المحتوى الرئيسى

أين الشجاعة يا دعاة الحق؟!بقلم : محمد محمود عبد الخالق

04/02 20:50

بقلم : محمد محمود عبد الخالق يعلم الداعية المسلم أن دعوة الإسلام لابد وأن تنتصر ولذلك فإن من الواجب على الداعية أن يفوق تحمسه للحق ودعوة الآخرين تحمس أهل الباطل لباطلهم والتفافهم حول رايته. ولا يتأتى هذا الأمر للدعاة ما لم يكونوا موصوفين بالشجاعة والجرأة في مواجهة الصعاب – التي ولابد ستعترضهم – وألا تأخذهم في الله لومة لائم حتى تجد كلمة الحق طريقها إلى الجميع. والشجاعة في الحق وفي ميادين القتال بالنسبة للمسلم تدل على قوة عقيدته وسلامتها من غبش التصور وانحراف المنهج, ومن المعلوم أن صفاء العقيدة يرفع الهمة ويُنمي الشجاعة ويُلهب المشاعر ويذكي الروح ويربط الفؤاد ويُنور العقل ويُوسع المدارك والعاملون في الدعوة إلى الله ينبغي عليهم أن يكونوا شجعانا, فحامل الدين ينبغي ألا يستكين ولا يجبن ولا يخور عزمه؛ لأنه صاحب رسالة مقدسة من عند الله العليم الحكيم, سار على نهجها رسل الله من قبل فنصرهم الله وانتقم من عدوهم. قال الشاعر: إن نـفـســا تـرتـضــي الإســــلام ديــنــاثــــــــم تــــرضــــى بــــعــــده أن تـسـتـكــيــنــا أو ترى الإسلام في أرض مهيناثــم تـهـوى العـيـش نـفـس لــو تكـونـا في عداد المسلمين العظماء فكم نحن محتاجون إلى شجاعة الدعاة إلى الله لندك بها الباطل وننصر بها الحق ونزيل بها المنكرات الظاهرة وندمغ الشبهات الخادعة بالنورين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الشاعر: وإذا اضطررت إلى الجدال ولـم تجـدلــــــــــــــك مــــهـــــربـــــا وتـــــــلاقـــــــت الـــــصـــــفـــــان فـــاجــــعــــل كـــــتــــــاب الله درعـــــــــــا ســـابــــغــــاوالـــشـــرع ســيــفــك وابــــــدأ فــــــي الــمــيـــدان والــــســـــنـــــة الـــبـــيــــضــــاء دونــــــــــــــك جـــــــنـــــــةواركــــــب جــــــواد الـــعـــزم فــــــي الـــجــــولان واثــبــت بـصـبــرك تــحــت ألــويــة الــهــدىفـــالـــصـــبــــر أوثـــــــــــــق عــــــــــــــدة الإنـــــــســـــــان واطــــعــــن بــــرمــــح الــــحــــق كـــــــــل مـــعـــانـــدلله در الـــــــــــــــــــفــــــــــــــــــــارس الـــــــــــــطـــــــــــــعــــــــــــــان واحمل بسيف الصدق حملة مخلصمـــــــــتــــــــــجــــــــــرد لله غــــــــــــــيـــــــــــــــر جـــــــــــــــبـــــــــــــــان وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وألا ننازع الأمر أهله وأن نقوم – أو نقول- بالحق حيثما كنا, لا نخاف في الله لومة لائم " رواه البخاري, وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فكان فيما قال: " ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه " أخرجه ابن ماجه والترمذي ضمن حديث طويل وقال: حديث حسن صحيح, وفي رواية أخرى عن أبي سعيد أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحقر أحدكم نفسه. قالوا: يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال: يرى أمراً لله فيه مقال ثم لا يقول فيه. فيقول الله عزوجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا ؟ فيقول: خشية الناس. فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى ". ولعل ما يدفع الداعية إلى التحلي بصفة الشجاعة أمرين عظيمين:- (1) إيثار ما عند الله تعالى والعمل على تحقيق رضاه والدعوة إلى دينه وتفضيل ذلك كله على عطاءات المخلوقين وهباتهم باعتبار أن النافع الضار والمعز المذل هو الله تبارك وتعالى. (2) الرضا بما قسم الله من الرزق – قليلاً أو كثيراً – دون تطلع إلى شهوات التنعم أو طمع في الارتقاء ولو على حساب الحق. يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي: كم من داع يبصر الحق ويقدر على التذكير به ولكنه يُحتبس في حلقه فلا يسمع به أحد. لماذا ؟ لأنه لو نطق لحرم من هذا النفع أو لغضب عليه هذا الرئيس أو لفاته هذا الحظ..فهو – إيثاراً لمتاع الدنيا – يلزم الصمت ويظلم اليقين. ولو كان عفيف النفس راضيا بما تيسر من عيش مكتفيا بالقليل مع أداء الواجب عن الكثير مع تضييعه لكان له موقف آخر. ومن الأمثلة الدالة على شجاعة الدعاة أيضاً وخوفهم من الله دون سواه ما كان من أمر الداعية الفقيه سعيد بن جبير مع الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي ويتلخص الموقف فيما يلي: عندما صمم الحجاج على قتل سعيد بن جبير - مثلما حدث مع كثيرين غيره – أرسل جنودا فجاءوا به وأدخلوه عليه ودار بينهما الحوار التالي: - قال الحجاج: ما اسمك ؟. ردّ عليه سعيد قائلاً: سعيد بن جبير. قال الحجاج: بل أنت شقي بن كُسير. قال سعيد: بل كانت أمي أعلم باسمي منك. قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك. قال سعيد: الغيب يعلمه غيرك. قال الحجاج: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى. قال سعيد: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً. قال الحجاج: فما بالك لا تضحك ؟ . قال سعيد: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار. قال الحجاج: فما بالنا نضحك ؟ قال سعيد: لم تستو القلوب. وفكر الحجاج في أن يستميل قلب سعيد بن جبير بالمغريات والماديات فأمر باللؤلؤ والزبرجد و الياقوت فجمعه بين يدي سعيد بن جبير. فقال له سعيد: إن كنت جمعت هذا لتفتدي به من فزع يوم القيامة فقد أخطأت, وإلا ففزعه واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت, ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا. ثم دعا الحجاج بالعود والناي, فلما ضُرب بالعود ونُفخ في الناي بكى سعيد بن جبير. فقال له الحجاج: ما يبكيك ؟ أهو اللهو؟ قال سعيد: بل هو الحزن, أما النفخ فقد ذكرني يوماً عظيما يوم ينفخ في الصور وأما العود فشجرة قطعت في غير حق وأما الأوتار فإنها أمعاء الشياه يبعث بها معك يوم القيامة. فقال الحجاج: ويلك يا سعيد. فقال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار. فقال الحجاج: اختر يا سعيد أي قتلة تريد أن أقتلك ؟. فقال سعيد: اختر لنفسك يا حجاج, فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة. قال: أفتريد أن أعفو عنك ؟ . قال: إن كان العفو فمن الله, وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر. قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه. فلما خرج من الباب ضحك, فأخُبر الحجاج بذلك فأمر برده. فقال: ما أضحك ؟ قال سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عنك. قال الحجاج: اقتلوه. فقال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. قال الحجاج: شدوا به لغير القبلة. قال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله. قال الحجاج: كبوه لوجهه. قال سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. قال الحجاج: اذبحوه. قال سعيد: أما إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك, وأن محمداً عبده ورسوله. خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة. ثم توجه سعيد بن جبير بالدعاء إلى الله قائلاً: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي. وقُتل سعيد بن جبير رحمه الله وعاش الحجاج بعده خمس عشرة ليلة يعاني من المرض ثم مات, وكان ينادي بقية حياته قائلاً: ما لي ولسعيد بن جبير, كلما أردت النوم أخذ برجلي. وهناك مثال آخر على شجاعة الدعاة إلى الحق :- (الأمام أحمد بن حنبل والفتنة التي لقيها ) يقول بشر بن الحارث وقد سئل عن الإمام أحمد بن حنبل فقال : أنا أسأل عن الإمام أحمد ؟! إن أحمد بن حنبل أُدخل في الكيـر فخرج ذهبا أحمر ، أُدخل في المحنة ، أُحرق بالنار فصبر وصابر حتى خرج ذهبا خالصا نقيا وزال منه كل غش فيه لعشرين سنة . وقال عبد الوهاب الوراق : عشرين سنة والإمام أحمد يتقلب في نيران المحنة حتى خرج منها كما خرج إبراهيم من نار النمرود { قُلْنَا يا نار كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } . فقد ضُرِب الإمام أحمد وحبس في عهد المأمون ، وسجنه في آخر أيامه , ولكن مات المأمون قبل أن يصل إليه الإمام أحمد وكان قد أُشخص إليه . وقيل إن موته بدعوة من الإمام أحمد , فإن بعض حاشية المأمون خاف على الإمام أحمد وحملته الغيرة فجاء متسللا إلى الإمام أحمد وهو يمسح دمعه بطرف ردائه وقال له : يا إمام إن المأمون قد سل سيفا ما سله قط وإنه يحلف بالله تعالى إن لم تجبه لما أراد من القول بخلق القرآن ليقطعنك إربا إربا ، فرفع الإمام أحمد يديه إلى الله تعالى ودعا على المأمون فمات من ليلته , فما جاء السحر إلا وقد ارتفعت الأصوات وأوقدت النيران ونعي المأمون إلى الناس . مات المأمون وجاء المعتصم , وكان جاهلاً لا يعرف شيئاً ولكنه مشى على سنن من كان قبله ووجد الإمام أحمد محبوسا فزاد في حبسه وقيده وضَرَبَه وأهانه ، وكان يقف عليهم بنفسه ويأمرهم بضربه حتى تتقطع أيدي الجلاد من شدة الضرب حتى قال أحدهم : والله لقد ضربت أحمد مائة سوط لو كانت على فيل لنهد . وكانوا يتعاقبون عليه والإمام أحمد رجل قد بلغ من السن ما بلغ وهو ضعيف الجسم كثير الصيام , يسرد الصوم بل ربما واصل أياما , ومع ذلك ربما ظل صابرا وهو يضرب ويتقلب تحت السياط ويتلوى ويعرضون عليه الفطر فلا يفطر ويقول : إني أقوى . يأتيه الخليفة فيقول له : يا أحمد والله لولا إني وجدت من قبلي قد حبسك ما صنعت بك شيئاً , ثم يقول والله يا أحمد لئن أجبتني إلى ما أريد أن تقول بأن القرآن مخلوق لأطلقن عنك القيود بيدي ولأركبن إليك بجندي ولأطأن عقبك ، يا أحمد والله إني عليك لشفيق وإني لك محب , والله إنك عندي مثل ولدي هارون فأجبني إلى ما أريد حتى أطلق عنك وأكرمك ... إلى غير ذلك . فاستخدموا معه أسلوب القوة والقسوة والضرب ، ثم أسلوب الترغيب والإشفاق والتعبير عن المشاعر . فكان الإمام أحمد لا يزيد في هذا ولا في ذاك على كلمة واحدة "هاتوا لي دليلا من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تذهبون إليه وتقولون" ، ما عنده إلا هذا الكلمة . وفي عهد الواثق بعدما مات المعتصم تغيرت الأمور وهدأت الفتنة ، ولكن الواثق فرض على الإمام أحمد الإقامة الجبرية في بيته ، وكان المعتصم قد أطلقه وندم على ما كان منه ، ثم فرض عليه الواثق الإقامة الجبرية في بيته فلا يخرج حتى إلى الصلاة !! قولوا لي بالله عليكم من يستطيع أن يصبر على هذا ؟! إنه لا يصبر عليه إلا الأفذاذ من الناس . لو أُمِر الإنسان ألا يخرج من بيته يوما واحدا أو أودع في السجن ساعة لضاقت عليه الأرض بما رحبت وصار يضرب أخماسا بأسداس وترك ما كان يدعو إليه من قبل وتغيرت في عينه الموازين ... فالله المستعان . أما أحمد فبعدما خرج من كير المحنة ونارها جاءته المحنة الأخرى وهي فرض الإقامة الجبرية عليه في بيته لا يخرج حتى إلى الصلاة ولا يُعَلِّم ولا ينشر علما ولا حديثا . ومن الأمثلة على الشجاعة أيضا في قول الحق ونصرة الدين : العز بن عبد السلام ( سلطان العلماء ) ونسرد له ثلاثة مواقف تدل على ذلك : .موقفه مع الملك الصالح إسماعيل: عندما كان العز بن عبد السلام في دمشق كان الحاكم رجلاً يقال له: "الملك الصالح إسماعيل" من بني أيوب، فولّى العز.بن.عبد.السلام خطابة الجامع الأموي، وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل هذا بالتحالف مع النصارى الصليبيين، أعداء الله ورسله، فحالفهم وسلّم لهم بعض الحصون، كقلعة الشَّقِيف وصَفَد، وبعض الحصون، وبعض المدن وذلك من أجل أن يستعين بهم على قتال الملك الصالح أيوب في مصر. فلما رأى العز.بن.عبد.السلام هذا الموقف الخائن الموالي لأعداء الله ورسله - عليهم السلام- ، لم يصبر فصعد على المنبر، وتكلّم وأنكر على الصالح إسماعيل تحالفه مع الصليبيين، وقالها له صريحة، وقطع الدعاء له في الخطبة، بعدما كان اعتاد أن يدعو له، وختم الخطبة بقوله: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا تُعِزُّ فيه وليَّك، وتُذِلُّ فيه عدوَّك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر. ثم نزل. وعرف الأمير الملك الصالح إسماعيل أنه يريده، فغضب عليه غضبًا شديدًا، وأمر بإبعاده عن الخطابة، وسجنه، وبعدما حصل الهرج والمرج، واضطرب أمر الناس، أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك. وخرج العز.بن.عبد.السلام من دمشق مغضبًا إلى جهة بيت المقدس، وصادف أن خرج الملك الصالح إسماعيل إلى تلك الجهة أيضًا والتقى أمراء النصارى قريبًا من بيت المقدس، فأرسل رجلاً من بطانته وقال له: اذهب إلى العز.بن.عبد.السلام، ولاطِفْهُ ولايِنْهُ بالكلام الحسن، واطلب منه أن يأتي إليّ، ويعتذر مني، ويعود إلى ما كان عليه، فذهب الرجل إلى العز.بن.عبد.السلام وقال له: ليس بينك وبين أن تعود إلى منصبك وأعمالك وزيادة على ما كنت عليه، إلا أن تأتي وتُقَبِّل يد السلطان لا غير، فضحـك العز.بن.عبد.السلام ضحكة السـاخر وقال: "يا مسكين، والله ما أرضى أن يُقَبِّلَ الملك الصالح إسماعيل يدي فضلاً عن أن أُقَبِّلَ يده، يا قومُ أنا في واد، وأنتم في واد آخر، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به". قال: إذًا نسجنك، فقال: "افعلوا ما بدا لكم". فأخذوه وسجنوه في خيمة، فكان يقرأ فيها القرآن ويَتَعَبَّد ويذكر الله تعالى . .موقفه مع الصالح أيوب: خرج العز.بن.عبد.السلام بعد ذلك إلى مصر، واستقبله نجم الدين أيوب، وأحسن استقباله، وجعله في مناصب ومسؤوليات كبيرة في الدولة. وكان المتوقع أن يقول العز.بن.عبد.السلام: هذه مناصب توليتها، ومن المصلحة أن أحافظ عليها حفاظًا على مصالح المسلمين، وألاَّ أعكِّر ما بيني وبين هذا الحاكم، خاصة أن الملك الصالح أيوب -مع أنه رجل عفيف وشريف- إلا أنه كان رجلاً جبارًا مستبدًّا شديد الهيبة، حتى إنه ما كان أحدٌ يستطيع أن يتكلم بحضـرته أبدًا، ولا يشفع لأحد، ولا يتكلم إلا جوابًا لسؤال، حتى إن بعض الأمراء في مجلسه يقولون: والله إننا دائمًا نقول ونحن في مجلس الملك الصالح أيوب: لن نخرج من المجلس إلا إلى السجن؛ فهو رجل مهيب، وإذا سجـن إنسانًا نسيـه، ولا يستطيع أحد أن يكلِّمه فيه، أو يذكره به، وكان له عظمة وأبهة، وخوف وذعر في نفوس الناس، سواءً الخاصة منهم والعامة، فماذا كان موقف العز.بن.عبد.السلام معه؟ في يوم العيد خرج موكب السلطان يجوس في شوارع القاهرة، والشرطة مصطفّون على جوانب الطريق والسيوف مُصْلتة، والأمراء يقبّلون الأرض بين يدي السلطان هيبة وأبهة -وهذه كانت عادة سيئة موجودة عند الأمراء في ذلك الوقت-، وهنا وقف العز.بن.عبد.السلام وقال: يا أيوب؛ هكذا باسمـه مجردًا بلا ألقاب، فالتفت الحاكم ليرى: من الذي يخاطبه باسمه الصريح، بلا مقدمات، ولا ألقاب؟ ثم قال له العزّ: ما حُجَّتُك عند الله - عز وجل - غدًا إن قال لك: ألم أُبَوِّئْكَ ملك مصر، فأبحت الخمور؟ فقال: أو يحدث هذا في مصر؟ قال: نعم، في مكان كذا، وكذا، حانة يباع فيها الخمر وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلّب في نعمة هذه المملكة؟ فقال: يا سيدي، أنا ما فعلت هذا، إنما هو من عهد أبي. فَهَزَّ العز بن عبد السلام رأسه وقال: إذن أنت من الذين يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) [الزخرف:22]، فقال: لا، أعوذ بالله، وأصدر أمرًا بإبطالها فورًا، ومنع بيع الخمور في مصر. .موقفه مع الوزير فخر الدين: ومن أبرز المواقف التي تذكر في هذا الجانب: أن بعض تلاميذه أتوه في يوم من الأيام فقالوا له: إنه في مكان كذا، قام وزير كبير في دولة المماليك ويدعى فخر الدين ببناء طبلخانة -وهي: مكان مخصص للغناء والرقص والموسيقى والفساد- وكان هذا المكان بقرب أحد المساجد، وعندما تأكد العز.بن.عبد.السلام من صحّة هذا الخبر، جمع أولاده وبعض تلاميذه وذهب إلى المكان الذي يسمونه بالطبلخانة، وقام وأخذ الفأس، وبدأ في هدم هذا المكان هو ومن معه حتى سَوّوه بالأرض. فهل اكتفى بهذا؟ لا؛ بل أصدر قرارًا بأن هذا الوزير ساقط العدالة، فلا تقبل شهادته، ولا يقبل منه أي خبر من الأخبار، وأعلن ذلك للناس، فسرعان ما تناقلت الأمة هذا الخبر عن العز بن عبد السلام. وظن فخر الدين وغيره أن هذا الحكم بإسقاط عدالته لن يتأثر به فخر الدين إلا في مصر فقط، ولكنهم تعجّبوا أشد العجب حينما حدث خلاف ذلك، فقد أرسل ملك مصر "الملك الصالح" إلى الخليفة العباسي المستعصم ببغداد رسالة شفهية بواسطة أحد الأشخاص وعندما أبلغ هذا الرجل الرسالة إلى الخليفة المستعصم قال له الخليفة: هل سمعت هذه الرسالة من ملك مصر مباشرة؟ قال: لا، ولكن أبلغنيها الوزير فخر الدين عن الملك، فقال له الخليفة: إن هذا الوزير المذكور قد أسقط العز بن عبد السلام عدالته، ولا أقبل خبره، ارجع بهذه الرسالة، فلن أقبل هذا الخبر حتى تأتيني به من حاكم مصر مباشرة، فرجع الرسول إلى ملك مصر حتى شافهه بالرسالة ثم عاد إلى بغداد وأدّاها إلى الخليفة المستعصم( ). وعندما وصل خبر ردّ الخليفة لرواية هذا الوزير وخبره، عرف الناس أن الأمة كلها مع العز.بن.عبد.السلام. المصادر والمراجع : - 1- أخلاق الدعاة إلى الله للدكتور طلعت محمد عفيفي 2- سلطان العلماء للشيخ سلمان بن فهد العودة 3- دولة المرابطين للدكتور علي محمد الصلابي

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل