المحتوى الرئيسى

> المفاهيم غير الديمقراطية للديمقراطية

03/31 21:23

المفاهيم غير الديمقراطية لا أقصد بها هنا المفاهيم التي تتعارض مع الديمقراطية بمفاهيمها غير الحقيقية السائدة، إنما أقصد بها المفاهيم المزورة التي تم الزج بها إلي مدلول الديمقراطية وتم تدليسها علي الناس حتي ظنوا أنها هي المفاهيم الحقيقية للديمقراطية، فقد سبق وأن ذكرنا مفهوم الديمقراطية من خلال مدلولها اللغوي البسيط الذي هو عبارة عن كلمةٌ مركبة مِن كلمتين: الأولي مشتقة من الكلمة اليونانية أو Demos وتعني عامة الناس، والثانية أو kratia وتعني حكماً أو سلطة، وبهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تَعني لغةً "حكم الشعب لنفسه" أو "سلطة الشعب علي نفسه". هذا هو المفهوم الحقيقي للديمقراطية، بل المفهوم الوحيد الذي لا مفهوم آخر غيره. وعلي الرغم من أن جميع القوي السياسية والحزبية والإعلامية والدينية والليبرالية والعلمانية واليسارية في مصر والعالم العربي تتغني بالديمقراطية وتنادي بها ليل نهار وما من مقال ولا تحقيق ولا تقرير ولا خطاب ولا تصريح إلا وأتي علي ذكر كلمة (الديمقراطية) ورفعها كشعار إلا أنه في مقابل هذه الكلمة وتحت هذا الشعار لا يجد الناظر شيئا يدل علي الديمقراطية بمعناها الحقيقي ولا حتي بمعناها غير الحقيقي، وهذا ما زاد في تشويه الديمقراطية واتساع مفهومها وزئبقية مدلولها حتي أصبحت كالثوب الفضفاض الذي لو لبسه شخص واحد لضحك الناس منه وفي الوقت نفسه لا يصلح لأن يلبسه أكثر من شخص. ونظرا للخروج السافر علي حقيقة الديمقراطية وتشويه مدلولها الأم ونظرا لعدم وعي الجماهير بماهية الديمقراطية والخلط الكبير بينها وبين أشياء أخري بعيدة كل البعد عن المفهوم الحقيقي لها أصبح كل ما يروق من شيء لشخص ما أن يلحقه ويلصقه بالديمقراطية، لدرجة أنه تم إلصاق الحرية بمفهوم الديمقراطية، والحرية شيء والديمقراطية شيء آخر، وتم إلصاق حرية إنشاء الأحزاب وتعددها بالديمقراطية، وحرية إنشاء الأحزاب وتعددها شيء والديمقراطية شيء آخر، وتم إلصاق نظام التمثيل النيابي ونظام الانتخابات بالديمقراطية، ونظام التمثيل النيابي ونظام الانتخابات شيء والديمقراطية شيء آخر، وتم إلصاق مفهوم الليبرالية وحقوق الأقليات بالديمقراطية، والليبرالية وحقوق الأقليات شيء والديمقراطية شيء آخر، وتم إلصاق حرية الصحافة والرأي والفكر والتعبير بالديمقراطية، وحرية الصحافة والرأي والفكر والتعبير شيء والديمقراطية شيء آخر، وتم إلصاق السماح للمعارضين السياسيين بالعمل بحرية كاملة بالديمقراطية، والسماح للمعارضين السياسيين بالعمل بحرية كاملة شيء والديمقراطية شيء آخر، وتم إلصاق القيود التي توضع علي ممارسات الدولة التعسفية كأعمال القبض والتعذيب والاحتجاز وغيرها بالديمقراطية، ووضع القيود علي ممارسات الدولة التعسفية شيء والديمقراطية شيء آخر، وتم إلصاق استقلال القضاء بالديمقراطية، واستقلال القضاء شيء والديمقراطية شيء آخر، وتم إلصاق قبول الرأي والرأي الآخر بالديمقراطية، وقبول الآراء علي اختلافها شيء والديمقراطية شيء آخر، بل لقد قابلني أحد الأشخاص منذ بضعة أيام وقال لي: (مش بيقولوا إنه بعد الثورة بقي فيه ديمقراطية) قلت له المفروض، فسألته لماذا؟ قال: (ذهبت لأشتري ثلاثين رغيفا من المخبز فلم يعطني سوي عشرين رغيفا فقط، فين هي الديمقراطية ولا بيضحكوا علينا؟). هذا هو مفهوم آخر لدي شريحة من الناس للديمقراطية، وهلم جرا. وحين شعر سدنة الديمقراطية المزيفة وكهنتها في الغرب بأن مفهوم الديمقراطية اتسع وأصبح مفهوما فضفاضا غير محدد بحد، وأصبح هناك كثير من المستبدين والديكتاتوريين يدعون الديمقراطية ويمارسونها بطرق مزورة مخادعة خاصة في دول العالم الثالث سارع البيت الأبيض في عام 1993 لتركيز مفهوم الديمقراطية علي خصائص معينة لتحديده، دون أخذ رأي بقية شعوب العالم في هذا التحديد وهذا التركيز، فقام البيت الأبيض بتحديد مفهوم الديمقراطية الزئبقي غير الحقيقي في خمسة مبادئ أساسية يمكن من خلالها الحكم علي الديمقراطية في أي مجتمع، هذه الخصائص هي: (حرية الانتخابات ونزاهتها، حقوق المعارضين السياسيين في العمل بحرية كاملة، وضع قيود علي السلطات التعسفية للدولة وبخاصة أعمال القبض والاحتجاز والتعذيب ضمن أشياء أخري، وحقوق المواطنين في التنظيم في أقليات في العمل او حول اهتمامات اخري وقضاء مستقل للرقابة علي سلطة الدولة). إلا أن جميع هذه المبادئ لا تمت إلي المفهوم الحقيقي للديمقراطية بصلة. (البقية تأتي)

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل