المحتوى الرئيسى

الحرية الناظمة والضامنة

04/04 03:48

هاني فحص التعدد الإتني أو الديني أو المذهبي أو السياسي أمر طبيعي، وهو في كل الحالات وكل التاريخ، كان ويبقى بين احتمالين، فإما أن يعيه أطرافه جميعاً أو الطرف الأقوى منها على الأقل، أو الدول التي تحكمه، وعياً إيجابياً فيتحول إلى مصدر حيوية ونمو معرفي وإنتاجي، هذا ما حصل إلى حد كبير في أوروبا وما زال مفتوحاً على المزيد، ولكن الذي حفظه وأبقاه على خط التقدم، هو أنه تحول من وقائع وأحداث ووعي متدرج لضرورات الحياة والاجتماع، إلى دساتير وقوانين وتربية عليهما، أي أن الحرية التي قام عليها، تحولت إلى أفكار وقيم يومية بالتربية عليها ورعايتها من قبل الدولة بعد الالتزام بها، أي أن الحرية أو الحريات تحولت إلى نظام بدلا من الفوضى، التي استغلت التعدد سابقاً، استغلالاً سيئاً ومجرماً اقتضى خمسمئة عام من الحروب الدينية والطائفية البشعة، بدأت في الحروب الصليبية ضد المسلمين ثم ارتدت إلى الداخل الأوروبي الذي بدأت فيه. ولعلنا الآن في الوطن العربي الآن، وأمام سقوط السلطات والسلاطين، الذين حولوا الدولة إلى بنية منفصلة عن اجتماعها، وعاشوا أكثر مما يحتمل في السلطة من خلال قيادتهم لعمليات الفتن المختلفة بين مكونات اجتماعهم الوطني، وبعدما أدى الحرمان المفتعل والقاسي من الحرية الى التخلف والفقر والفساد ونقص الخبز أو الحرمان منه، أصبحنا أمام مشهد الحرية وشروعها في العودة إلى حياة مصر وتونس وليبيا، واليمن وسوريا والبحرين، بعدما عادت إلى العراق، الذي برأته نهائياً من المؤاخذات، هذه الاندفاعة العربية نحو الغرب، وبإجماع، من أجل إسقاط الطواغيت بالقوة. فإذا كنا، من دون مبالغة، نستطيع القول بأن العراق كان له دور في تقديم الأمثولة، منذ انتفاضة العام 1991، فإننا نتمنى على العراق أن يكمل دوره في تقديم الامثولات، من خلال التنمية، بما تعني من وضع حد للهدر ومحاربة للفساد، ومن معايشة يومية وتفصيلية لهموم المواطنين، ما تعني من ضرورة زيادة نسبة الحرية بدلا من انتقاصها وتحويلها إلى جامع للاجتماع، بدلا من قمعها، وتحويلها الى قانون يراعى من قبل السلطات قبل غيرها، حتى لا تتحول الى فوضى في الدولة أو السلطة وفوضى في الاجتماع. ولا بد هنا من قراءة متأنية ومتبصرة للتجربة اللبنانية، التي كان فيها التعدد المتوازن سبيلاً الى التمايز والتقدم، متحمِّلاً غلبة نسبية من فئة على فئة. مرة هنا ومرة هنالك، بما يعني ذلك من حرمان الآخرين، لكن طبقته السياسية لم ترق في وعيها الى مستوى تحويل التعدد والحرية المترتبة عليه عملياً، الى مشروع سياسي ديموقراطي يحول الإشباع بالحريات من طريقه الى الفوضى والفتنة والتجزئة، الى نظام حريات يحفظ الجميع ويضع حداً للجميع، عندما تطغى المكونات الفرعية للجماعات الدينية على المكونات العامة، فيصبح الوطن والمواطن في خطر... وفي العراق كان الطغيان كأنه قدر... أما الآن فالحرية هي القدر الحقيقي... ومن لا يستفد منها كرافعة لمستقبل العراق، فلن يستفيد منها بشكل حقيقي ومشروع لا لصالح طائفته او حزبه او أسرته. ومن دون حرية منظومة وناظمة ومنظَّمة ومنظِّمة، لا أدري كيف ينمو العراق... كيف تكون هناك زراعة وصناعة وتجارة وجامعة وأدب وفن ووحدة وطنية واجتماعية، أو كيف يكون هناك دين؟ أما أن الحرية لها ضرائبها فصحيح، لكنها في أسوأ حالاتها، أقل فداحة من ثمن الطغيان أو الاستئثار السياسي أو الاتني أو المذهبي. وفي النهاية هاتوا لنا ضماناً لتعزيز الحريات وخذوا منا رضا وتشجيعاً في محاربة من يستغلون الحرية في غير مقاصدها... وتحت سقف القانون، الذي يفرق بين الحقوق الفردية والعامة، وبين التجاوزات المؤذية للقيم والأفكار الجامعة. هذا... وإلا فإننا سوف نكون عرضة للسلفية الهادئة والسلفيات العنفية، وبعد قليل لا تلبث السلفية الهادئة ان تلوذ بالسلفية العنفية، وقد يؤدي ذلك الى استدراج أشكال أخرى من العنف، ليتعطل كل شيء. * نقلا عن "السفير" اللبنانية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل