المحتوى الرئيسى

"محمّد البوعزيزي": ابن "سيدي بوزيد" الذي يدّعي الكلّ أبوّته بقلم:محمّد صالح مجيّد

04/04 20:15

"محمّد البوعزيزي": ابن "سيدي بوزيد" الذي يدّعي الكلّ أبوّته هل كان"محمّد البوعزيزي" يساريّا شيوعيّا ،حين أقدم على حرق نفسه احتجاجا على ما يعيشه مِن خَصَاصَة وإقصاء؟.وهل يُمْكِنُ أن يظهر دَعِيّ على إحدى الفضائيات لِيَقُولَ إنَّ هذا الشّاب الذي أطردته المدينة فاحتمى بريفه وفقره، كان إسلاميّا أو إسلامويّا؟.وهل سيسمح الظرف السياسيّ اليوم بأن يُطِلَّ علينا شيخ مِنَ الشيوخ الظاهرين والنائمين ليخوض في "الانتحار"،وليكشف عن موقف الإسلام منه !!؟وأنّى لمتآمر ،مهما تحصّن بآلة "بن علي"الإعلاميّة،أن يقنع النّاس بانتماء هذا الشاب المسكين إلى التجمّع الدستوري الديمقراطي(الحزب الحاكم) وقد بَقيت آثار الصفعة على عربته المُهْمَلة قُرْبَ بيته !!؟.وهل يُمْكِن أَنْ ينسبه متحمّس من المُنْبَهِرين بشجاعته إلى زمرة المثقّفين الذين يتصدّون للفضائيات ليعرضوا بضاعتهم مدّعين نضالات وهميّة؟؟ لقد كان"محمّد البوعزيزي"المسكين شابا كغيره من الشباب الذين حكمت عليهم كمّاشة التاريخ والجغرافيا بأن يتعايشوا مع القهر والفقر ،وأن يناموا معهما في فراش واحد دون أن يتحدّث المجتمع عن خطيئة ،ودون أن يرفع قائمة لاءاته الطويلة. عاش كادحا يبحث عن خبز يغمّسه في أشعّة شمس الانعتاق من الفقر والهروب من اليأس المكبّل للرّوح والجسد .وسار على هامش الفضائيات والمهاترات السياسيّة. كتب نصّه بجسده حرقا وإتلافا .وحمّله دلالات شفيفة عند الذين رابطوا على الفقر، وبعيدة الشأو والمنال عند من تلهّى عن أكل الخبز بقضم البسكويت. ولم يَدْرِ لحظة إضرام الجسد في النار أنّه سُيزلزل البناء العالي الذي أعلاه الديكتاتور، وسيخرق جدار الصمت الذي ارتفع عاليا جاثما على الرقاب والأفواه على ما يقارب ربع قرن.لم يكن المسكين يعرف اليَمين ولا اليسار. ولم يمنحه القدر مُتّسعا مِن العمر حتى يعرف الوسط. لقد حرقت الشمس وجهه.وألهب القهر جسده. وأتى على بقايا صبره فانفجر.فهل كانت الموظّفة التي صفعته لتجرّئه على الوقوف بعربته أمام مركز سيادة مزعوم أنّ صفعتها ستخطئ خدّه لتسيل في الشوارع والقرى ثورة عارمة عاصفة على مَنْ أطلق لها العنان للقهر والعسف ،وأباح لها أن تحرم كادحا من لقمة عيش يلقي بها غيره في المزبلة بلا شفقة ،ودون تفكير في تداعيات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة !!!؟ وهل كانت تدرك أنّ إهانتها لمحروم مِن العمل ستشعل عود كبريب في بنزين غضب كان الجسد ناره وحطبه؟. هذا هو"محمّد البوعزيزي"... شاب في عمر الأحلام مشى في طريق أشواك الصبّار تلسعه وتضيّق عليه الدروب.فهل قُدّر عليه أن يتحمّل الشّوك حافي القدمين واليدين ليتحدّث هواة البلاغة والرثاء عن "ياسمين ثورته" !!؟؟وعن أيّ ياسمين يتحدّث بنو جنسه ودموع أمّه الملتاعة تعزف لحن النواح على قبره فتتداعى لها قلوب أمهات الشهداء بالصياح والعويل في "القصرين" و"منزل بوزيان" و"دوز" و"الحامّة" و"حيّ التضامن".كيف يسمو الياسمين-وإن سمت معانيه- إلى عمق مأساتهن وكيف يتغاضى الماشون في طريق عبّدها بجسده، بأسماء مِنْ وهم سمّوها عن عميق مآسيهنّ؟أنّى لحياتهنّ المكفنّة بالدماء والسواد أن تُنْبِت أبيض الياسمين ؟!! فلماذا تحوّل "البوعزيزي" إلى شريد يدّعي الكلّ أبوّته؟؟ ومَنْ يريد أن يُحَوّل دموع أمّه وهي تزور قبره إلى دجاجة تبيض ذهبا !!؟؟. والأكيد أنّه لم يَدُر بخلد هذا الشاب الذي أحرق نفسه ،وأحرق قلب أمّه أنّ بابا للأمل قد فُتِحَ بجسده. هو الآن في قبره مكفّن بالصّمت يواجه ظلمة القدر المحتوم...يطلّ من ظلمته على الشوارع التي انتفضت من صمتها لتصرخ منادية بالحرّية التي سرقت على مدى خمسين عاما. ولعلّه يستغرب من أحزاب تريد أن تتبنّاه وأن تضمّه إلى قائمة منخرطيها الافتراضيين وهو الذي لم يسمع بها ولم يرها !!. إنّ"محمّد البوعزيزي" المتواري عن الأنظار في طريق سيسلكها الجميع يوما،لا يريد من أحزاب أنشأتها الصدفة السياسيّة أن تُحوّل جسده المحروق إلى ورقة انتخابيّة. هو يريد أن تكون النار التي أحرقته ثورة عارمة تقطع مع الماضي الحزين ،وتصنع الأمل. وهو لا يريد أن يتحوّل إلى مجرّد تمثال في ساحة أو اسم يُطْلَق على شارع يسير فيه الناس بلامبالاة... محمّد صالح مجيّد

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل