المحتوى الرئيسى

يسري نصر الله في معهد السينما (2) : الخطوة الأولى لصناعة فيلم جيد هي الشعور بملكيّته

03/31 01:46

يسري نصر الله في معهد السينما (2) : الخطوة الأولى لصناعة فيلم جيد هي الشعور بملكيّته كتبه: محمد المصري - (هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط) 46 يقومُ المخرج الكبير يُسري نصر الله حالياً بإعطاء مُحاضرات أسبوعية للطلاب في معهد السينما ، حيث قَبِلَ التدريس هناك بعد شعوره بتغيّرات الجذرية وإصلاحية يشهدها المعهد يفضل حركة طلابه بعد ثورة 25 يناير ، مما أشعر مُخرج تُحفتي "المدينة" و"باب الشمس" بإمكانية العمل في مناخ يُساعده على ذلك .وسيتابع معكم موقع السينما.كوم بشكل أسبوعي أهم ما في مُحاضرة يسري نصر الله :              كان مفترض في تلكَ المُحاضرة أن يعرض نصر الله هذا الأسبوع فيلم "Nosferatu" ، من إخراج الألماني المُعَلّم إف دبليو مورناو عام 1922 ، ولكنه تراجع عن ذلك لأنه "فيلم صعب سينمائياً" بحسب تعبيره ، حيث قال لطلابه أن الفيلم يحمل لغة وصنعة كانت فائقة وفارقة جداً بالنسبة لوقتها ، ولكن إدراك ذلك بعد قرابة مائة عام من إنتاج الفيلم هو شيء يحتاج للكثير من المشاهدة والتحليل واستيعاب اللغة السينمائية ، ولذلك فضَّل تأجيل نوسفراتو قليلاً ، وقال أنه يفكّر في عرض آخر لنفس المُخرج لا يقل أهمية ولكنه أوضح في لغته ، وهو تحفته "Sunrise" الذي يعتبره الكثيرين أفضل فيلم صامت في تاريخ السينما .  وبدلاً من ذلك عرض فيلماً كاملاً والنقاش بشأنه ، فضَّل يسري نصر الله في تلك المحاضرة أن يُحَلّل بعض المشاهد الهامة في تاريخ السينما بشكل فني ، ليبرز عناصر إخراجية مُعَيَّنة يراها مثالية في المشاهد التي اختارها . وكانت النّقطة الأولى التي يتناولها هي تأكيداً لما ذكره في المُحاضرة الأولى عن "الرؤية" ، يجب أن تمتلك رؤية كليّة اتجاه ما تقدّمه ، وحين يحدث ذلك تبدأ مرحلة "الديكوباج" وهي تحويل الصورة الكاملة الموجودة في ذهنك إلى لقطات مُتتابعة تشكّل وحدة المشهد السينمائي ، كل لقطة .. كل كادر بما يحتويه يجب أن يُبرز تلك الرؤية ، لذلك فإذا كُنت مخرجاً جيداً يجب أن لا تترك أي شيء يخرج عن سيطرتك أو تصنعه الظروف . واتخذ يسري لذلك مثالاً ، وهو مشهد الافتتاحيّة لفيلم أورسون ويلز "لمسة الشّر – Touch of Evil" الذي قدّمه عام 1958 ، المشهد يعد من أبرز المشاهد السينمائية في التاريخ .. ونموذجاً لما يفعله شغف فنان عظيم بالسينما ، حيث قدّم ويلز مَشهده في "لقطة واحدة" شديدة التعقيد :  يُعَلّق نصر الله على المشهد قائلاً بأن "الإخراج هو فن تجاوز الصعاب" ، كيف تحوّل المُستحيل إلى ممكن ، وهو ما يحدث هنا حيث "يخترع" الرجل أدوات لكي ينفذ مشهداً بهذا التعقيد قبل خمسين عاماً من الآن ، ولكن ما يهمه هنا هو "الرؤية" التي امتلكها أورسون ويلز وجعلته يصنع في ثلاث دقائق ونصف فقط افتتاحية مثالية لفيلمٍ كهذا : مثيرة لذهن المشاهد .. حيث يُفتتح برجل يُحضّر قنبلة ويلصقها بإحدى العربات وينتهي بانفجارها ، تعرض شخصيات العمل الرئيسة ، تُمَهّد جيداً لحبكته كفيلم جريمة يدور حول "الفاعل ودوافعه" ، يُؤَسّس للعالم المُخيف الموجود على الحدود والذي يتناوله ويلز في أحداث فيلمه . "رؤية" ويلز ، حسب كلام يسري ، جعلته يتخذ "أبسط" الطرق .. وهو صنع المشهد كاملاً في لقطة واحدة ، ولكنه "أعقدها" كذلك .. حيث كان من الصعب – والصعب جداً – خلق مشهد كهذا في عام إنتاجه ، وحَلَّل بعد ذلك "ديكوباج" اللقطة وكيف يتغيّر حجم اللقطات باستمرار ، وكيف يزرع ويلز "ديناميكية" وحركة مستمرة في مشهده كي ينتقل من حَدَث إلى حَدَث يُمهد بهم فيلمه قبل أن ينهي المشهد بانفجار القنبلة .المشهد الثاني الذي تناوله يسري بالتحليل هو مشهد من فيلم "كل شيء عن إيف – All About Eve" ، والذي يدور حول صراع بين ممثلتين في أجواء هوليوود ، وأكد يسري على أن أكثر ما يبهره في الفيلم هو اختيار مخرجه "جوزيف مانكويز" عدم رؤيتنا لهم يمثّلون كي يصبح لدينا يقيناً دائماً بأن كلتاهما ممثلة عظيمة دون أن ننحاذ لإحداهن ، خصوصاً مع الأداء الرائع لممثلتيه الحقيقيتين بيتي ديفز – التي نالت الأوسكار عن دورها في الفيلم – وأن باكستر – التي رشّحت للجائزة أمامها - . اختار يسري مشهد التحضير للحفلة ، كي يُدَرّس من خلاله أسس "فن إدارة الممثل" بالنسبة للمخرج :  قال يسري أن المحور والمُلفت في المشهد بعيداً عن المُمَثّلين هو "بلّورة الشيكولاتة" ، وكيف أنها جزءً أساسياً من إدارة مانكويز لبيتي ديفز فيه ، وأضاف موضحاً : التوتر هو النقطة الأساسية التي تخلق "روح" المشهد .. امرأة خائفة من السن ومن العجز ومن خيانة حبيبها الأصغر سناً لها ، كل هذا يمكن اختصاره في "عايزة تاكل شيكولاتة ومش قادرة عشان خوفها من كل ده" ! ، تلك الطريقة في إدارة الممثل أفضل كثيراً من أن تخبره " عايزك تتوَتّر" .. فقط قُل له "انتَ عايز تاكل شيكولاتة ومش قادر" ، كل حركته وانفعالاته ستصبح أكثر تلقائية حين يَكون تركيزه في نقطة أساسية كهذه تُكَوّن روح الشخصية كتفصيلة الشيكولاتة في فيلم إيف . بعد ذلك قَدَّم له أحد الطلبة سيناريو رآه أغلبية الحضور "مُتَوَسّط القيمة" ، ولكنه رفض هذا الحكم .. وأكد أنه يراه به بعض التفاصيل والنقاط التي قد تصنع فيلماً قيّماً حتى لو كان السيناريو كما يراه البعض مُتَوَسّط ، وطلب من أحد الطلبة قراءته .. وبعد أن انتهى منه طلب منه قراءته مرة ثانية مُضيفاً "عايزك تحبُّه" ، وحين انتهى في المرة الثانية شرح مخرج المدينة موقفه : "الخطوة الأولى لصناعة الفيلم هي ملكيته ، أن تشعر أن هذا الورق يخصّك وأنه جزءً منك ، اوجد التفاصيل التي تتماس معك ، حب الشخصية وتخيَّلها ، تخيّل أنك بجانبها ، تشاهد عجزها أو حزنها وتريد أن تساعدها ، لا يمكن لك أن تصنع فيلماً دون أن تحبّه أولاً ، ولا يمكن أن تحوّل السيناريو والكلمات المكتوبة على ورق إلى أرواح تتحرّك على الشاشة دون أن تصدقها أولاً ، لا تتعالى على الكلام وفكَّر في الأشخاص واصبغهم بمشاعرك ورؤيتك ، فهذا هو ما سيراه الناس ، وسيُعَرَّف الفيلم في النهاية أنه من إخراجك .. ملكك" . وروى تجربته الشخصية بشأن ذلك ، حين قدم فيلم "صبيان وبنات" عام 1995 وهو عمل تسجيلي عن حياة أسرة في منطقة شعبية ، صوّره للمرة الأولى وجعلهم يتحدثون عن حياتهم ، ولكن من داخله كان غاضباً وغير مرتاحاً ، لم يحب أبطاله – حتى في عمل تسجيلي – بشكل كافي ، وحين شاهد ما صوره في المونتاج أدرك أن هذا فيلماً سيئاً لأنه لا يمكن صنع فيلم جيد عن أشخاص لا يحبهم ، فقرر أن يعيد تصويره وأن يقترب منهم أكثر ويتناول أشياء أكثر اتصالاً بهم ، وحين قام بمونتاج الفيلم مرة ثانية .. يراه الآن فيلماً جيداً ، والفارق فقط كان في مشاعره أثناء صناعته .. امتلك الفيلم وجعله يعبّر عنه بقدر ما يعبّر عن شخوصه وأبطاله .  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل