المحتوى الرئيسى

ماذا نسي غولدستون لنذكره؟ بقلم: معتصم عوض

04/04 21:19

ماذا نسي غولدستون لنذكره؟ معتصم عوض ريتشارد غولدستون هو قاض من جنوب إفريقيا، أصوله يهودية، عين رئيسًَا للجنة الأممية لتقصي الحقائق في قطاع غزة، للتحقيق في الانتهاكات التي وقعت أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة أواخر العام 2008 وبداية العام 2009. وأثار تقريره، الذي خلص إلى أن جرائم حرب قد تكون قد ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، جدلاً دولياً بل وداخلياً. وقد عارضت إسرائيل التقرير ووصفته بالمعادي للسامية (كعادتها)، في حين تفاوت مستوى رضى الفلسطينيين عنه، حيث رحب معظم الفصائل الفلسطينية به، واعتبرته حركة حماس غير منصف لأنه ساوى بين الضحية والجلاد، في إشارة لما ورد في التقرير من احتمال تورط الحركة في جرائم حرب نتيجة إطلاق القذائف باتجاه أحياء مدنية إسرائيلية. وأثارت المقالة التي نشرها غولدستون مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست امتعاض كافة الفلسطينيين، في حين رحبت إسرائيل بهذه التصريحات واعتبرتها غير كافية للتكفير عن ذنوبه. وأشاد غولدستون في مقالته بـ"الجهود الكبيرة" حسب وصفه التي بذلتها إسرائيل في مجال التحقيق في ممارسات جنودها خلال العمليات العسكرية، في حين انتقدت المقالة حركة حماس لأنها لم تفعل شيئاً في شأن التحقيق. لكن الأخطر من ذلك في رأيي هو بدؤه في تبرير الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، حيث ضرب غولدستون من تقريره مثلا وهو مقتل 29 شخصا من عائلة السمّوني في قصف منزلهم، وأشار إلى أن هذا القصف كان على ما يبدو نتيجة تفسير خاطئ من قبل قائد إسرائيلي لصورة التقطتها طائرة من دون طيار. لقد نسي غولدستون، على ما يبدو، قواعد كثيرة في القانون الدولي الإنساني، وهي أن مبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية هو مبدأ مقدس في هذا القانون. حتى أن هناك قاعدة تقول أنه في حال الاشتباه بين هدف عسكري وهدف مدني يجب اعتباره مدنياً وعدم تعريضه للهجوم. ومن القواعد الأساسية أيضاً قاعدة التناسب في استخدام القوة، وقاعدة عدم استخدام أسلحة أو وسائل قتالية قد تؤدي إلى التسبب بآلام التي لا مبرر لها. لقد نسي غولدستون أن استخدام إسرائيل للقوة المفرطة، أدى إلى استشهاد ما يزيد على 1400 شخص معظمهم من الأطفال والنساء، وجرح نحو من 5350 مدنياً، وتدمير نحو 16000 منزل، ومدرسة، ومستشفى، وعيادة، وجامع، وجامعة، ومنشأة صناعية، ومبان حكومية مدنية، منها 3350 دمرت بشكل كامل. وإذا ما نسي غولدستون نذكره باستهداف إسرائيل لمقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ومستشفى القدس التابع لها، ومدرسة الفالوجة التابعة لوكالة الغوث الدولية، وقافلة للصليب الأحمر، والطواقم الطبية، التي كانت تحمل شارة الحماية واضحة كوضح النهار. فعلى ماذا استند غولدستون في مقالته؟ وانتقد غولدستون ما اعتبره انحياز مجلس حقوق الإنسان ضد إسرائيل، وجدد تأييده لحقها في الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم خارجي أو داخلي. لقد نسي غولدستون أن العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة لم تكن ضد دولة لها جيش نظامي، وإنما ضد حركات مقاومة ومدنيين عزّل داخل إقليم محتل، تنطبق عليه قانوناً أنظمة لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. وأشاد غولدستون بشروع إسرائيل في التحقيق في بعض الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين. وسؤالي له هو ماذا قامت إسرائيل بفعله لمحاسبة جنودها؟ لم نسمع حتى الآن أن هذه الدولة قامت بمحاكمة ضابط أو جندي ممن شاركوا في العمليات العسكرية على قطاع غزة، بل على العكس فقد قامت بترقية عدد منهم، لما بذلوه من شجاعة في قتل الأطفال والمدنين العزّل. إن تصريحات غولدستون الأخيرة هي بلا شك صفعة جديدة في وجه القانون الدولي الإنساني، وخاصة في موضوع المسؤولية الدولية. وهي خطر على مستقبل المدنيين، ليس في قطاع غزة فحسب بل في كافة مناطق النزاعات المسلحة، لما لهذا التراجع في موقفه من تأثير على مستقبل أي تحقيق يجرى في الأرض الفلسطينية المحتلة، أو في أي منطقة نزاع مسلح في العالم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل