المحتوى الرئيسى

علاء بشير يستعيد في معرضه الشخصي «ذاكرة الكراسي»

03/31 13:45

«ذاكرة الكراسي» عنوان المعرض الشخصي الجديد للفنان التشكيلي العراقي الدكتور علاء بشير، بل هو عنوان البحث الجديد لهذا الفنان الذي يرسم أفكاره، فالرسم «كما كل الإنجازات الإبداعية الأخرى هو جزء من البحث في جماليات الحياة» على حد إيضاحه. المعرض - البحث الذي يقام على صالة جمعية الفنانين في مدينة نوتنغهام البريطانية (تأسست عام 1880)، يضم 21 لوحة، 16 منها نفذت بواسطة الألوان الزيتية على القماش، وخمس لوحات بواسطة الحبر الأسود على الورق. فاللوحة عند بشير هي عمل متكامل سواء نفذت بواسطة الحبر على ورق أو لوحات زيتية أو التخطيط بقلم الرصاص. أعمال بشير امتدت مع معارضه، الشخصية والمشتركة من العراق، منذ منتصف الخمسينات، حيث انضم إلى جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، وجماعة الانطباعيين العراقيين، وحتى بريطانيا، مرورا بغالبية الدول العربية والأوروبية، إضافة إلى الهند والولايات المتحدة، والحاصل على جوائز عالمية عدة، بينها: جائزة تقديرية في معارض السنتين (بينالي) العربي في الكويت 1980، والجائزة الثانية في معرض الملصقات الدولي في باريس 1982، والجائزة الأولى في معرض بغداد الدولي في بغداد 1988، وجائزة الإبداع في الفنون التشكيلية ببغداد 1997، إضافة إلى حصوله على وسام العلم، بغداد 1999. وكان معرضه الأخير قد أقامته جامعة ليستر البريطانية في مايو (أيار) العام الماضي قد وقعه باسم «مذكرات مفاتيح». في معرضه المقام حاليا بنوتنغهام، وسط إنجلترا، وفي الصالة التي تقع على مبعدة أمتار من قلعة (روبن هود)، وهي ذات الصالة التي أقام بها عام 2009 معرضه الشخصي (تغيرات خط منفرد) للتخطيطات على الورق، والذي عرض فيه رسوم تكوينات مختلفة بواسطة خط واحد منفرد. هناك التقت «الشرق الأوسط» مع الفنان بشير خطوات الذاكرة الملونة، والحية، للكراسي التي تحولت إلى مبحث مهم يتداخل فيه التاريخ والراهن، الفكري الماثل في عمق اللوحة، والشكلي الظاهر في سطحها. فهو يؤمن بأن «الشكل مهم بالنسبة للإنسان، كونه مخلوقا كوجود فيزيائي ومصمما على أن يتعامل مع الأشياء بذات الأسلوب، عنده حواس الشم والبصر واللمس والتذوق والسمع، وهذه الحواس كلها مهيأة لأن تتسلم معلومات مادية، كما أن ردود فعله للتحرك باتجاه أي عمل معين هي مادية»، فإذا كان هذا فهمه لسطح اللوحة، للشكل، فإن فلسفته حول جوهر اللوحة ترتبط مباشرة بالشكل، يقول: «لكن هناك أمورا أخرى أهم من ذلك ولا تظهر للعيان، إلا وهي الطاقة التي تفعل كل شيء ونحن ندركها بالعقل ولا نلمسها، كوننا نرى كل شيء على أساس أنه مادة. الحقيقة نحن نتعامل مع سطح المادة لأننا نراها بواسطة العين التي تبصر سطح الأشياء، والرسم كلوحة وألوان تتعامل معه العين كسطح، وهذا السطح لا يمثل الحقيقة وإنما هو سطح الحقيقة، وهو في معظم الأحيان غير مهم، فنحن مثلا نرى جلد ولون بشرة الإنسان الذي لا علاقة له بفكر أو مضمون الإنسان». وتنصب معاناة بشير، باعتباره مفكرا إلى جانب كونه رساما، في كيفية إيصال الفكرة المرسومة إلى المتلقي، يوضح قائلا: «هذه هي المشكلة، لذلك صارت مدارس كثيرة في الفن، وما زالت هناك مدارس وأساليب تبتكر، المشكلة كيف يستطيع الفنان المبدع الباحث، لأن الفن هو علم، وهو بحث تماما مثلما الإبداعات الأخرى الكتابة والشعر والموسيقى، هو بحث في الحياة، فكيف يستطيع الإنسان أن ينفذ من خلال السطح إلى الباطن، أو إلى الحقيقة التي هي ما وراء السطح، هذه هي مشكلة الفنان»، مشيرا إلى نفسه كباحث «أنا أعتقد أني أستطيع استيعاب الأمور الآن بصورة أكثر عمقا من السابق، وأسلوب بحثي صار أكثر وعيا»، ومناقشا محنة الطرف الثاني في المعادلة ألا وهو المتلقي، بقوله «هذه مسألة في غاية الأهمية، وهي مسألة معقدة، الفنان كيف له أن يظهر العمق من خلال السطح، ثم كيف يستطيع المتلقي الوصول إلى العمق من خلال السطح، هنا يأتي دور الناقد، والنقد عملية مهمة جدا.. جدا في العمل الفني، والنقد دخلت فيه مشاكل كثيرة، بل الفن في مجمله تعرض لهجمة تجارية، وصارت له سوق وتحول إلى سوق للاستثمار والتجارة، وهذا أثر كثيرا في مهمة أو وظيفة الفن من نقله كعملية بحث في الحياة وفي جمال الحياة إلى عملية مستغلة من قبل فئة محصورة». وعلى الرغم من أن بشير كان قد رسم الكرسي أو الكراسي وقدمها في معرض سابق، فإنه عاد إلى ذات الموضوع ليوقع عنوان معرضه الحالي باسم «ذاكرة الكراسي»، حيث تتمحور فكرته وفلسفته حول مفهوم الكرسي كفكرة وليس كشكل فقط. يوضح «نعم، أنا رسمت الكرسي منذ زمن ليس بالقصير، وذاك الكرسي كانت له علاقة بالسلطة، لكن نتيجة بحثي المتواصل توصلت إلى فهم استعارة مفردة الكرسي، حتى في الدين الإسلامي، فكلمة الكرسي استعيرت أو رمزت للسلطة الأزلية المطلقة للخالق فوردت في القرآن، إذ ليس هناك كرسي لله تعالى، لكنها استعارة رمزية عن السلطة المطلقة، فالكرسي لا يعني فهمه فقط بمعناه المادي ولكن باستعاراته الرمزية، فالكرسي يمكن أن يعبر عن السلطة، بشقيها الخيرة والشريرة، والكرسي أيضا هو رمز للانتظار، انتظار الوظيفة أو الإفراج عن شخص ما، وهو كرسي الاتهام وكرسي القاضي وكرسي الإعدام وكرسي الولادة، هنا كرسي الولادة يمنح الحياة بينما على نقيضه كرسي الإعدام ينهي حياة. هنا بحوث كثيرة عن الكرسي باعتباره كشكل مجرد أو كصورة والكرسي كمعنى وككلمة، ففي لوحة (التردد) رسمت كرسيا بأرجل إنسانية ذات اتجاهات مختلفة، هذا الكرسي يرمز للقلق أو التردد الذي يشظي طاقة الإنسان ويفقده التركيز على اتجاه واحد، فكلما تزيد علاقة الإنسان بالماديات في محيطه يتضاعف قلقه وتتضاعف مشاكله، لهذا رسمته على شكل إنسان وحركة أقدامه في اتجاهات مختلفة، وهناك كرسي الانتظار الذي هو عبارة عن هذا النوع من الكراسي المتحركة وقد وقف على مسنده عدد من الغربان». إنها ذاكرة شخوص، وجغرافيا، وتاريخ، وعلاقات متداخلة، ذاكرة الوعي بما حولنا، واللاوعي أيضا، فعندما يضع بشير كيسا أسود، يشبه ذلك الكيس الذي يغطي وجه المحكوم بالإعدام لحظة تنفيذ العقوبة، على المسند الخلفي للكرسي فإنما يعزله عن محيطه، يشوش ذاكرته وعلاقاته بما حوله، والكراسي في لوحات هذا المعرض تتحول إلى شخوص تتماهى مع الأحداث والانفعالات والزمن، إنها في الواقع ليست أشكالا لكراسي نستخدمها أو استخدمها الآخرون، بل هي رموز لحالات إنسانية. في لوحة (حل) أو (قرار)، نجد الكرسي وقد تحول مقعده وأقدامه إلى سيقان بشرية راسخة في المكان، وكأنه يسرد تاريخ من جلس فوق هذا الكرسي، بينما تعمد الرسام وضع رموز سومرية في لوحة (التاريخ المحنط) الذي استخدم فيه الكرسي الحجري رمزا للسلطة، عندما جعل ظل إنسان التصق منذ عصور سحيقة، قد تكون منذ سومر لا سيما أن هناك نقوشا للخط المسماري تحيل المتلقي إلى تاريخ معين، ظل إنسان، قد يكون ملكا سومريا أو بابليا، ربما هو غلغامش الذي «رأى كل شيء» مثلما يصفه الشاعر الذي كتب ملحمة غلغامش قبل ما يقرب من أربعة آلاف عام، ظل تحنط فوق الكرسي، إنها العلاقات الإنسانية التي تسردها ذاكرة افتراضية، كما في (انعكاس) حيث الكرسي يدير ظهره للمتلقي بينما يتحول المسند إلى ذاكرة قصة حب بين رجل وامرأة، أو هكذا وصلتنا فكرة اللوحة، ويبقى أكثر الكراسي غموضا (حجب) المغطى بطبقات من القماش الأبيض السميك، إنه حجب تاريخ وعلاقات وذكريات وأسرار، حتى إن اللوحة تحرضك كمتلق على أن ترفع هذا الحجاب لاكتشاف ما تخفيه كل السواتر التي اعترضت معرفتنا، إننا نمضي مستقرئين، مثلما يحرضنا الفنان بشير، على اكتشاف ما هو في عمق اللوحة وليس ما هو على سطحها فحسب، كما في لوحة (المسمى) أو المعنون، فورقة الملاحظات الصفراء الملصقة في مسند الكرسي لا تحتوي على أي معلومات أو اسم، ويمكن أن يكون اسمك أو اسمي فوقها، من غير أن نعرف المصير الذي سيؤول إليه صاحب هذا الاسم أو ذاك، إنه مصير غير معروف على أي حال، كما الغواية التي يهيئنا لها في لوحة تحمل المضمون والاسم ذاته (إغواء) هو إغواء القيد والتحرر في آن واحد، أو في لوحة (الحسد) لكرسي يبدو كأنه تربع هناك طويلا برموزه اللونية التي تقترب من الحس الشعبي في تجسيد معنى الحسد. بشير، ومنذ سنوات طويلة يحرص على أن يضمن معارضه موضوعات ذات بعد فكري، تماما مثلما الكتاب الذي يبحث فيه المؤلف تيمة فكرية واحدة، كما في مجموعة أعماله التي أطلق عليها تسمية (المسيح)، أو (مذكرات مفاتيح)، ثم (ذاكرة الكراسي)، وهذا جزء من عمله كباحث يشتغل على عناوين معينة. يقول: «منذ عام 1980، قررت ألا أرسم مواضيع مختلفة في كل معارضي، بل آخذ موضوعا واحدا وأبحث فيه، وأحيانا يقودني هذا الموضوع والتفكير فيه إلى عدة معارض، مثل موضوع الكرسي، أو إلى أفكار أخرى، أي أن يفتح البحث في موضوع معين آفاقا للتعمق في أفكار أخرى، قد أرسم موضوعا معينا وأعود إلى ذات الموضوع بعد سنوات، وهذا يعتمد على استمرارية البحث والاكتشافات الفكرية، فموضوع الكرسي كان إحدى مراحل بحثي حول مفهوم الوطن، وأنا أبحث في معنى مفهوم الوطن بالنسبة للإنسان منذ أكثر من 15 سنة، فالكرسي أيضا يمثل الاستقرار أو الوطن، وقبله كان المفتاح وضمن ذات البحث في معنى الوطن كون المفتاح يرمز إلى الطمأنينة، مفتاح باب البيت، وهذا يرمز إلى الاستقرار، فأنت عندما تدخل إلى بيتك وتقفل الباب بالمفتاح تشعر بالأمان، ويتحول البيت إلى وطن، والوطن يفترض أن يمنحك هذا الشعور بالأمان والاستقرار، كذلك مفتاح باب الرزق وباب الوطن، وأيضا وجدت أن المفتاح يرمز إلى باب الفرج، فكما أن المفتاح يستعمل لباب السجن وكبت الحرية فهو في ذات الوقت يمنح الحرية». اللوحة تبدأ عند الفنان بشير كفكرة، فهو لا يعرف مسبقا كيف سيكون الشكل، يقول: «أنا تأتيني الفكرة أولا ثم يأتي الشكل، الفكرة هي التي تحرضني على الرسم، فعندما أشرع في الرسم تكون الفكرة حاضرة ولا أدري كيف سيكون الشكل. وأنا لا أخطط، كل الأشياء تأتي في فكري، حتى إن التخطيط الأولي يكون جاهزا في فكري، وإذا خططت اللوحة فلن أرسمها، لأنها تكون عملا فنيا قائما بذاته، أنا أنفذ أعمالي مباشرة على سطح اللوحة، أنا أرسم أفكاري، أرسم ما أراه في فكري وليس ما أراه بعيني، عيني أحد مصادر تنفيذ أعمالي، حتى الألوان لا أفكر فيها إلا خلال تنفيذ العمل، وعندما أشرع في الرسم احتاج إلى صمت تام، لا أريد أن أسمع أي صوت حتى الموسيقى، الصمت فقط». الدكتور علاء بشير، وهو يحتفي بافتتاح معرضه الشخصي، الذي حضره غالبية من الجمهور الغربي والعربي، يفكر بصوت عال عن الأفكار التي سيرسمها بعد هذا المعرض، يقول: «عندي عدة أفكار، وما يتعبني حقيقة هو أني أفكر بأفكار عديدة في آن واحد، أريد أن أرسم عالم إنسان فقد الوعي، نحن نفترض أننا نتمتع بوعي ونرسم ما نراه، لكن هناك من فقد الوعي، ولا نعرف كيف يرى الأمور من حوله، سأرسم عالم اللاوعي».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل