المحتوى الرئيسى

أنا وجمال مبارك.. المرّة دي مسموح النشر؟!بقلم: محمد هجرس

03/31 23:48

أنا وجمال مبارك.. المرّة دي مسموح النشر؟! بقلم: محمد هجرس** قبل أكثر من عام، كتبت مقالاً، اخترت له عنوان.. "أنا.. وجمال مبارك"، ولأنه كان يحمل مقارنة بين العبد لله، الموقّع أعلاه، وبين ابن الرئيس إيّاه، فقد رفضت بعض الصحف المصرية ـ حتى المعارضة منها أو تلك التي تدّعي الثورية ـ التي أرسلته إليها نشره، بل لم يكلّف أحد من مسؤولي صفحات الرأي فيها الردّ علي، أو الاعتذار على أقل تقدير، أو إفهامي سبباً معقولاً للمنع، اللهمّ إلا اثنان من الزملاء المحترمين، أحدهما أرسل لي جملة مقتضبة تقول :"مقال جميل يا أستاذ.. لكن إذا كنت مستغني عن نفسك، فأنا لست على استعداد لمواجهة المتاعب" بينما اكتفى الآخر بعبارة ساخرة:"غير صالح للنشر.. وافهمها لوحدك"!. ولأني "فهمتها لوحدي" فقد سكتّ، لولا أن مقالاً.. نشره الصديق والزميل، محمود نفادي، نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية المصرية، بعنوان "أنا ومبارك وسنوات الخدمة" قد "قلّب المواجع" وأعادني للوراء، رغم أن الظروف اختلفت، ورغم أني أعرف أن المقال لو أرسلته لأي مكان فسينشر في الحال، ولن يجد منعاً أو حرجاً.. فطبيعة المرحلة الآن، باتت هي الهجوم على كل شيء، والتنصّل من كل شيء! ورغم أن المقال، لم يكن فيه ما يسيء لابن الرئيس المخلوع، ولكن كان فقط، يقارن بين "السيّد" جمال مبارك ـ كما كان يلقّبه الإعلام ـ الذي أفرط في الحديث عن حقه في الترشح لرئاسة الدولة وتم تعديل الدستور وتفصيله "علشان خاطر عيونه" باعتباره "مواطن مصري" وتحتل صورته الصفحة الأولى في كل الجرائد "عمّال على بطّال" بمناسبة وبدون مناسبة، وتجعل من تصريحاته "مارشات عسكرية.. وقرآن" على رأي الممثل سعيد صالح، رغم أن لا منصب رسمي له في الدولة، سوى أنه أمين لجنة السياسات في حزب الرئيس، بينما أنا، نفس المواطن المصري ـ وغيري كثيرون فيهم بالتأكيد من هو أفضل ـ مغلوب على أمري، ومكنوب عليّ أن أكون لا شيء أبداً، طالما لم أعرف سوى "سكة اللي يروح ما يرجعش"، فالمشهد السياسي لا يسمح إلا بصورة واحدة تعلق على الحائط، وصورة أخرى يجّملونها، ويضعون لها كل أدوات الماكياج، ويضخون فيها ما ينفخها لتطير هي الأخرى، إلى المنصب الموعود. منصبٌ موعودٌ، رأته يوماً قارئة الفنجان، فجعلت من كفّه مفتاحاً لكل الطرق المسدودة، في البنوك، ومؤسسات الدولة، والوزارات، والأراضي والخصخصة، والتجارة في كل شيء، وهيّأت لها من مشاريع الألف قرية، تذكرة مفتوحة لكل حلقات "الزار" التي يشطح عليها كل مجاذيب النخبة الحاكمة فجأة، لتعاير من خلالها الشعب المغلوب على أمره وتجتذب البسطاء بـ"عفاريت" التنمية، وخاتم سليمان الذي بدعكة واحدة فقط، سيجعل سكان القرى لا يشربون من ماء الترعة، ويمنح المصريين فكره الجديد، دون أن ينطق أحد، أو يجرأ حتى على الانتقاد أو سؤال الفرعون الصغير نفس السؤال الذي سأله يوماً، الفنان سعيد صالح في إحدى مسرحياته: "أنت ابن مين مصر" ونكتشف أن العملية كلها، كما قال نفس الممثل :"استك منّه فيه"! منصبٌ موعودٌ، فيما الملايين يجلسون على قرعات الطريق، أو في المقاهي والشوارع التي أصبحت ملاذاً لخير شباب مصر، فيما سيئو الحظ هم من ألقوا بأنفسهم في البحر، في رحلة اللا عودة، أما المحظوظون وحدهم ـ وأنا منهم ـ مثل ذلك الذي جاء من أقصى الغربة "رجلٌ يسعى" كان مكتوباً عليه ولسنوات طويلة، أن يتم احتجاز جواز سفره في المطار، في كل مرّة ينزل فيها أجازة لفترة من الزمن، قبل أن يتم رمي الجواز إليه بطريقة مهينة مثله مثل غالبية من البسطاء، المرتحلين، أو الهاربين في كل منافي الدنيا، ممّن ليس لهم "ظهر" أو "كوسة" ثم السماح له بالمغادرة، حتى دون أن يقول له أحد، كلمة اعتذار واحدة، أو يقدم له مبرراً عن كل هذا الفحص، والتأخير، سوى نظرة تحمل في طياتها كلمات سعادة البيه الذي يقف هناك وراء الحاجز الزجاجي :"ما تبقاش تعملها تاني". ..... ..... طيلة سنوات، لم أعرف ماذا يقصد بهذه التي لا "أعملها تاني" راجعت شريط حياتي، فوجدت أنه في طفولتي لم يكن هناك "بامبرز" ولا غيره، وضحكت بشدة، عندما تذكرت إحدى نسوة قريتي البسيطة، التي تعجبت جداً، من هذا الاختراع الجديد، الذي يلبسه ابني حازم وهو طفل صغير، ونرميه بعد ساعات، فاقترحت ببراءة أن يتم غسله وإعادة استخدامه مرة أخرى، واتهمتني بالبطر، وصرف الفلوس على حتة "شـ........."، ثم تساءلت: هو انت ناسي اتربيتوا ازاي؟ فلزمت الصمت، لأني لم أنس.! تذكرت كيف كنت حريصاً جداً، وأتحسس "بنطلوني" جيداً، قبل السفر وبعده، صحيحٌ أني كبرت، إلا أني بعد فترة، فهمت، عندما حكيت لأحد أصدقائي، فقال ساخراً ما لااعي لذكره. تذكرت كيف كنت طيلة حياتي فرداً من الجالية المصرية الشقيقة، كما قال يوماً صديقنا وزميلنا نصر القفاص، مساعد رئيس تحرير الأهرام، سواء داخل البلد، أو خارجها، لم أعرف ما الذي يتوجّب علي عدم فعله، خاصة بعد أن ركبت أول طائرة، لأول بلد "عربي شقيق"، فقد ظللت في كل مرّة حائراً، ليس الأمر مجرد اشتباه في الأسماء، ولكن لأن مقالاً كُتب قبل ربع قرن، ولحسن الحظ، كان يحمل اسمي، وصفت فيه الرئيس المخلوع، بأنه مثل الماء "لا لون، ولا طعم ولا رائحة" ولأنني قلت إن الرجل "ليس ناصرياً ولا ساداتياً ولا حتى مباركياً".. رغم كل كلمات الإشادة برئيس لم يمض أكثر من 4 سنوات في سدّة الحكم، إلا أن هاتين الجملتين فقط سبّبتا لي من المتاعب، ما ظهر منها وما بطن. أحمد الله، أنني ـ في النهاية ـ أنا المواطن المصري، البسيط والعادي جداً، الذي صمد وبقى على قدميه طيلة سنوات القمع والتنكيل والاشتباه، بالضبط مثلما صمد شرفاء التحرير بصدورهم العارية، فيما المواطن الآخر، السيد "جيمي" عادَ لما يجب أن يكون، وخسر آخر أحلامه في الزعامة، والرئاسة، وتسبب مع شلته الفاسدة، في إسقاط أبيه بالضربة القاضية، وبات مع أسرته كلها ممنوعين من السفر. أحمد الله، أنه وبعد كل سنوات الغربة الطويلة في بلاد الله التي وسعتني كما وسعت ملايين المصريين، لست متهماً في تزوير، أو سلب، أو لطش، أو المشاركة في استعباد شعب بأكمله، أو تسليط مجموعة ذئاب مسعورة على بقية خلق الله. أحمد الله، أنه الآن، يمكنني العودة إلى مصر، دون خوف، ودون أن أكون مطلوباً، ودون أن أمنع من السفر، أو يتم الحجز على ما تبقى من ملاليم، بعد أن لطشت نصّابة محترفة أغلب ثروتي، في شقّة بأوراق مضروبة، وأثق أنه سيتم القبض عليها وتنفيذ القانون فيها بعد أن غاب طويلاً طويلاً. أحمد الله كثيراً .. وفي نفس الوقت أشكر الرئيس المخلوع لأنه فجّر فيها كل هذه الثورة الجميلة..وكما قال أحد الكتاب، فإننا مدينون، لـ"جيمي" وأحمد عزّ، وصفوت الشريف، وفتحي سرور، بكل ما تحقّق، لولا عبقريتهم ما تحققت ثورة 25 يناير، ولولا استفزازاتهم، ما تحرّك الشعب المصري، ولولا جرائمهم، ما جاء أيضاً وقت حسابهم! عرفتوا بأة.. الفرق بيني وبين اللي ما يتسمّاش! ــــــــــــــــ ** كاتب صحافي مصري [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل