المحتوى الرئيسى

> غزوة تدمير مقومات الدولة العصرية المنشودة

03/30 21:21

يأتي هذا المقال في سياق الأحداث التي شهدتها البلاد منذ قيام الثورة المصرية الشعبية، والتي فجرها الشباب، ونخص بالحديث هنا بعض مظاهر هيمنة التيار الإسلامي بمختلف فصائله علي هذه الثورة، منذ أن اعتلي الشيخ القرضاوي المنبر في ميدان التحرير، ليؤم المصلين، مؤكدا شكلا وموضوعا علي إسلامية الثورة، ومن بعد اعتلاء أحد القيادات الإخوانية المنصة إلي جوار دكتور عصام شرف عند توليه رئاسة الوزراء، ليضفي جوا إخوانيا في هذه المناسبة الهامة. وتوالت الأحداث بعد ذلك ممثلة في تلك المظاهرات التي قام بها السلفيون أمام مجلس الوزراء، ورفعهم صور كاميليا شحاتة، ووفاء قسطنطين في وجه رئيس الوزراء، منادين باقتحام الأديرة للبحث عن المتأسلمات إلي جانب مظاهراتهم في شارع قصر العيني مندين ومكفرين كل من ينادي بالديمقراطية، وما حدث من جانب المجلس العسكري بإرسال الشيخ محمد حسان، وصفوت حجازي إلي قرية صول للحوار مع متطرفي القرية الذين قاموا بهدم الكنيسة، وبالفعل اقتنع المتطرفون بكلام الشيخين، مع الوعد من جانبهما أنه لن يحاسب من دمر الكنيسة من هؤلاء المتطرفين، مما كان له تأثيره الخطير لدي المسلمين قبل المسيحيين والسؤال الملح كيف لا يحاكم هؤلاء الإرهابيون؟ كما أدي إلي أحداث المقطم والتي راح ضحيتها العديد من القتلي والإصابات. ولا يقل عن هذا خطورة ما حدث قبل الاستفتاء علي التعديلات الدستورية من توزيع للمنشورات والإعلان في الصحف، بل وبالرشاوي والبلطجة للاستفتاء بنعم، باعتبار أن هذا هو توجه التيارات الإسلامية، وكاتجاه مضاد للأقباط الذين قالوا «لا» لهذه التعديلات، وبدا وكأن الاستفتاء - من وجهة نظرهم إن لم يكن كذلك - هو الاستفتاء علي الدين. وحدثت يوم الاستفتاء عشرات الأحداث التي قام بها التيار الإسلامي علي اختلافه وتنوعه، وبالزي المعروف للرجال والنقاب، والتحرش بالمستفتين. وغيرها من الأحداث التي حولت الاستفتاء إلي استفتاء علي الدين، وتكفير من استفتي، بلا وهذا ما عبر عنه وبدقة الداعية السلفي الشيخ محمد حسين يعقوب في تصريحاته التي تعود بنا إلي عصور الجاهلية الأولي، وعصور تخلف المسلمين، واعتبار ما حدث بأنه «غزوة الصناديق» وانتصار للدين، وقال في كلمته بمسجد الهدي في إمبابة «كان السلف يقولون بيننا وبينكم الجنائز، واليوم يقولون بيننا وبينكم الصناديق، وقالت الصناديق للدين نعم» مطالبا حضور هذا الهذيان بترديد تكبيرات العديد احتفالاً بموافقة 77% من المستفتين علي التعديلات الدستورية، وقال هذا السلفي «الدين هيدخل في كل حاجة.. مش دي الديمقراطية بتاعتكم؟.. الشعب قال: نعم للدين.. واللي مش عاجبه ألف سلامة عندهم تأشيرات كندا وأمريكا» وأضاف «القضية مش قضية دستور، وإنما نحن في بلد انقسم الناس فيه فسطاط الدين والمشايخ وقصارهم من الناحية فسطاط ناس تانية وكان شكلهم وحش لأنهم مش في الناحية اللي فيها المشايخ» وختم كلامه العبثي الذي ينم عن جهل بأبسط مفردات السياسة «خلاص البلد بلدنا»، وقد لا نكون بحاجة إلي بيان خطورة مثل هذا الهراء، بل والذي يعد خيانة لدماء شهداء الثورة، فلقد دعا إلي عدم الخروج علي الحاكم لأن في الخروج عليه فتنة كبري، كما ينص علي هذا الفقه الوهابي الذي يحمي عروش مماليك وأمراء الخليج، وما أفتي به هيئة كبار العلماء في السعودية من أن المظاهرات ضد خادم الحرمين حرام شرعا. ومما زاد من عمق الكارثة المتوقع أن تعيشها مصر إذا استمر هذا الجهل والتخلف، قيام شباب السلفيين إقامة الحد علي مصري مسيحي بقطع أذنه، وإحراق شقته وسيارته، بعد محاكمة علنية في الشارع، ويقال: إنه تم عقد صلح بين أطراف الكارثة، وتمت عملية تقبيل الرءوس. ويبقي السؤال: أين القانون الذي يوجب إقامة الحد القانوني علي من أقاموا الحد باسم الدين، وهو منهم براء. عشرات المظاهر والمآسي التي تكشف عن هيمنة التيارات الإسلامية، وفي القلب منهم السلفية علي مجمل الحياة المصرية، يزيد من هذه الهيمنة طبيعتهم في استخدام العنف والتضليل، والضحك علي بسطاء المصريين، إلي جانب الإعلام الذي بات يعمل علي تفريغ الثورة المصرية من مضمونها وبالفلوس والشو الإعلامي لا يخجل من استضافة زعماء التطرف والإرهاب، وإظهارهم بمظهر البطولة مع أنهم القتلة والسفاحون، ولعل في الاحتفاء والاحتفال الإعلامي بعبود الزمر المشارك في اغتيال السادات، مبررًا هذا بأنه فتوي من العلماء المشهود لهم بالكفاءة الشرعية. باختصار: إن مثل هذه الأحداث، وما هو متوقع من المزيد منها في ظل الفوضي السائدة - نقول: إن مثل هذه الأحداث والمفاهيم والأفكار الجامدة المتخلفة، إنما تؤدي إلي تدمير مقومات وثوابت الشخصية المصرية: بوسطيتها، وسماحتها، ووحدتها، كما أنها تعوق قيام الدولة المدنية العصرية المنشودة، والتي يعد من أهم مقوماتها: إعمال القانون، وتطبيقه علي الكل دون تفرقة، وتحقيق المواطنة بين جميع أبناء الوطن دون تمييز أو تفرقة بسبب الدين والمعتقد، أو اللبس واللون. فالكل في حق الحياة سواء، إنها الدولة المبدعة، والحافظة علي الفن الرفيع والثقافة المتحضرة، كما أنها الدولة التي تتخذ من «العلم» أداة نهضتها وتقدمها، عشرات المقومات للدولة المدنية العصرية المنشودة، والتي كشف عنها شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير، في شعاراتهم التي رفعوها من ضرورة تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، وغيرها من الشعارات والأهداف النبيلة، التي باتت وبكل الصدق مهددة، بل واغتيال هذه الثورة، وتدمير مقومات الدولة المصرية المدنية العصرية. وهذا ما يفرض علينا جميعًا التصدي له ومقاومته في كل الميادين والمجالات وعلي كل المستويات، وفي القلب المؤسسات الثقافية والتعليمية، والدينية المستنيرة. وعاشت الثورة المصرية الشعبية، شبابية النشأة، المتفاعلة مع الكفاءة والخبرة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل