المحتوى الرئيسى

الشعب يريد إصلاح الجامعة العربية

03/30 17:46

محمد الحمادي خمسة عشر طفلاً أو لنقل مراهقاً قاموا منذ أسابيع بكتابة عبارات تطالب بالحرية على جدران مدرسة وربما كتبوا "الشعب يريد إسقاط النظام". ولا شك أن هؤلاء الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة، تأثروا بما يشاهدونه في الفضائيات ونشرات الأخبار التي لا موضوع لها منذ ثلاثة أشهر إلا الثورات العربية. ورغم أن تصرفهم لا يبدو إجرامياً، فقد تم إلقاء القبض عليهم في اليوم التالي، فبحث عنهم ذووهم ليعلموا أخيراً أنهم معتقلون. ردة الفعل الطبيعية كانت أن ذهب أولياء الأمور إلى مقر المحافظ طالبين الإفراج عن أبنائهم... أما ردة الفعل غير الطبيعية فكانت من السلطات الرسمية التي طالبتهم بالرجوع من حيث أتوا وإلا تم حبسهم هم أيضاً! هكذا بدأت المواجهة بين المواطنين ورجال الأمن في سوريا وتطورت إلى اشتباكات انتهت بمقتل أربعة مواطنين. وانتهى الأمر إلى "ثورة" في سوريا سرعان ما انطلقت شرارتها من درعا إلى باقي مدن سوريا واحدة تلو الأخرى حتى وصلت إلى العاصمة دمشق. لقد تعودت بعض الأنظمة العربية على إهانة شعوبها وعدم احترام أبنائها، وبالتالي صارت تتعامل معهم بفوقية وتكبر وبطش. ولم تدرك هذه الأنظمة بعد أن الأرض التي تُقلُّها تغيرت والسماء التي تظلها تبدلت وأن الهواء الذي تتنفسه لم يعد ذاك الذي كان قبل حين. ويبدو أن هذه الأنظمة لا تسير إلا نحو مصيرها وهو السقوط. موجة التغيير التي يشهدها العالم العربي تأخذ أشكالاً مختلفة ومستويات متباينة، لكنها تأتي ضمن سلسلة التغييرات التي تشهدها كثير من مناطق العالم، فهذا التغيير مر قبل عقود بأوروبا ثم آسيا فتحررت الشعوب هناك من الأنظمة التي خنقتها لعقود، لتبدأ مسيرتها الديمقراطية، وهي على كل حال ليست مسيرة سهلة. فما تمر به شعوب العالم العربي من تحول تاريخي سبق وأن مرت به شعوب كثيرة قبلها وجاء الدور اليوم على هذه المنطقة من العالم. والأنظمة الناجية من هذا التغيير هي تلك التي تفهم حقيقته وتتماها مع متطلباته، وإن كانت صعبة ومؤلمة بعض الشيء. جامعة الدول العربية لا تختلف عن الحكومات العربية، إذ هي جزء منها وتعكس واقعها، لذلك ما تزال تمارس دورها القديم في الانتظار والتحرك بعد فوات الأوان! وهذا ما سيدفع الشباب في زمن التغيير العربي للمطالبة بإصلاح الجامعة العربية، وإذا لم يحدث ذلك فقد تتغير الشعارات إلى المطالبة بتغيير الجامعة العربية. وإذا لم يستجب النظام العربي الرسمي لهم، فالتطور الطبيعي - كما رأيناه على أرض الواقع خلال الأشهر الثلاثة الماضية- أن الشباب سيطالبون بإسقاط الجامعة العربية. وقد يكون من الأفضل اختصار الوقت والجهد والبدء بمطالبة إسقاط جامعة الدول العربية بشكلها الحالي لأنها لم تعد ولن تكون قادرة على تلبية متطلبات الشعب العربي ومواكبة مرحلة التغيير التي نعيشها.. بآلياتها القديمة وعقلياتها التقليدية. فشل الجامعة اليوم هو استمرار لسلسلة من الإخفاقات، ولفشلها قبل ثمانية أعوام عندما لم تستطع حماية الشعب العراقي من الاحتلال الأميركي وفشلت في إقناع صدام حسين أو إجباره على ترك الحكم لتفادي كارثة يدفع ثمنها اليوم الشعب العراقي وكل العرب. لقد ضاعت فرصة تاريخية في ذلك الوقت لحماية العراق وشعبه بسبب الجامعة العربية، ودخلنا في متاهة ضياع العراق والتوهان العربي الذي لم يتوقف ونحن ندخل عامه التاسع هذه الأيام. والسيناريو يتكرر اليوم وإن بشكل آخر! تكرر الجامعة العربية ذات الخطأ ولا تستطيع حماية الدول العربية، ولا نُصح بعض الحكومات التي تسيء إلى شعوبها، ولا حماية الشعوب... وهذا وضع غير مقبول. فلماذا لا يستطيع العرب حماية الشعوب من حكام فقدوا بوصلة العدل والمنطق وسلموا دفة السفينة لأشخاص لا همّ لهم إلا مصالحهم، حتى أصبحت بعض الدول العربية مُلكيةً خاصةً للحاكم وأتباعه ومقربيه. آخر دليل على ضعف الجامعة العربية هو تردد موقف أمينها العام حول التحالف الدولي ضد نظام الليبي والقرار الأممي رقم 1973 القاضي بحماية المدنيين الليبيين من قوات القذافي، وبدلاً من هذا التردد في عقد اجتماع عربي حول ليبيا كان الأجدر بالجامعة أن تخطو خطوة سباقة إلى الأمام وتعقد اجتماعاً عاجلاً حول ما يحدث في سوريا، فالوضع هناك آخذ في التطور، وعدم تداركه منذ الآن يعني احتمال تكرار السيناريو الليبي بل ربما أسوأ منه لا قدر الله. فالأطراف الإقليمية تتربص بسوريا ولن تتردد في تحويل ثورتها إلى فتنة طائفية، وقد بدأنا نشم رائحة ذلك من الآن. فلماذا لا تتحرك الجامعة العربية لإنقاذ سوريا وشعبها قبل فوات الأوان، وقبل أن نضطر لطلب التدخل الدولي؟! الإجابة العبقرية هي: أنظمة ولوائح الجامعة العربية لا تسمح بذلك! هذا ما نقوله، فما دامت الأنظمة واللوائح لا تسمح، فبالضرورة أن هذه الجامعة لا تصلح أيضاً، وبالتالي فإسقاطها واستبدالها بمنظمة عربية أخرى أقوى وأقدر على حماية الدول والشعوب العربية... هو المطلوب الآن. إن منظومة الجامعة العربية يجب أن تتغير كي تكون قادرة على حماية دولها الأعضاء وشعوب هذه الدول من التقلبات السياسية، والاختراقات التي تؤثر على الأمن القومي العربي، وعلى حماية شعوب الأمة من حكامها المستبدين وأنظمتها الدكتاتورية التي لا تتردد في إبادة شعوبها سعياً للبقاء في السلطة. وبالتأكيد فسيرى البعض في هذا الكلام خيالاً، لكني لا أعتقد أن هناك ما هو خياليٌّ أكثر مما يعيشه العرب هذه الأيام: ثورات في كل مكان، وأنظمة بوليسية تتساقط كما تتساقط أوراق الأشجار في فصل الخريف. فلنتخذ خطوة استباقية ونطور من أنفسنا ومن مؤسساتنا بحيث تتناسب مع روح العصر ومع تفكير الجيل الجديد. نقلا عن (الاتحاد) الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل