المحتوى الرئيسى

المتوكل طه يقتحم الأبواب المنسية، بقلم: سمير الجندي

03/31 19:46

المتوكل طه يقتحم الأبواب المنسية بقلم: سمير الجندي الأبواب المنسية، مجموعة قصصية للشاعر الأديب المتوكل طه: صدرت المجموعة في طبعتها الأولى عن وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، رام الله: 2011، في مائتين وعشرين صفحة من الحجم الصغير تقريبا، تصاحبها لوحات بالأبيض والأسود للفنانة الفلسطينية ريما المزين.. قدم له وزير الأسرى عيسى قراقع، وأهداه إلى شهداء وأسرى الحرية. يطل علينا الشاعر والكاتب المبدع المتوكل طه من شرفة عالية من شرف الأدب، بعد أن أثرى المكتبة العربية بأشعاره الملتزمة التي تعبر عن نبض الشعب العربي الفلسطيني، وها هو اليوم يتحفنا بهذا الأسلوب الرقيق الذي لا يخلو من جمال ورقة وعذوبة، ينقل لنا من خلال نصوصه التي انتزعها من نفس تواقة للحرية والكرامة والعزة... الأبواب المنسية... مجموعة قصصية سطرها الكاتب ليعبر من خلالها عن قسوة السجن والسجَّان، رسم فيها مشاعر وأحاسيس الأسير الفلسطيني الذي انتزعت منه حريته وبقيت إرادته الصلبة وعزيمته الحديدية سلاحا يشهره بوجه الظلم والطغيان، لتنتصر المشاعر الصادقة على فولاذ الزنازين ولتشرق شمس الحرية على ظلمة القمع والإرهاب الصهيوني... الأبواب المنسية... اختار الكاتب الاسم الذي جاء مناسبا لمحتوى المجموعة القصصية، فهل أراد الكاتب أن يقول بان المعتقل الفلسطيني متروك في تلك الزنازين دون عناية غير العناية الإلهية؟ أم يريد القول بأن الأسير الفلسطيني هو مجرد رقم على أجندة السياسيين؟ أم إنه ميت لا حول ولا قوة له، وما السجن إلا قبر يختلف بشكله عن القبور المعروفة؟ أم جميع ما ذكر؟ متوكل طه يجيب عن الأسئلة من خلال تحطيم تلك الأبواب المنسية بقلمه الشفاف، فينقلنا إلى عالم الأسير بكل ما يحيط به من ظلم وعزة، وقهر وإرادة، وانتهاك وكرامة... لقد استطاع الكاتب من خلال نصوصه أن يصور الحالة الأسيرة بدقة متناهية، وبأسلوب سهل ممتنع، لقد قراءنا العديد من مؤلفات الحركة الأسيرة لكنها لم تكن بهذه اللياقة وهذا العمق، فقد كان أسلوبه قريبا للنفس، بعيداً عن الإطالة والإسهاب، عميقا في الفكرة، جميلا بالصورة، تراه يسخر من جبروت السجَّان تارة وتارة أخرى يخر ساجداً أمام عظمة الأسير، أما الإطار اللغوي الذي احتوى تلك الصور والأفكار فقد كان متناسقا وملائما للمعنى... ومن الجدير ذكره تلك اللوحات الفنية التي رافقت النصوص، هي بالتأكيد رائعة لولا فقدها كثيراً من قيمتها أمام اللون الأسود والأبيض، تلك اللوحات لن تعبر عن صورة وغاية الفنانة لأنها فقدت بريق ألوانها فاللون هو الذي ينقل لنا محتوى الفكرة فياحبذا لو كانت اللوحات بألوانها المائية الأصلية لكان اكتمل العمل وانتصرت الفكرة... لقد أطل علينا متوكل من وراء الأبواب المنسية فأصبحت بقلمه مفتوحة على مصراعيها، وحمل كل نص من النصوص الثلاثة والستين قصة تحتاج إلى مئات الصفحات، فاختزلها الكاتب بتلك اللغة المكثفة، بجمل قليلة نقلت لنا مضمونا بسعة فلسطين... فقد نقل لنا حرقة الأم على ابنها، والذكريات التي يحملها الأسير، وشفافية الإنسان القابع خلف الأبواب المنسية، ورسم لون البحر وقمراً يأتي زائرا أول كل شهر، كما نقل ظلم المظلوم لنفسه؛ وكم كان هذا الأسير قويا مرعباً أمام سجانيه الجبناء، فهم يخافون من الساحر ومن الرسَّام فيرشقون اللوحة بوابل من رصاصهم: " لقد باغتتنا الخيول المرسومة على الجدار، فخرجت منه، وجمحت وصهلت، وكادت توقعنا تحت حوافرها، فرميناها بالنار" ص (30) ، ووصف لنا ببراعة متناهية أثر الزيارة على نفس السير، ثلاثون دقيقة تمر كلمح البصر يظن فيها الأسير قد ارتقى إلى السماء للقاء الأولياء والأنبياء، وكاد أن يصور المحقق بأنه إنسان عادي يفرح ويحزن ولكنه تدارك الأمر عندما نزع عنه إنسانيته باللحظة الأخيرة" وسألني وهو يفك الكلبشة من وراء ظهري: ما اسم ابنتك؟ وقبل أن أجيب دفعني بقوة إلى داخل الإكس، وأغلق الباب بركلة من قدمه!" ص (25)... وعندما سحق السجَّان الشمامة ببسطاره، وعندما كان مشبوحا وفك المحقق قيوده إلا إنه يعود بهراوة غليظة لينهال عليه بالضرب: " وأنزل ذراعي، وتركني، ومضى! وبعد دقائق عاد ومعه هراوة غليظة، وهجم عليَّ كالمجنون، وراح يضربني ويصرخ ويضربني ويجأر، كالوحش المجروح." ص (42)، لكن الكاتب يتحول إلى طبيب نفسي أو عندما يضيف تساؤلا على لسان المحقق الذي يصرخ قائلا: " من الذي جاء بكم إلى هنا؟ ما الذي جاء بكم...؟" ص (42) فهو يتساءل سؤالاً يصحبه تمني مبطن من قبل السجَّان وكأنه يريد القول بأن وجودكم هنا في المعتقل قد جردنا من إنسانيتنا، أي إنه يحيل السبب على الضحية وليس على الجلاد، متناسياً بأن سبب وجود المعتقلات أصلا هو الاحتلال وكينونته، يكرر الكاتب موقفه عن الآخر عندما يصف السجَّان من أصل عراقي، فهو أي السجَّان يحن إلى الماضي كإنسان لكنه أي الكاتب يعيده إلى طبيعته التي اكتسبها من خلال فلسفة الاحتلال والقمع فيجرده من صفات الإنسان بقوله: " هل جئت لتصبح خادماً للأشكناز الذين لا يعرفون ناظم الغزالي؟ يجن جنونه ويأمرنا بعصاه أن نعود إلى الزنازين، وهو يسبّ ويشتم ويكفر!" ص (60)، فهو هنا ينشئ حواراً بين الخير والشر داخل النفس البشرية، من خلال ولوجه إلى فلسفة الذات، وكيف يكون الإنسان محاصراً بماضيه عندما يكون أسيراً لحاضره مهما كانت قسوة الحاضر ومهما كانت سعادة الماضي... تتوالى الصور التي تعبر عن واقع المعتقل المعيشي والنفسي والفلسفي فهذا المعتقل الذي يجبره الواقع على التكيف مع الظروف القاهرة للإنسان، فإنه لا يتخلى مهما اشتدت المعاناة عن أمله بالحرية، إذ يقول: " وانتبهنا أن الشمس تطفح بأشعتها العمودية في كبد السماء، وما كان علينا إلا أن نتمسك بجدائلها الذهبية، ونصعد." ص (36)، وقد تألق الكاتب إلى أبعد الحدود في قصة (طفل) الذي رسم فيه حالة المعتقل النفسية بدقة متناهي، فقد اعتقل طفلاً في الرابعة عشرة من عمره، وتعلم وحصَّل أعلى الدرجات العلمية، وعمل موظفاً رفيعاً، إلا إنه لم يزل يتصرف ضمن إطار طفولته التي حُرم منها خلف الأبواب المنسية: " سمعتها تقول لي إنه ما زال في الرابعة عشرة من عمره" ص (82)، ولا يفوت الكاتب أن يظهر ثقافة الأسير الفلسطيني، عندما يحاور مدير السجن حول لوحة للرسام اليهودي( مارك شاجال)، بحيث كانت معلومات الأسير أكثر بكثير من معلومات مدير السجن عن حياة هذا الرسام... لم يغب عن المتوكل طه، ذكر الشهداء الأسرى، عندما عرج على ذكرهم، وتأثيرهم على سجَّانيهم، مما يسمون أنفسهم بالعلماء، فالشهيد لا يموت، ولا يتحلل جسده، لينتصر على جلادين الموتى، كما انتصر عليهم الأسير في عقر دارهم، وقد وظف الكاتب سيرة الشهداء توظيفا موفقا خدم نصه وارتقى بمستواه الفني عندما قال: " في اليوم الثاني كان المشرف قد أعدَّ العدة لافتعال حريق هائل يأتي على مخزن الموتى، وعلى الثلاجات والموجودات فيها، ومع تصاعد الدخان الكثيف كانت الأجساد تتعالى، وسط العجاجة السوداء، بملابسها البيضاء إلى البعيد ص (142)... لقد خلصت إلى نتيجة بعد قراءة هذه المجموعة القصصية للكاتب الشاعر المتوكل طه مفادها: أولاً: أن الكاتب قد رصد لنا تجربته الإعتقالية بأسلوب فني رفيع، اتسم بالسهل الممتنع. ثانياً: أن الكاتب لم يترك شاردة ولا واردة إلا وذكرها تقريبا حول ظروف الأسير الفلسطيني. ثالثاً: اتسمت بعض النصوص بالتحليل النفسي. رابعا: يتمتع الكاتب بثقافة عالية مصدرها المكتبة الغربية والعربية ولديه مساحات واسعة من الثقافة الفنية( الرسم والموسيقى). خامساً: تراوحت آراء الكاتب حول موقفه من الآخر. وأخيرا فإنني أوصي بدراسة هذه المجموعة دراسة موضوعية فنية وتخصيص البحث حول بعض الأمور منها: أولاً: دراسة الآخر في مجموعة الأبواب المنسية. ثانيا: الصورة الفنية في مجموعة الأبواب المنسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل