الرئيس الجديد والرؤية المستقبلية لمصر
بقلم: خالد زكريا أمين 3 ابريل 2011 09:39:16 ص بتوقيت القاهرة تعليقات: 0 var addthis_pub = "mohamedtanna"; الرئيس الجديد والرؤية المستقبلية لمصر حققت ثورة 25 يناير العديد من الإنجازات السياسية التى لا يمكن لأى تقييم موضوعى التقليل من شأنها ومن تأثيراتها الإيجابية المتوقعة، ومع ذلك فإن الثورة ما زالت بعيدة عن إحداث تغيير حقيقى فى موروث الثقافة السياسية التى تم تشكيلها على مدار العقود الماضية والتى تكرس حكم الفرد وثقافة الفرعون. ونتيجة لذلك لم يكن مفاجئا أن تبدأ الدعاية الانتخابية لمنصب رئيس الجمهورية بشكل مبكر، وحتى قبل الإعلان الرسمى عن موعد إجراء هذه الانتخابات. فإلى جانب إعلان العديد من الشخصيات العامة عن نيتها الترشيح لهذه الانتخابات، وبدء الحديث عن الأفكار الرئيسية لبرامجهم الانتخابية، بدأت الوسائل الإعلامية المختلفة تخصيص مساحات واسعة لأحاديث هذه الشخصيات واستطلاع آراء المواطنين بشأنهم، دون إعطاء نفس الدرجة من الاهتمام للانتخابات البرلمانية التى أعلن فعليا عن عقدها فى شهر سبتمبر المقبل، والتى تبدو لى أكثر محورية وخطورة على مستقبل العمل السياسى فى مصر. واعترافا بأن منصب رئيس الجمهورية هو المنصب الذى لا يزال متجذرا فى الوجدان والإدراك الجمعى المصرى باعتباره أساس الحكم، فإن رؤية الرئيس الجديد لمستقبل مصر، هى القضية الأساسية التى يجب أن تستحوذ على اهتمام المرشحين للمنصب والإعلاميين والمصوتين.وتتحدد الرؤية ببساطة فى الشكل الذى يجب أن تكون عليه مصر فى المستقبل من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والبنيوية، وبمعنى آخر فإن الرؤية الإستراتيجية لمرشح الرئاسة ترسم بعناية صورة مصر التى يراها المرشح بعد ربع أو نصف قرن من الآن، حتى وإن كان هذا المرشح، فى حال انتخابه رئيسا، سيبقى فى الحكم لمدة أربع أو ثمانى سنوات. هذه الرؤية عادة ما تنبع من تحليل دقيق وموضوعى لمجريات الواقع المصرى الحالى بكل أبعاده، للبناء على ما هو صالح فيه، وتعديل ما هو طالح فيه، واستحداث كل ما هو مطلوب لتحقيق هذه الرؤية المستقبلية فى ضوء الموارد المتاحة والكامنة فى الوطن. وبطبيعة الحال فإن قضية الرؤية المستقبلية للدولة، التى يمكن صياغتها فى عدد محدود من الأوراق، تنطوى على جهد ضخم يجب أن يقوم به المرشح وفريق العمل الخاص به كدليل للجدية والجدارة للحصول على هذا المنصب.وعلى الرغم من أن الرؤية المستقبلية للدولة لا يجب أن تكون منبتة الصلة عن الواقع الذى تعيشه هذه الدولة حاليا، فإنها فى الوقت نفسه لا يجب أن تكون أسيرة لمعطيات هذا الواقع، ونواميسه، وما جرى العمل عليه، واعتبر عرفا. ويعد تحقيق هذا التوازن بين القائم والمأمول القضية الأكثر تعقيدا فى صياغة الرؤى الإستراتيجية للدول. وتقدم تجارب دول كماليزيا وإندونيسيا وتركيا نماذج يمكن الاحتذاء بها فى تحقيق هذا التوازن، والخروج السريع والمدروس من منظومة التخلف والفساد إلى منظومة التقدم والرقى.ولا يجب النظر إلى صياغة الرؤية الإستراتيجية للدولة من قبل المتقدمين لمنصب رئاسة الجمهورية فى مصر باعتباره نوعا من الترف أو دربا من دروب الرومانسية السياسية والاقتصادية. فغياب الرؤية الإستراتيجية، من وجهة نظرى، كان السبب الرئيسى للتخبط الذى عانت منه مصر خلال العقود الماضية والأمثلة كثيرة ومتعددة. فالمتابع للبنية المؤسسية فى مصر، يستطيع أن يلاحظ أن عمليات الدمج والفصل والاستحداث والإلغاء للوزارات والهيئات الحكومية المصرية على مدار هذه العقود لم يكن نتاجا لرؤية وأهداف إستراتيجية تسعى الحكومات المتوالية لتحقيقها فى الأمد الطويل، وإنما كانت نتاجا لاعتبارات قصيرة الأجل تسيطر عليها عوامل شخصية ومصالح ضيقة.كذلك فإن المتتبع لتطور الإنفاق الحكومى على القطاعات المختلفة فى مصر خلال سلسلة زمنية طويلة، لا يستطيع أن يرسم توجهات رئيسية للهدف من وراء هذا الإنفاق، وبالتالى لم يكن متخيلا أن تستطيع مصر أن تحقق عائدا ملحوظا من هذا الإنفاق المتزايد عبر السنين. فى الوقت نفسه، كان غياب الرؤية الإستراتيجية الحاكمة لصياغة السياسات والقوانين فى مصر السبب الأساسى وراء غياب التنسيق بين هذه السياسات، بل وتعارض أهدافها فى الكثير من الأحيان. فسياسات مثل الحد من الفقر ودعم الصادرات ودعم القطاع الخاص والتوظيف والعمالة والسياسات الضريبية لا يمكن أن تعمل بكفاءة فى نفس الوقت دون وجود للرؤية الإستراتيجية المنضبطة والواضحة.إن الرؤى الإستراتيجية التى يجب أن يبدأ المرشحون لمنصب رئاسة الجمهورية فى مصر العمل على صياغة أبعادها الرئيسية من الآن، هى أمر بعيد كل البعد عن الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التى دأبت وزارة التخطيط فى الماضى، ووزارة التنمية الاقتصادية سابقا، ثم التخطيط والتعاون الدولى حاليا، إعدادها والترويج لها باعتبارها خارطة الطريق للتقدم والنمو فى مصر. على المرشحين البدء فى صياغة رؤية إستراتيجية حقيقية تعيد لمصر شبابها وريادتها، وتعيد للمصريين الأمل فى مستقبل حقيقى على أرض هذا الوطن.وأخيرا، فإن هناك رسالة حقيقية يجب أن يقوم بها الإعلام المستنير فى مصر بمنابره المختلفة. هذه الرسالة تتمثل فى رفع وعى المواطن المصرى بشأن أسلوب اختيار القيادات السياسية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، مع التركيز فى هذه الرسالة على فكرة تعميق الاختيار على أساس الرؤى الإستراتيجية والبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستقبلية للمرشحين. ولعل الدروس المستفادة من السلوك التصويتى للمواطنين المصريين على التعديلات الدستورية الأخيرة خير دليل على ضرورة أن يلعب الإعلام هذا الدور فى هذه المرحلة الدقيقة. فبعد إعلان النتيجة التفصيلية للاستفتاء على مستوى المحافظات، أخذنى الفضول كباحث إلى تحليل هذه النتائج من حيث ارتباطها بمتغيرات اقتصادية واجتماعية رئيسية على مستوى المحافظات مثل معدلات الفقر، ومؤشر التنمية البشرية، ومعدل البطالة، والناتج المحلى الإجمالى، ونسبة الأمية، ومعدل التفاوت فى الدخل، وعدد السكان، ومعدل الحضرية. وكانت نتيجة التحليل هى الغياب التام لأى ارتباط بين هذه المؤشرات مجتمعة ودرجة مشاركة المحافظات فى الاستفتاء، من ناحية، والتصويت بنعم أو بلا، من ناحية أخرى. هذه النتيجة ببساطة، وبعيدا عن التفسيرات المتداخلة التى قد تحملها، تشير بوضوح إلى سيادة نمط التصويت العاطفى وغير الممنهج على جمهور الناخبين فى مصر والحاجة الملحة لتطوير هذا السلوك بشكل سريع.
Comments