المحتوى الرئيسى

العمل النقابي المهني

03/31 12:17

بقلم: د. عصام العريان تراث عصور الاستبداد التي جثمت لعقود ستة بأثقاله على صدور المصريين كاد أن يخنق أنفاسهم ويقتل فيهم الحياة. لقد تمَّ تأميم كل شيء في حياتهم، وليس فقط المصانع والشركات والأراضي والأموال.   صودر حقُّ المصريين في إنشاء الأحزاب السياسية، وانتهى لعهود طويلة أمل الانتخابات الحرَّة، بينما عرف المصريون قبل 1952م ثلاثة انتخابات حرَّة، اضطر الملك فؤاد في أحدها إلى إنهاء حياة البرلمان بعد ساعات قليلة، وأسقط الشعب في أخرى رئيس الوزراء الذي أجرت حكومته الانتخابات.   احتكر النظام الحاكم النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية، وصارت عضوية مجالسها المنتخبة حكرًا على أعضاء الاتحاد الاشتراكي، التنظيم السياسي الوحيد والمهيمن.   وجاهد النقابيون المهنيون طويلاً ليكون لهم صوت مسموع ورأي معلن، حتى اضطر النظام الناصري في أواخر عهده إلى اتخاذ إجراءات قاسية ضد نقيب الأطباء عندما أبدى اعتراضًا على رأي للرئيس حول إدارة قصر العيني، المستشفى الجامعي الرئيسي في مصر، حين قال: نجح النظام في إدارة هيئة قناة السويس، وفشل في قصر العيني، فردَّ الدكتور إبراهيم الشربيني: "أعطني للقصر العيني ما تعطيه لإدارة قناة السويس وعندها حاسبني"، فكان جزاؤه الإهانة والطرد.   وجاء السادات وبعده مبارك لتستمر نفس القيود، ولكنْ مع إضافات تجميلية شكلية؛ مما اضطر مبارك عام 1993م إلى إعادة القيود الحديدية بإصدار القانون 100 لسنة 1993م الذي صادر حق النقابيين في إجراء انتخابات حرة لمجالس نقاباتهم.   وطوال عهد السادات ومبارك، ونظرًا للقيود المفروضة على العمل السياسي والنقابي، ظهرت ظواهر سلبية في الحياة النقابية المهنية.   أهم تلك الظواهر السلبية هي التوظيف السياسي للنقابات، وذلك بقيام الأحزاب والقوى السياسية بترشيح رموز منها لعضوية مجالس النقابات السياسية وتهميشها ولكن بنكهة سياسية واضحة حسب الأغلبية المسيطرة على مجلس النقابات.   في السبعينيات كانت الغلبة للتيار الوفدي والتيار اليساري بشقَّيه الشيوعي والناصري، وفي منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات حتى صدور قانون 100 أصبحت الغلبة للتيار الإسلامي بمدرسته الوسطية المعتدلة الإخوانية؛ الذين بدءوا عام 1984م في نقابة الأطباء، وسيطروا على مجلسها تمامًا عام 1986م، وبدءوا عام 1985م في نقابة المهندسين، وسيطروا على مجلسها وانتهوا في نهاية المطاف بنقابة المحامين معقل التيار الليبرالي واليساري عام 1992م في مفاجأة مدوية، عجَّلت بصدور القانون 100 لسنة 1993م، بعد الموقف السياسي الخطير الذي اتخذته معظم النقابات المهنية بمعارضتها توريط مصر في حرب الخليج عام 1990م، بعد غزو العراق للكويت.   اليوم ونحن نعيش أجواء ثورة الشعب المصري في 25 يناير، وبعد أن أسقطت المحكمة الدستورية العليا القانون 100 لسنة 1993م؛ بسبب عيب شكلي، وحيث إن البرلمان القادم لن يستطيع فرض قانون جديد يصادر حق المهنيين في إدارة شئون نقاباتهم بديمقراطية وحرية؛ سيقوم المهنيون بانتخاب أعضاء مجالس نقاباتهم الفرعية والعامة في جوٍّ من التنافس الحر، ودون ضغوط لا من قوى النظام ولا من القوى السياسية.   اليوم نستطيع أن نستفيد من تجارب العقود الستة الماضية لإرساء حياة نقابية مهنية سليمة، تضيف إلى البلاد، وتحقق آمال المهنيين وطموحاتهم.   بدايةً، هناك اختلاف واضح حسب النظام النقابي المهني المصري بين النقابات المهنية وتلك العمالية، أهم تلك الفروق هي:   - حق الترخيص لمزاولة المهنة، كأطباء ومهندسين ومحامين وصحفيين، يتم في نقاباتهم في الأصل؛ إما باستقلال تام كالصحفيين والمحامين، أو بالتنسيق مع الوزارة المعنية كالأطباء.   - مهمة المحاسبة والتأديب عند مخالفة أصول المهنة وقواعدها وآدابها، وهذا في كل النقابات المهنية تقريبًا.   - الاهتمام بالجانب العلمي والتدريبي للنهوض بأعضاء النقابة كمهنيين.   وتتفق معها في: * الدفاع عن حقوق ومصالح أعضائها وحمايتهم من تعسف أصحاب العمل.   * القيام بتقديم خدمات قدر المستطاع؛ اجتماعية وخدمية وترفيهية.   * تقديم إعانات عاجلة عند الحاجة الصحية أو العجز عن مزاولة المهنة، ومعاشات بعد الخروج من العمل ببلوغ السن، أو التوقف التام عن مزاولة المهنة.   وهناك تفاوت في القيام ببعض المهام الخطيرة، مثل الإضراب عن العمل للحصول على الحقوق الاقتصادية، بينما يكون إضراب العمال مؤثرًا جدًّا؛ لأنه يصيب الحياة العامة بالشلل، يتفاوت تأثير إضراب المهنيين حسب أهمية وحساسية المهنة.   المهم هنا أننا نريد أن تتم التفرقة في المرحلة القادمة بين الدور الوطني للنقابات المهنية والتأثير السياسي لبعض القوى السياسية في توجهات مجالس إدارة النقابات، وعلى الأحزاب السياسية والقوى السياسية والسياسيين المستقلين أن يتوقفوا عن الترشيح بصفتهم السياسية لعضوية مجالس النقابات المهنية الفرعية العامة، وعلى مَن ينجح منهم أن يخلع عباءته السياسية الحزبية عند ممارسة دوره النقابي تمامًا، في ظلِّ مناخ ديمقراطي يسمح للجميع الآن بإنشاء أحزابهم السياسية، والوصول إلى الرأي العام بسهولة عبر الإعلام الحر المستقل، وألا يحوِّلوا النقابات المهنية إلى منابر سياسية أو مخاطبة الرأي العام عن طريقها، أو يعالجوا ضعف أحزابهم عن طريق وجودهم في النقابات المهنية.. يستوي في ذلك الإخوان المسلمون أو الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية أو الرموز السياسية الواضحة.   على الرموز المهنية المحترمة التي كانت تحجم سابقًا عن خوض الانتخابات النقابية؛ التقدم اليوم، وعلى القوى السياسية أن تزكيها، وتصوِّت لها، وتساعدها على القيام بواجبها النقابي من منطلق مهني صرف، وعلى أعضاء النقابات المهنية أن يبادروا بدعم نقاباتهم بسداد الاشتراكات المتأخرة، وتقديم الآراء والاقتراحات اللازمة لتطوير عمل النقابات.   وعلى الحكم الجديد الرشيد دعم النقابات دعمًا قويًّا لتقديم خدمات أفضل لأعضائها بإنشاء نوادٍ، ودعم مشاريع التأمين الصحي.   إذا تمَّ إصلاح نظام المعاشات على المستوى القومي؛ فإن حاجة النقابات إلى دعم إضافي لصناديق المعاشات لن يكون ملحًّا كالسابق، وإلا فإن صناديق المعاشات تحتاج إلى خطة إنقاذ عاجلة في نقابات، كالتجاريين والمعلمين.   ستبدأ الانتخابات النقابية هذا العام لبعض النقابات المهنية وسط جدل قانوني حول آثار تطبيق القانون 100 لسنة 1993م، وعدم إجراء الانتخابات في بعض النقابات، والمطلوب من النقابيين أو المهنيين عبور هذه المرحلة دون طعون قانونية تفسد الانتخابات، بل بتوافق مهني ووطني لتستقر الأوضاع، ويا حبذا لو تمَّ الاتفاق على قوائم توافقية من المهنيين المحترمين من كلِّ الاتجاهات الفكرية والمستقلين؛ حتى نقلِّل مساحة الاختلاف والجدل، وللنهوض بالنقابات بعد أعوام الركود الطويلة، ولتجديد شباب المجالس جميعها. ------- * عضو مكتب الإرشاد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل