المحتوى الرئيسى

أوهام حول التوطين ورواتب القطاع الخاص

04/04 06:49

صالح السلطان لدينا في المملكة مئات الآلاف من المنشآت التي يجمع بينها أنها تمارس عملا تجاريا، و/أو لديها سجل تجاري يسمح لها بممارسة العمل التجاري. وقد دلت الإحصاءات والدراسات كما دلت المشاهدة البسيطة على أن هذه المنشآت تتفاوت كتفاوت البشر في أرزاقهم، وفي صحتهم وفي أخلاقهم وفي إيمانهم، فهناك المصانع الكبرى والبنوك والشركات الأخرى الكبرى، وبالمقابل، هناك أضعاف أضعاف الشركات الكبرى عددا من المؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم، وغالبها متدن قدرة وتنظيما ورواتب. الفئة الأولى (الشركات الكبرى) ونسبة صغيرة من المؤسسات المتوسطة (التي تمارس أنشطة عالية الربحية) تعطي رواتب وميزات منافسة لما تعطيه الحكومة، بمختلف الوظائف والمستويات والمراتب الوظيفية، والنتيجة أن الطلب على وظائفها مرتفع، بما في ذلك الوظائف الدنيا، وربما كان أعلى من الطلب على الوظيفة الحكومية، وهذه الفئة تهتم بانتقاء أفضل الموارد البشرية. هناك فئة وسطى، تعطي رواتب تعد نسبيا جيدة، لكنها ليست منافسة لرواتب الحكومة، خاصة إذا أخذنا في عين النظر اعتبارات أخرى غير الراتب كالأمان الوظيفي والإجازات... إلخ. الوظائف في هذه الفئة، بصفة عامة، نسبيا أقل جاذبية للسعوديين من وظائف الحكومة. صحيح هناك إقبال مرتفع على وظائف هذه الفئة، لكنه كثيرا ما يكون بما يشبه الزواج بنية الطلاق، أي أن الموظف يتطلع وباستمرار إلى وظيفة أفضل منها. ومن ثم فهو يترك الوظيفة في هذه الفئة فور العثور على بديل في الحكومة أو في الفئة الأولى أو في عمل حر. هناك فئة ثالثة، تمثل غالبية مؤسسات القطاع الخاص وغالبا ما تكون فردية أو عائلية ورؤوس أموالها صغيرة، وهي ما اصطلح على تسميتها بالمؤسسات الصغيرة. هذه الفئة أجورها متدنية مقرونة بظروف عمل متعبة نسبيا، كطول الدوام، ومزاجية الإدارة، وسهولة واضحة في الفصل ونحو ذلك، وبسبب هذه العوامل، يلحظ أن إقبال السعوديين على العمل في هذه المؤسسات متدن جدا. وقد نجد من يقبل بالعمل فيها لفترة قصيرة ربما لحاجة في نفس يعقوب. ومن يلتحقون للعمل فيها فهم غالبا إما أصحاب دوام جزئي، أو أصحاب مؤهلات متدنية ونحو ذلك. وكثيرا ما يترك السعودي العمل ولو لم يعثر على عمل أفضل لأسباب كثيرة؛ ولذا تعتمد هذه الفئة بقوة على غير السعوديين، حيث يشكلون الغالبية العظمى، كما دلت على ذلك الإحصاءات والمشاهدة. كم تبلغ نسبة السعوديين العاملين في الفئة الأخيرة؟ تقول التقديرات الإحصائية إنهم لا يتجاوزون 5 في المائة. هل تنجح السياسات القائمة في التوطين (كسياسات صندوق الموارد البشرية وبنك التسليف والتدريب) في توطين معظم الوظائف في هذه الفئة؟ الجواب عندي بكل قوة لا. لا شك في رغبة الحكومة في توطين الوظائف وخفض معدلات البطالة خفضا بينا. لكننا أمام مصاعب قوية جدا. لا مناص من قرارات بالغة الجرأة إذا أردنا حقا توطين (أو حتى شبه توطين) الوظائف في هذه الفئة. هذا التوطين (أو شبهه) أساسي في هزيمة البطالة؛ لأن الفئة الثالثة هي الموظف الأكبر. ابتداء لا بد من الحد من الاستقدام؛ لأن عدد الداخلين في سوق العمل من المواطنين مئات الآلاف سنويا، وسيتجاوز هذا العدد المليون سنويا بعد حين، وسيتضاعف تقريبا عدد السعوديين في غضون 20 عاما ليصبح في حدود 35 مليونا، وبعد 40 عاما من الآن سيصبح قرابة 60 مليونا، إلا إذا وقع ما ليس في الحسبان. ولهذا فإنه ليس من الحكمة تناسي قضية تزايد السكان، وتركيز الاهتمام على معالجة البطالة في الوقت الحاضر. الحد من الاستقدام سيضغط مع الوقت على سوق العمل، وخاصة سوق الوظائف المعزوف عنها، من حيث الأجور وساعات وعلاقات العمل وبنية الشركات وغيرها. وتبعا لذلك ستحدث تغيرات هيكلية في الاقتصاد والتوظيف: مثلا من المتوقع أن يزيد نصيب العمل في الدخل القومي، وأن يقل الاعتماد على الغير في أداء الأعمال اليدوية. وحتى لا يساء الفهم أقول الحد وليس المنع النهائي. من المؤكد جدا أن الحد يسبب مضار كبيرة على المدى المتوسط، وقصة رجال الأعمال الذين يطلبون عمالا ولا يجدون مثالا لهذه المضار، ولكن كما يقول المثل: مكره أخاك لا بطل، علينا أن نوازن بين هذه المضار والمضار المصاحبة لعدم الحد، ومن يقول إن بإمكاننا تلافي المضرتين معا فهو يعيش في أوهام. ولكنه لا بد أن يصاحب الحد من الاستقدام سياسات عمل أقوى وأكثر جرأة، ومنها إصلاح نظام الكفالة، وتحسين بيئة العمل في الشركات والمؤسسات الصغيرة؛ لأنها الصانع الأكبر للوظائف التي يكثر فيها العزوف، وتسخير الشركات الأجنبية العاملة في البلد لتدريب السعوديين على شغل وظائفها اليدوية، وزيادة حوكمة وقدرات وفروع صندوق تنمية الموارد البشرية، ومستويات الدعم فيه، بحيث يمكن استمرار دعم توظيف السعودي أكثر من سنتين، وبحيث يمكن زيادة الدعم عن ألفي ريال للجامعيين. ومن السياسات المطلوبة بشدة تنظيم ساعات العمل في غالبية المحال، حيث تقفل بحكم القانون في الثلث الأول من الليل. وكل نقطة تحتاج إلى دراسات وتفاصيل تنظيمية، وبالله التوفيق،،، *نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل