في منتدي بروگسل الدولي يقولون ثورات مصر .. نقطة العرب الفاصلة
حظيت الأحداث في تونس ومصر، بإهتمام و إعجاب خاص، ثورة تونس باعتبارها الشعلة التي فجرت الموقف، وللأسلوب المتريث الذي تتحرك به لاعداد دستور جديد، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، والثورة الجارية في مصر لطبيعتها المتميزة، من سلمية الثوار وإصرارهم، والتزام القوات المسلحة بعدم التعرض للمتظاهرين، في ملحمة رائعة بين المجتمع وسنده، والمشاركة الكبيرة للمجتمع المدني في الحوارات السياسية الجارية الآن حول مستقبل مصر، بعد سنوات من الركود واللا مبالاة.وكان هناك اهتمام كبير بنجاح التجربة المصرية طوال المؤتمر لوضعيتها الخاصة في العالم العربي، وهو ما أشار إليه الكثير من الحضور، بإعتبارها "الجائزة الكبري"، أو "النقطة الفاصلة" Lynch pin والتي ستحدد نجاح العالم العربي في الانتقال إلي الديمقراطية، أم تعثّره في الطريق، بكل ما سيكون لذلك من تداعيات وانعكاسات علي مصالح العالم العربي والعالم الخارجي كذلك، من منطلق أن ازدهار مصر واستقرارها فيه ازدهار واستقرار العالم العربي، وكذلك لمصالح كل من له أو عليه شيئ في الشرق الأوسط. عُقد هذا المؤتمر، والأحداث مشتعلة عسكريًا في ليبيا، وتتأرجح السيطرة علي مواقع استراتيجية بين الثوار وقوات النظام الليبي، ومع إطلاق التحالف الدولي لعمليات عسكرية تحت قرار فرض غطاء حظر الطيران الليبي الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وسرعة تسليم هذه القوات من قيادة الولايات المتحدة الي قيادة الحلف الأطلنطي، بناء علي الحاح امريكي، المنهمك في افغانستان، ويريد تجنب عمليات عسكرية علي غرار ما فعله الرئيس بوش الإبن بالعراق، وشهدنا خلافات أو علي الأقل تباين في المواقف السياسية بين المانيا وايطاليا وتركيا، غير المؤيديين للعمل العسكري، وفرنسا التي كانت من أقوي الداعين لها من جانب آخر، وتحدث عدد غير قليل من الرسميين بالمؤتمر، عن ضرورة حسم الأمور عسكريًا في ليبيا سريعًا، وحذروا بشدة من الوصول إلي مرحلة اللاحسم، أو تغلّب القوات الموالية للرئيس الليبي علي الثوار، في نفس الوقت اعترف الكثير من نفس هؤلاء المسئولين أنه لا يوجد سيناريو واضح لكيفية حسم الأمور بالشكل المطلوب، طالما لا توجد نية أو استعداد لنشر قوات برية أجنبية علي الحدود الليبية، ولم يستطع أو لم يرغب المسئولون الغربيون الإجابة علي سؤال من المشاركين غير الرسميين عن شكل ليبيا والتيارات السياسية فيها ما بعد الأزمة، حتي إذا نجحت قوات الحلف الأطلنطي وسقط النظام، ولقد عكست نتائج مؤتمر لندن الأخير الذي خُصص للمشاركين في التحالف ضد ليبيا إلي نفس الخلاصات والنتائج والحيرة.وكان ملفتًا للنظر، أنه بقدر استغراب الحضور الغربي غير الرسمي من عدم وجود رؤية عسكرية وسياسية متكاملة من قبل أعضاء التحالف للسيناريوهات الممكنة في ليبيا، بقدر ما كان هذا الحضور أكثر الحاحًا وتمسكًا بأن علي العالم الغربي، بما في ذلك في أوروبا اتخاذ مواقف مبدئية ومتواصلة لدعم "الثوار" وناشطي الديمقراطية في ليبيا، وفي كل الدول العربية دون استثناء، بل اتهموا المسئولين الغربيين بالازدواجية في المعايير، والتحرك لاعتبارات داخلية وليس مبدئية، وحذروهم من أن استخدام القوة العسكرية إزاء بعض الأنظمة العربية التي تستخدم القوة ضد متظاهرين مدنيين، والتردد في ذلك بالنسبة لآخرين، سيعرض أرواح المتظاهرين للخطر بعد أن تحمسوا وتشجعوا في نشوة الحرية التي تنتشر بين الشعوب العربية، وما أظهره العالم الديمقراطي من استعداد للوقوف مع المتظاهرين في بعض البلاد العربية، واستفسر عدد من المتحدثين عن رد فعل الحكومات الغربية إذا تفاقمت الأمور وشهدنا مزيد من العنف والقتلي في سوريا واليمن بشكل خاص، وكذلك بالبحرين، إلا أن المسئولين الغربيين اكتفوا بتسجيل هذه الأسئلة دون الإدلاء بأي ردود عليها بشكل مباشر أو غير مباشر.وكما ذكرت، حظيت الحالة المصرية باهتمام خاص، وامتد النقاش حولها جلسات وخلال مناقشات جانبية عديدة، وطُرحت أسئلة كثيرة حول ما يمكن أن تساهم به أوروبا في دعم بناء مصر المستقبل، وكثرة التنويهات الأوروبية عن أهمية استفادة مصر من تجارب دول شرق أوروبا في الانتقال من نُظم شمولية شيوعية إلي نُظم ديمقراطية، وتكررت الإشارة بشكل خاص إلي تجارب كلٍ من بولندا وبلغاريا، مما دفعني مصارحة المشاركين بأنه من الطبيعي أن نستفيد من تجارب الآخرين، بما في ذلك التجارب الأوروبية من اسبانيا والبرتغال إلي بولندا وبلغاريا، رغم ما لدينا من خبرات وخبراء قانونيين وسياسيين واجتماعيين، وهو أمر سيتحدد مع تطور المنظومة السياسية المصرية، وإنما أكدت أن التكلفة الاقتصادية المباشرة "للثورة الجارية" ضخمة، من إنخفاض السياحة، لتوقف بعض المصانع عن الإنتاج كليةً أو جزئيًا، وانخفاض البورصة، وارتفاع توقعات الشعب إقتصاديًا، وغير ذلك، مما يضع ضغوطا شديدة علي ما يتاح لمصر من إيرادات، ويتطلب توفير السيولة النقدية اللازمة، وذلك من خلال دعم مالي دولي مباشر في شكل منح، وإعادة جدولة للمديونية المصرية للعالم الخارجي، واتخاذ الخطوات اللازمة لتوفير سيولة من خلال صناديق مخصصة لمشروعات صغيرة ومتوسطة تساعد علي خلق وظائف متعددة، فضلاً عن اتخاذ اجراءات لتشجيع السياحة إلي مصر في المستقبل القريب، وإعادة الاهتمام بالاستثمار في البلاد في أقرب فرصة ممكنة.ومن ضمن الأمور التي لفتت نظري أيضاً تضارب المواقف بالنسبة للدور والتجربة التركية في الشرق الأوسط. فهناك من اقترح علي تركيا القيام بدور سياسي نشط مع سوريا لوقف الاقتتال بين النظام السوري والمتظاهرين في عدد متزايد من المدن السورية، متهمين تركيا بالازدواجية في المعايير في تطبيق ما يُسمي سياسة "العلاقات دون خلافات مع الدول المجاورة"، ومشددين علي أن هذا الوفاق يجب ألا يكون علي حساب مباديء الحرية وحقوق الانسان، فضلاً عن عدم حل تركيا أو تعاونها في حل القضية القبرصية. كما استمعت لتحفظات غربية صريحة علي من أخذ العالم العربي "التجربة التركية" مثالاً يُحتذي به للمنظومة الديمقراطية الجديدة، لشعور عدد غير قليل منهم أن الدور السياسي للقوات المسلحة التركية لايزال ذرغم تقليصه ذ غير متجانس مع الأسس الديمقراطية للدولة المدنية الحديثة.وبعد انتهاء المؤتمر، خلال رحلة العودة إلي قاهرة المعز، بكل فخامتها وعزتها ومشاكلها، حاولت الخروج ببعض الخلاصات لما أتوقعه من العالم الغربي تجاه العالم العربي ومصر خصيصًا، وما يجب أن نشرع في اتخاذه من خطوات في ضوء هذه الخلاصات، حماية لمصالحنا وإستفادة من الإهتمام العالمي بمصر ونتائج الثورة الجارية، وأهم تلك الخلاصات هي:> سيؤيد العالم الغربي بريادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي المسيرة الديمقراطية في شمال افريقيا والعالم العربي، وإنما ستختلف التطبيقات بين ساحة وأخري، ودولة وغيرها، واستبعد توسيع نطاق العمل العسكري الغربي أو الدولي، إلا إذا شهدت الساحة العربية اقتتال عنيف وضحايا كثيرة، سيحظي الوضع بالبحرين باهتمام خاص وجهود دبلوماسية مكثّفة ومبتكرة، سعيًا لاستقرار الأمور، وعدم اهتزاز الاستقرار أو التوتر بين شعوب الخليج العربي وحكامها، بما يضع مصادر الطاقة الغربية في دائرة عدم الاستقرار.> يُنتظر أن تقدم الدول الصناعية الغربية بعض التسهيلات المالية والنقدية العاجلة، وسيشكل ذلك خطوة مشكورة، إنما استبعد أن ترتفع هذه المساعدات إلي المستويات المطلوبة، لتعدد الساحات، والضغوط المالية علي الولايات المتحدة، وأوروبا، فضلاً عن الكوارث الذي تعرضت له اليابان والظروف بالغة الصعوبة التي ستمر بها.> ستشهد المنطقة العربية، بدءًا بتونس ومصر، زحفًا من خبراء السياسة، والقانون، والديمقراطية، من امريكا اللاتينية الشمالية، وأوروبا بغربها وشرقها للإسهام في التطور الديمقراطي العربي، ويمكن لنا الاستفادة من تجاربهم، بايجابياتها وسلبياتها، ودون حساسية، أو تصور خاطيء بأن تجارب الآخرين يمكن تطبيقها أو نقلها تلقائيًا من مجتمعٍ إلي آخر، مع الحفاظ علي السمة الوطنية للمشاركة السياسية. > تغظيمًا لقدراتنا علي دفع الأطراف الأجنبية الي توفير الدعم الاقتصادي الملائم، وضمانًا لاستفادتنا من الخبرات السياسية من تجارب دول سبقتنا في سبيل الديمقراطية علينا سرعة الانتهاء من تحديد طلباتنا ومسيرتنا من خلال اقتراح:أولاً: "وضع برنامج اقتصادي قصير الأجل"، بمشروعات محددة، وأهداف واضحة للمرحلة السياسية الانتقالية، بما لا يتجاوز العامين، علي أساس أن هذه المرحلة الاستثنائية، بظروفها الخاصة، تتطلب معالجة سريعة، حتي ونحن ننظر إلي تشجيع الاستثمارات علي المدي المتوسط والطويل اللأجل. ثانيا: "اعداد خريطة طريق سياسية معلنة" وحتي الانتهاء من استكمال شكل وتفاصيل مكونات الدولة الديمقراطية لمصر، الجديدة بدأً بحوار وطني جاد حول عناصر الدولة المصرية الجديدة، من نظامها السياسي، وفلسفتها الإقتصادية، واهدافها الإجتماعية، مرورًا بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، واعداد دستور جديد، بإعتبار أن عدم وضوح الرؤية يثير الكثير من الشكوك والأقاويل حتي بما يتجاوز العقل والمنطق، فضلاً عن أنه يبطئ سرعة عودة النظام العام، العجلة الاقتصادية، والاستثمارات الوطنية والأجنبية ، ولا أري تعارضًا بين أهمية وضع خريطة الطريق بشكل عاجل، وإعطاء مهلة كافية وكاملة، لفئات الشعب المختلفة لإجراء نقاش ثري وبين الإنتقال من الإدارة العسكرية للبلاد إلي حكم مدني، فمن الأفضل التريث أشهر قليلة عن وضع أسس غير متفق عليها للمستقبل، فتحتاج لمراجعة وتعديل مرة آخري، وهناك آليات لإنتقال السلطة في المستقبل القريب حتي قبل إنتهاء خريطة الطريق، إذا صمم المجلس العسكري الأعلي عدم إطالة مهمته إلتزاماً بما طرحه علي الرأي العام بعد توليه السلطة مباشرة.
Comments