المحتوى الرئيسى

تغيير النظام

04/04 10:15

بقلم: أحمد مجاهد 4 ابريل 2011 09:48:00 ص بتوقيت القاهرة تعليقات: 0 var addthis_pub = "mohamedtanna"; تغيير النظام  لا أظن أن العبقرى الذى صاغ هتاف «الشعب يريد تغيير النظام» كان يدرك تماما معنى هذه العبارة التى أعلن الدكتور أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق شخصيا أنه لم يفهمها، وأقطع بأن معظم الملايين الذين تبنوا هذا الهتاف بوصفه الشعار الأول فى الثورات العربية الدائرة الآن لا يفهمون معناه.فعندما يكون هناك قطار مثلا ينطلق من محطة باب الحديد فى الثامنة صباحا ويصل إلى الأسكندرية فى العاشرة وتظل تركبه لمدة عشرين عاما، فإنك تركب القطار نفسه طوال هذه المدة على الرغم من تغيير لونه ونوع عرباته واختلاف سائقه، ذلك لأن وضع القطار على خارطة التشغيل التى تحكم نظام حركة السكك الحديدية لم يتغير طوال هذه السنوات.وعلى هذا يكون تغيير وجوه الوزراء وكبار المسئولين فى حكومات ما قبل الثورة أشبه ما يكون بتغيير السائقين، بل يكون معاقبة من يطلق عليهم «رموز الفساد» فى العهد البائد أشبه ما يكون بإجبار بعض الركاب غير الملتزمين بدفع غرامات التهرب من قطع التذاكر. وكل هذا لا علاقة له بتغيير النظام الذى يعنى إعادة تشكيل البنية التى تحكم حركة المجتمع، وتغيير آلياته التى دفعت مجموعة ضخمة من أعضائه فى ظل القهر والفقر للتحول إلى مفسدين بدرجات متفاوتة.إذن السر يكمن فى نظام المجتمع، أى فى بنيته التى تحدث عنها الدكتور هشام شرابى فى بحثه عن المجتمع العربى المعاصر واصفا إياها بأنها «بنية بطركية».والسمة الرئيسية لمجتمعات البنية البطركية لدى شرابى هى «سيطرة الأب فى العائلة شأنه فى المجتمع، فالأب هو المحور الذى تنتظم حوله العائلة بشكلها الطبيعى والوطنى، إذ إن العلاقة بين الأب وأبنائه وبين الحاكم والمحكوم علاقة هرمية، فإرادة الأب فى كل من الإطارين هى الإرادة المطلقة، ويتم التعبير عنها فى العائلة والمجتمع بنوع من الإجماع القسرى الصامت المبنى على الطاعة والقمع».وإذا كانت المجتمعات العربية قد انتقلت من القبلية والبداوة إلى الحداثة الشكلية، فإن هذا لم يغير من طبيعتها البنائية لدى شرابى الذى يؤكد أن «المجتمعات البطركية بغض النظر عن تنوعها الظاهر، تتصف كلها ببنى داخلية متماثلة»، مدللا على هذا بأن «المؤسسات البيروقراطية والرسمية والعسكرية والتربوية والتجارية تعد مظاهر خارجية حديثة، لكنها فى داخلها ذات بنية بطركية محضة ترتكز على منظومة متشعبة من العلاقات الشخصية وصلات القربى والولاء الشخصى».وعلى الرغم من أن الطبعة العربية الأولى لكتاب شرابى قد صدرت عام 1987، فإنه يقول فيه: «إننا نشاهد اليوم تدهور النظام البطركى الحديث والبنى السياسية والاقتصادية التى يرتكز عليها، فى حين ترى الحركة الأصولية نفسها أنها الوريث الشرعى لهذا النظام».وقد وضع شرابى الحركة النقدية العلمانية الجديدة على الصعيدين السياسى والثقافى فى مواجهة الحركة الأصولية الإسلامية ملخصا نمط المواجهة بين الطرفين فيما يلى: موقف متحفظ وعقلانى يقابله موقف استبدادى لا عقلانى، تعددية حرة تقابلها هيمنة مطلقة، أخلاق المسئولية فى مقابل أخلاق الغايات النهائية، خطاب حوارى فى مقابل خطاب أحادى. لكن كل هذا لم يمنعه وهو يقرأ كف المستقبل الثورى فى المجتمع العربى من أن يعطى الأولوية فى الصدارة للأصولية الإسلامية معللا ذلك بقوله: «لقد استوعبت الجماهير الأيديولوجية التى تطرحها الحركة الأصولية، لأنها تنبع من الثقافة اللاحوارية ذاتها التى تكون فيها وعى هذه الجماهير الفقيرة والأمية وشبه الأمية. إن التعبير البسيط والمباشر عن الحركة الأصولية يقدم للإنسان العادى وللمثقف المحبط نظرة إلى الإنسان والعالم تبعث على الاطمئنان والثقة، فهى نظرة شاملة منسجمة لا تبقى مجالا للتساؤل أو الشك وتعد بحل لجميع المشكلات والمصاعب التى عجزت عن حلها الأيديولوجية القومية واليسارية والأنظمة القائمة وبتحقيق النصر النهائى».على أن شرابى يوضح أن هذه الأيديولوجية الأصولية التى تستبدل التفسير اللاهوتى بالتحليل النقدى حلولها وهمية لا تتحقق بمجابهة العالم ومشكلاته بل نتيجة لتغيير النظرة إلى العالم، معتمدا على قول سيد قطب فى هذا الصدد: «إن هناك نوعين من المجتمع: مجتمع الإسلام ومجتمع الجاهلية»، وبهذا يكون مجرد رفض الجاهلية والقبول بالإسلام الصحيح والتمسك بمظاهره فى الملبس وخلافه، مفتاحا تزول به أعباء الحياة، ويصبح المستقبل مليئا بالثقة والأمل دون تغيير جوهرى فى حياة المجتمع.وينتهى شرابى من كل هذا إلى القول بأنه: «مع أن الحركة الأصولية الإسلامية قد تتمكن من هدم النظام البطركى الحديث والاستيلاء على الحكم، فهى عاجزة عن تقديم أى علاج دائم للاختلالات البنيوية الموجودة فى هذا النظام. فالحركة الأصولية بوصفها حركة طوباوية مثالية لا تستطيع سوى معالجة الظواهر. وستكون حلولها مطبوعة بالتسلط والعنف كما فى المجتمع البطركى الحديث. لذلك أقول: لو أتيح لها الإطاحة به لما أدى ذلك إلى مجتمع طاهر تسوده الأخلاق والقيم الدينية بل لأدى، على العكس، إلى مجتمع بطركى تقليدى».على أن أخطر ما قاله شرابى هو أن الأصولية التى تعد بتغيير جذرى فى المجتمع، على استعداد من جهة أخرى للمصالحة مع الوضع القائم عبر معاناتها من تناقض فكرى واضح بين مبدأى «الطاعة والثورة». كما حدث مثلا فى اتفاقهم مع فلول الحزب الوطنى فى التصويت بنعم فى استفتاء التعديلات الدستورية الأخير.وربما يدخل فى هذا السياق ما يقوم به السلفيون الآن من هدم للأضرحة وتنفيذ للحدود فى بلطجة صريحة ترد المجتمع بنيويا إلى خندقه السابق على الثورة. فكما كان الحزب الوطنى يدفع المجتمع لمساندته خوفا من فزاعة الإخوان المسلمين، فإن الإخوان اليوم يدفعون المجتمع لمساندتهم خوفا من فزاعة السلفيين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل