، عبر حل عسكري؛ حيث ستشرع البلدان المشاركة في الائتلاف الدولي في القتال إلى جانب الثوار. ومما لا شك فيه أنه إذا تم قبول مثل هذا التغيير في المهمة من قبل مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية، فإن ذلك لن يطرح أي إشكالية. أما إذا أبدت بلدان دعمت، أو لم تعارض، القرار 1973 معارضتها، ففي تلك الحالة سيكون الائتلاف الدولي قد نسف التوافق الدولي الذي تحظى به عملية التدخل العسكري في ليبيا. والحال أنه لا بد من توافق دولي من أجل نجاح وحسن سير العملية. وهنا يجدر بنا دائما أن نستحضر في أذهاننا الاختلاف بين نجاح حرب العراق في 1990، التي تمت على نحو يحترم ميثاق الأمم المتحدة، وفشل حرب 2003، التي تمت خارج الشرعية الدولية. *نقلا عن "الاتحاد" الإماراتية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل