المحتوى الرئيسى

المستشار فؤاد راشد يكتب: التحرير.. حتى يتم التحرير!

03/31 14:18

لم تصحُ مصر على صباح مشرق لتجد ثورةً قامت على ضفاف نيلها, وإنما كان الطريق إلى قيام الثورة محفوفًا بتضحيات عشرات الألوف ممن أمضوا من أعمارهم ما أمضوا في زنازين الحاكم العار, وفي لحظة انفجار الثورة راح المئات من زهرة شباب الوطن شهداء غير ألوف أُصيبوا إصاباتٍ بالغةً، وعدد ممن فقدوا إحدى العينين مفزع!!.   وقيام الثورة بنجاح لا يعني وصولها إلى بر الأمان، ولا تحقيق الحد الأدنى من طموحاتها, والحقيقة أن الثورة تبقى مهددةً حتى تزيل كل دعائم الباطل من عند الجذور، وتبني منظومتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية القادرة على الحياة, وتلك عمد لم نُقِمْ بعد منها شيئًا, وكل ما فعلناه أننا غيرنا قليلاً جدًّا من الوجوه، وجئنا بغيرهم مع بقاء كل الأطر السابقة على حالتها.   ولنزِدْ الأمر بيانًا: لقد حكم العار ثلاثين عامًا، وهي مدة ما اصطلح على أنه عمر جيل تقريبًا, والشاهد أن نصف سكان مصر تقريبًا لم يروا حاكمًا غيره, وخلال المدة الطويلة جرى الدمار واسعًا في مجالي المال العام والأخلاق العامة, فما جرى السطو عليه لم يكن فقط أرضًا هنا ومؤسسةً هناك، وهي وحدها أمور فادحة, ولكنَّ الدمار الأشد أثرًا والذي يحتاج إلى علاج طويل هو ما لحق بمنظومة القيم والأخلاق العامة القادرة على البناء.   لقد ترعرعت في كنف نظام النهب العام قيمة الثراء السريع دون أن يهتم الكثيرون إلا بحجم الثروات دون تحرٍ عن مصادرها, وكان قد ورثها عن نظام السادات فرعاها ونماها، وفي المقابل تراخت قيمة الإبداع والإتقان ومعهما قيمة الشرف في تحري الحلال والحرام.   وإزاء تآكل شرعية النظام فإنه أقام الولاء لحكمه بمقابل مالي هو في الحقيقة (بدل ضمير، والأحرى بدل موت الضمير!)، ونحن نعلم أن البعض كان- وما زال- يتقاضى في الشهر الواحد رقمًا مليونيًّا دون إنتاج موازٍ ودون منطق أيضًا, وقد بدأ أثر ذلك واضحًا لمَّا أبدى بعض الضباط وغير الضباط عزمًا كاملاً لقتل الثوار؛ لا دفاعًا عن نظام العار بل عن الملايين الذين اعتادوا استحلالها، فضلاً عما يتيحه النفوذ من ملايين، وربما مليارات في وطن صار وليمةً مستباحةً للئام، وقطاع الطرق!.   وقد رأينا كيف تحوَّل جهاز الإعلام الحكومي إلى مدفعية ثقيلة، تطلق كل أنواع القذائف على الثوار دون ذرة خجل, ولم يكن ذلك دفاعًا عن العار، وإلا لبادروا إلى الاستقالات فور اندحاره لو كانوا أصحاب عقيدة، وإنما سارعوا إلى التبرَّؤ منه، وسبقوا الجميع في طريق النَّيل منه, ولا عجب في الأمر!!، فهؤلاء يعملون طالما ظلت الخزائن تُغدق عليهم، وهم يناصرون بالأجر ويعادون بالأجر أيضًا!.   هناك- فضلاً عن هؤلاء- جيش من مدمني التزوير بطول مصر وعرضها, ونحن نعلم أن الزينات كانت تُنصب، وأن لافتات التهاني بالنجاح في الانتخابات كانت تُرفع في كلِّ البقاع فور ترشيح ما سُمي بالحزب الوطني للبعض؛ باعتبار أن النتائج كانت معلومة سلفًا, وباعتبارهم قابلين لاحتلال المقاعد السحت دون تردُّد، فالحرام هو الحرام، مالاً كان أو مقعدًا في أي مجلس, وبعض من يجعجعون ليلاً ونهارًا جلس على مقعد تعلم طيور السماء وحيتان البحار أنه سحت!.   لدينا أيضًا فريق ممن نالوا شهرةً ومالاً بمؤهل وحيد؛ هو قبولهم ما يأباه الكرام من الترويج لحكم العار ومشروع توريث رقابنا إلى مَن نفرُّ منه حتى طوب أرض الكنانة, ونحن نعلم أن السند الرئيسي لاختيار بعض الوزراء وبعض المحافظين هو القدرة الهائلة على الانحناء أمام الوريث، وأمام أمه، والقدرة الفائقة على فتح أبواب سيارات الكبار!.   هناك إذن جيوش من أعداء الثورة جاهزون للانقضاض, وهم ما زالوا في قلب الصورة, ولا يزال زعيمهم في مقرِّ عاصمته آمنًا مستجمًّا، وهناك ألف علامة استفهام على أن مكائد تُدَبَّر في الخفاء, وعلى سبيل المثال ماذا حدا بالعادلي أن يجنِّب مبارك- قدر استطاعته-المسئولية عن تهمة قتل الشهداء؟! أليس من حقِّنا نحن أهل الشهداء أن نستشعر خطرًا من أن أمرًا دُبِّر في الخفاء، خاصةً أن سير بعض الحوادث في هذا السياق مثيرٌ للرعب حقًّا, فلا زال الموصومون بالخيانة والعار ممن يشير إليهم كل بنان تُوسّد إليهم جسام الأمور، وأعتذر عن الإفاضة أكثر تاركًا الأمر لفطنة القراء!.   ولنا أن نتساءل ونحن في دولة بها أجهزة قادرة على التقاط ما يدور في كهوف النمل: هل جاء سكان زحل وقتلوا الشهداء؟ وهل ثروات كبار اللصوص مخفاة في جيب "الصديري" الأيمن لبعضهم فهي خافية، أم أنها أموال في البنوك وعقارات تسد عين الشمس؟! ثم ما هذا الهراء الذي يتردَّد عن دفع مبالغ مالية من البعض لقاء طيِّ ملف إهدار ما أُهدر؟ ثم- وهو السؤال الأكبر في الملف كله- هل ما زالت الأدلة قاصرةً عن التحقيق مع مبارك؟ ألا يكفي ما أعلنته سويسرا من تجميد عشرات الملايين من الفرنكات له، وما وُجد في البنوك المصرية من مئات الملايين يخص العائلة؟!   إنني أقول بجلاء لا يخالطه شك: إن الثورة في خطر, فهناك جيشٌ من المتربِّصين, وهناك شواهد على محاولات الانقضاض أو الالتفاف والاحتواء, ولا بد من العودة إلى ميدان التحرير في جمعات تُحدَّد سلفًا للحساب، وطرْح ما يجب طرحه من جدول أعمال.   إن أخطر ما يمكن وقوعه أن يسلم الناس رقابهم لمخلوق كائنًا من كان؛ لأنه على فرض حُسن النية فإنه هو نفسه يمكن أن يقع فريسةً للضغوط والتوازنات بعيدًا عن حماية الثورة ودعمها, ولا بد من التطهير الشامل, لا أقول الإقصاء فليس الإقصاء مرادف التطهير, وإنما القصد أن يوسَّد كل أمر للمخلصين لأمتهم؛ لا من واقع الادعاء الأجوف، بل من خلال مواقفهم الثابتة، ولدينا جيش عظيم من الأحرار ولن أعدَّ؛ لأنهم فوق الحصر، وهم معلومون للكافة, علينا أن نمسك بالثورة مجسَّدة في ميدان التحرير؛ حتى يتمَّ تحرير مصر من زبانية النظام البائد، وإقامة بنيان جديد على أُسُس صحيحة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل