المحتوى الرئيسى

قالوا سلامًا

04/02 10:46

بقلم: د. محمد السيد الدسوقي تحوَّل الناس إلا من رحم الله من ميدان العمل إلى ميدان الكلام والنقاش والعراك والتراشق بالألفاظ والجدال المذموم؛ ما أدَّى إلى الخصومة والتفرق بعد الاتحاد والتشرذم بعد الجماعية؛ ما أوجب على العقلاء والحكماء أن يتدخلوا وأن يعيدوا القوم مرةً أخرى إلى حظيرة العمل، ويدفعوا بعجلة الإنتاج إلى الأمام، وأحب أن أذكر بأساسيات الحوار كما كتبت في المقال السابق وهي: 1) استحضار النية. 2) الائتلاف قبل الخلاف. 3) ترك الجدال والمراء. 4) البدء بالاتفاق. 5) حسن الظن بالآخرين. 6) البسمة وخفض الصوت ولين الجانب. 7) البعد عن تجريح الأشخاص والهيئات. 8) الاحتكام إلى المرجعية الإسلامية. 9) الشورى. 10) الانتقال إلى العمل الجاد.   هذه هي القواعد العشرة الذهبية التي يُبنى عليها الحوار الناجح الذي نخرج منه إلى ساحة العمل الفسيح، وإلى إعادة بناء البلاد بعد أن أسقطنا الفساد.   ولكن هناك من يتشدد في رأيه ويتعصب له، ويسفِّه رأي الآخر، بل يتعدى عليه برصاص الكلام وقذائف الهوى والشيطان، وكان لا بد من العودة للقرآن؛ لنراجع معًا صفات عباد الرحمن من سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (63)).   وإذا خاطبهم الجاهلون والسفهاء بغلظة وجفاء قالوا قولاً يسلمون فيه الإثم.. قال الحسن: "لا يجهلون على أحد، وإن جهل عليهم حلموا، وقيل إذا سفه عليهم الجاهل بالقول السيئ لم يقابلوهم بمثله، بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلمًا، وكما قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)) (القصص)، وعن النعمان بن مقرن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إن ملكًا بينكما يذب عنك، كلما شتمك هذا قال له: بل أنت وأنت أحق به، وإذا قال له عليك السلام، قال: لا بل عليك وأنت أحق به" (إسناده حسن).   وقال مجاهد (قَالُوا سَلامًا) يعني قالوا سدادًا، وقال سعيد بن جبير: ردوا معروفًا من القول، وقال الحسن البصري: قالوا سلامًا عليكم إن جهل عليهم حلموا.   وقال صاحب الظلال، وهم في جدهم ووقارهم وقصدهم إلى ما يشغل نفوسهم من اهتمامات كبيرة، لا يلتفتون إلى حماقة الحمقى وسفه السفهاء، ولا يشغلون بالهم ووقتهم وجهدهم بالاشتباك مع السفهاء والحمقى في جدل أو عراك، ويترفعون عن المهاترة مع المهاترين الطائشين لا عن ضعف؛ ولكن عن ترفع، ولا عن عجز؛ إنما عن استعلاء، وعن صيانة للوقت والجهد أن ينفقا فيما لا يليق بالرجل الكريم المشغول عن المهاترة بما هو أهم وأكرم وأنفع.   إننا في أمس الحاجة إلى الانتقال من ميدان الكلام إلى ميدان العمل، ومن ميدان العمل إلى ميدان الجهاد؛ لشحذ الطاقات والهمم نحو البناء الذي انهار في العقود البائدة، وكنا نرى ذلك في المجالات كافة وعلى جميع الأصعدة.   لقد ذكر الله تبارك وتعالى صفات المؤمنين في القرآن بمصاحبة الإيمان دائمًا بعمل الصالحات (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) في أكثر من موضع، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل".   والأمم الناهضة هي التي تعمل أكثر مما تتكلم، وعمل رجل في ألف رجل خير من قول رجل في ألف رجل.   ولقد أمرنا الله تبارك وتعالى بالعمل فقال: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)) (التوبة).فالعمل الصالح ملازم للإيمان ومصدق له، وهما معًا أسباب النصر والتمكين في الدنيا والسعادة والنعيم في الآخرة.. والعمل في مجال الدعوة إلى الله؛ من أجل التمكين لدين الله، وإقامة دولة الإسلام الحنيف من أفضل مجالات العمل الصالح وأشرفها.   وحين تحدَّث الإمام البنا، عليه رحمة الله، عن وسائل جماعة الإخوان المسلمين في التغيير والوصول إلى إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة وعودتها، وأستاذية العالم؛ فحدد لذلك مراتب ثلاثة، هي: الإيمان العميق، والتكوين الدقيق، والعمل المتواصل.   إن العمل يتطلب بذل الجهد واحتساب الأجر من الله والصبر والجدية والإتقان وكل القيم التي تنقلنا إلى مصاف الأمم الناهضة، وتعيد إلينا حضارتنا الزاهرة التي بدأت تشرق من جديد وسط الغيوم والسحب التي بدأت تنقشع بفضل الله أولاً ثم بانتفاضة الشعوب ضد الظلم والطغيان والاستبداد والفساد والأنظمة الديكتاتورية العميلة التي فُرضت علينا.   إن مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق ومن المواطن الصالح هي: 1) إصلاح نفسه حتى يكون قوي الجسم, متين الخلق, سليم العقيدة, صحيح العبادة, مثقف الفكر, قادرًا على الكسب, مجاهدًا لنفسه, حريصًا على وقته, منظمًا في شئونه, نافعًا لغيره.   2) تكوين البيت المسلم لتكوين المجتمع المنشود الذي يقوم على دعائم الإسلام الذي يظل الجميع بخير (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)) (البقرة), (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران).   3) إقامة المجتمع المسلم. إن مرجعية الإسلام هي الأساس الذي يُقام عليه المجتمع الذي ينعم فيه الجميع بكل قيم الحرية والعدالة والانتماء والإنتاج والاحترام والرقي والإتقان، وكل ما يحقق سعادة الناس في دنياهم وأخرهم، وفي المجال متسع البيان.   أحبابي.. أتوجه إلى الجميع في النهاية بنداء مخلص أمين بالمبادرة إلى العمل الجاد المتقن على أعلى مستوى في كل المجالات وجميع الاتجاهات على بنية وتخطيط سليم، متعاونين على البر والتقوى؛ لبناء البلاد بعد أن سقط الفساد.   واللهَ أسأل أن يجمع على الحق كلمتنا ويوفقنا لعمل الخير وخير العمل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل