المحتوى الرئيسى

الأسد بين المظاهرات والعزلة

03/30 03:17

عادل الطريفي حين اندلعت أحداث حماة (فبراير 1982)، وجدت القيادة الثورية في إيران نفسها أمام امتحان عسير، حيث كان يجب عليها أن تختار ما بين حزب البعث (العلماني) الحاكم، أو الانتصار لثورة الإخوان المسلمين المسلحة الذين يقتربون كثيرا من فكر وأيديولوجيا الملالي الراديكاليين. لقد كان نظام الأسد والإخوان المسلمين من أوائل من اعترف بالثورة الإيرانية، حيث قدمت سورية دعما لوجستيا لإيران في الحربين العراقية واللبنانية، وطرحت نفسها سفيرا للمصالح الإيرانية بالذات مع الاتحاد السوفياتي والدول العربية. أما «الإخوان» فقد اعتبروا الثورة الإسلامية في إيران دليلا على تعطش المنطقة للنموذج الإسلامي للحكم، وراهن عدد من دعاة «الإخوان» على تحول الثورة الإيرانية إلى أداة دعم واستقواء في وجه الأنظمة العربية القائمة حينها. بيد أن مرحلة التوافق والانسجام بين «الإخوان» والنظام الإيراني انتهت حين أعلن علي أكبر ولاياتي - وزير الخارجية السابق - عشية أحداث حماة أن إيران تقف إلى صف الرئيس حافظ الأسد معتبرة إخوان سورية «عملاء أميركا والصهيونية». منذ ذلك الحين وقفت طهران إلى جانب الرئيس الأسد في أكثر الظروف صعوبة، وحتى عندما كان يحتدم التنافس بين أتباع الطرفين في لبنان فإن طهران كانت تراعي على الدوام خصوصية العلاقة مع سورية. اليوم، يواجه النظام السوري تحديا كبيرا لمشروعيته في هيئة مظاهرات شعبية عارمة في عدد من المدن السورية، ولعل السؤال الذي يشغل المراقبين يتعلق بمستقبل المحور السوري - الإيراني الذي ظل قائما منذ 1979، وهل بوسعه الاستمرار في حال تغير النظام؟ ما يحدث في سورية هو تحد حقيقي لمشروعية الرئيس بشار الأسد وحزب البعث السوري، وسيعتمد بقاء النظام على قدرته على احتواء السخط الشعبي، ولكن من المؤكد أن استمرار المظاهرات العنيفة وانتقالها إلى العاصمة دمشق من شأنه أن يعزز من إمكانية رحيل الرئيس أو تغيير النظام. في الوقت الراهن تحاول السلطات السورية الاستعانة بمزيج من القوة الأمنية على الأرض، وتقديم إصلاحات (تنازلات) غير مسبوقة بغية التخفيف من اتساع رقعة العصيان المدني، وهي قد شددت في أكثر من مناسبة على الطابع «الطائفي» للمظاهرات، وهذا صحيح. حزب البعث السوري كان ولا يزال يضم نسبة كبيرة من الطائفة السنية، وقياداته تضم في صفوفها كثيرا من المنتمين لطوائف مختلفة، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن التعددية الطائفية داخل الحزب قد مالت في العقدين الأخيرين باتجاه الطائفة العلوية تماما مثلما حدث في حزب البعث العراقي الذي أصبح سنيا بامتياز منتصف الثمانينات. كانت هناك أسباب موضوعية لهذا التغير لعل أهمها تكرار محاولات الانقلاب من قبل ضباط سنة إما بتحريض من بعث العراق خلال السبعينات، أو نتيجة للشرخ الطائفي بين السنة والعلويين الذي أحدثته انتفاضة حماة المسحلة. لقد كان النظام السوري الذي تجاوز عمره أربعة عقود قادرا على تجاوز عدد من التحديات، مثل حرب 1973، وحتى محاولات الانشقاق بين رموز نظامه كما حدث في 1984، 1991، 1999. بيد أن مشروعية النظام في الداخل كانت دائما محل تساؤل، وقد لجأ النظام إلى الحزم الشديد في إدارة شؤونه الداخلية، وتفتيت أي محاولات لبناء أحزاب سياسية، أو ظهور آراء خارج مظلة السلطة، ولكن سلاح النظام كان ولا يزال هو في استخدامه لورقة «الممانعة» ضد السلام، واستغلال المجموعات الفلسطينية واللبنانية في التأثير على الرأي العام العربي، ويمكن القول إن سورية تمكنت من رسم صورة «عروبية» قومية، وفرض احترام كبير للرئيس حافظ الأسد في المنطقة كشخصية سياسية قوية ومؤثرة. ولهذا يجادل بعض الخبراء بأن سورية لم تكن لتستطيع التضحية بمواقفها الخارجية وتوقيع اتفاقية السلام دون التفريط بمشروعيتها الإقليمية. تمتعت سورية بالمشاركة في المحور الثلاثي (السعودية، مصر، سورية) منذ منتصف التسعينات، وساهم هذا الدور في تعزيز موقع سورية، وانفتاحها اقتصاديا على الاستثمارات الخليجية، ولكن مع مجيء الرئيس بشار بدأت سورية متذبذبة في مواقفها، وقد كان للحرب على العراق في 2003 دور كبير في اتجاه سورية نحو التشدد والتعنت في مواقفها الإقليمية. أحس النظام السوري بأنه هو المستهدف بالضغوط الأميركية، ولهذا بدأ حربا استخباراتية لزعزعة الاستقرار في العراق، واغتيل الرئيس الحريري في ظل الوصاية السورية على لبنان، ومع صعود المحافظين والحرس الثوري في إيران تحول الأسد إلى طرف استراتيجي في المخطط الإيراني، وتحولت سورية بمرور الوقت من ند وشريك لإيران إلى مجرد شريك أصغر يتساوى في قيمته مع حركة مسلحة مثل حزب الله. حاولت بعض الدول العربية فرض عزلة على سورية بغية دفعها نحو تخفيف ارتباطها بمشروع محمود أحمدي نجاد، وقد قدمت لسورية في 2007، و2008، و2009، و2010 مبادرات كثيرة لمحاولة حضها على تغيير مواقفها المتشددة والمتصلبة، ولكن دون جدوى. فقد كان الرئيس بشار يسارع لقبول المبادرات، ولكن دون أن يقدم في المقابل أي شيء إلا بعد التوافق مع إيران مما دفع الكثيرين للاعتقاد بأن النظام لا يملك غير إلقاء المحاضرات المطولة للزوار، وأن الحل موجود في طهران لا دمشق. في بداية الانتفاضات الأخيرة سارع الرئيس بشار الأسد إلى إجراء حوار مع صحيفة «وول ستريت جورنال» (31 يناير) قدم فيه كلامه المكرر عن أسلوب الحكم منتقدا - بأسلوب يشوبه الاستشفاء - الرئيسين التونسي والمصري بوصفهما لم يستجيبا لرغبة الشعب في «المقاومة»، قائلا إن سورية حصينة ضد ما حدث لأن النظام لم يفرط في المقاومة في وجه إسرائيل كما فعل الآخرون، ولكن بعد مرور ستة أسابيع أصبح الأسد يواجه ذات المصير، وهو ما يعني أن «المقاومة» ليست حصانة ضد مطالب التغيير. حاليا، يحاول النظام السوري الطلب من بعض الدول العربية مساندته، وهي ذات الدول التي وصفها الأسد في خطاب سابق «بأنصاف الرجال». وفي حين بادر الأميركيون والأوروبيون وبعض الدول الخليجية إلى مواجهة القذافي بسرعة، فإنها لا تمارس ذات الحماس في انتقاد تعاطي السلطات السورية مع المتظاهرين وأحداث الشغب، حيث قالت هيلاري كلينتون إن الولايات المتحدة لا تنوي التدخل العسكري، وإن «سورية غير ليبيا»، بل وذهبت للحد الذي وصفت فيه الأسد بالقائد «الإصلاحي». حتما هناك خلل - وانتقائية - في التعامل مع الأزمات التي تعصف بدول المنطقة، فحتى نظام القذافي خلال العقد الأخير كان يوصف بأنه يتجه نحو الإصلاح، ولكن رأينا النتيجة واضحة في إصرار النظام على البقاء تماما كما كان الحال عليه في حماة 1982. يبدو أن الولايات المتحدة وإيران - وربما إسرائيل - لأول مرة متفقون جميعا على ضرورة بقاء النظام السوري، وأن سقوط النظام قد يعصف بمصالح الجميع، فـ«الشيطان الذي تعرفه خير من الشيطان الذي لا تعرفه». يروي باتريك سيل في كتابه «الأسد: الصراع من أجل الشرق الأوسط» (1988) أن الرئيس حافظ أصيب في نهاية الثمانينات بحالة كآبة، وبدا أنه لا يخرج من مكتبه المحصن أبدا، ولا يتعاطى مع جنرالاته ووزرائه إلا عبر الهاتف. أحيانا كان يستدعي السفراء الأجانب في منتصف الليل ليحدثهم عن تاريخ سورية حتى ساعات الصباح الباكر، ويطلب من حراسه إعداد أكواب الشاي. في ذلك الوقت خطفت مجموعة إيرانية مسلحة ضابط استخبارات سوريا في طهران، انزعج الأسد من الحادثة لارتباط المجموعة بحزب الله في لبنان، ولهذا هدد طهران بقطع العلاقات ما لم يتم تسليم الضابط في ظرف 48 ساعة، وهو ما كان. استفاد الرئيس حافظ من الدرس، ولهذا اتجه نحو الانفتاح على بعض الدول العربية وتقليص الاعتماد على طهران، ودعم اتفاقية الطائف رغم التحفظ الإيراني وعدم مشاركة حزب الله، بل وتقاربت دمشق مع إدارة الرئيس بيل كلينتون حتى خشي الإيرانيون في 1998 أن الأسد على وشك التضحية بالعلاقات معهم. اليوم، تعاني العلاقات السورية - الإيرانية اختبارا كبيرا، ولكن من المؤكد أننا سنشهد تحولات كبيرة. *عن صحيفة" الشرق الأوسط"

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل