المحتوى الرئيسى

> الديمقراطية واستحالة التطبيق في دنيا الناس

03/29 21:21

لقد سبق وأن ذكرنا آراء بعض المفكرين الغربيين حول غموض وضبابية واضطراب مصطلح الديمقراطية، وكان من بين هذه الآراء ما أورده عالم السياسة الغربي (بيرنارد كريك) بقوله: (إن كلمة الديمقراطية هي أكثر الكلمات اضطرابا وغموضا فهي مصطلح قد يعني شيئا بالنسبة لكل شخص بحيث تكون هناك خطورة بأن تصبح الديمقراطية كلمة بدون معني). والحق أن المصطلح كما أراه وكما هو واضح من مدلوله اللغوي ليس به أي غموض أو ضبابية أو اضطراب علي الإطلاق، بل وأختلف اختلافا كبيرا مع كل الذين اتهموا مصطلح الديمقراطية بالغموض والضبابية والاضطراب، فالمصطلح من خلال مدلوله اللغوي هو عبارة عن كلمةٌ مركبة مِن كلمتين: الأولي مشتقة من الكلمة اليونانية أو Demos وتعني عامة الناس، والثانية أو kratia وتعني حكم أو سلطة، وبهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تَعني لغةً "حكم الشعب لنفسه" أو "سلطة الشعب علي نفسه". فأين الغموض في هذا المدلول البسيط البين الواضح؟ وأين الضبابية؟ وأين الاضطراب؟. أعتقد أن قول بعض المفكرين أن الديمقراطية مصطلح غامض وضبابي ومضطرب جاء نتيجة لاستحالة تطبيق هذا المفهوم البسيط الواضح في دنيا الناس، فحين يكون مدلول مصطلح الديمقراطية هو حكم الشعب لنفسه يصبح من المحال تصور تطبيق هذا المدلول علي أرض الواقع، فممارسة الديمقراطية المباشرة بمدلولها الحقيقي لا يمكن تصوره علي الإطلاق. إذ أين هو الشعب من بين شعوب العالم أجمع الذي خرج عن بكرة أبيه وشارك في اختيار من يحكمه؟، وأين هو الشعب الذي خرج عن بكرة أبيه وبتوافقية تامة وقام بوضع منظومة قانونية أو رؤية سياسية أو تنظيم إداري لأي دولة في العالم؟ وأين هو الشعب الذي قام بتوافقية تامة بوضع مادة قانونية واحدة أو نص تشريعي واحد بتوافق تام بين جموع المواطنين؟ الجواب: لم ولن يوجد علي أرض الواقع الحقيقي شعب قام أو سيقوم بهذا علي الإطلاق، بل لا يمكن أن يوجد حتي في أكثر دول العالم ممارسة للديمقراطية. وحين نقول باستحالة ذلك نستمد هذه الاستحالة من استحالة تطبيق مدلول كلمة الديمقراطية بمفهومها الحقيقي، وهو أن شعبا بأكمله وبتوافق تام وبرؤية واحدة يشارك في حكم نفسه بنفسه، وبالتالي تعذر حدوث ذلك، بل من المستحيل حدوث ذلك، لأن تطبيق الديمقراطية بمفهومها الحقيقي ومدلولها الواضح البسيط ما هو إلا ضرب من الوهم وبريق من السراب. ومن هنا تسرب إلي نفوس كثير من المفكرين الغربيين والعرب أن مصطلح الديمقراطية مصطلح غامض ومضطرب وضبابي، وردا علي هؤلاء أقول: إن استحالة التطبيق الفعلي الواقعي للمدلول الحقيقي للديمقراطية جعل من تبنوا هذا المصطلح يحتالون عليه ويلتفون، فقاموا بوضع مدلول آخر غير مدلولها الحقيقي البسيط الواضح، لإيهام الشعوب واستغفالهم بهذا المصطلح البراق الرنان الذي من المستحيل تطبيقه في الحقيقة ولا في الواقع العملي. بل إن اليونانيين القدامي الذين هم أول من ابتكر هذا المصطلح وأول من أبدعه عجزوا عن تطبيقه حقيقة وواقعا، بل كانوا هم أول من احتال والتف وخرج علي حقيقة الديمقراطية حيث كان نصف أو ربع سكان أثينا الذكور هم فقط من لهم حق التصويت من دون اليونانيين جميعا. ولما لم يفلح شعب واحد في تاريخ البشرية أن يمارس الديمقراطية بمدلولها الحقيقي منذ أن تم ابتكار فكرة الديمقراطية في عصور ما قبل الميلاد وإلي يومنا هذا. أخذ دعاة الديمقراطية من الديمقراطية اسمها فحسب، ومن ثم أخذوا يتسترون خلف هذا الاسم البراق الخادع للناس ويضعون له مدلولات ترقيعية وتلفيقية منها مثلا (الديمقراطية النيابية) و(الديمقراطية الليبرالية) و(الديمقراطية غير المباشرة) وغيرها من الترقيعات والتلفيقات لإيهام الشعوب أنها تحكم نفسها بنفسها وأن سلطتها بيدها لا بيد أحد سواها. فتحولت الديمقراطية التي لا مدلول لها سوي مدلولها اللغوي البسيط الذي يعني حكم الشعب نفسه بنفسه تحولت إلي وهم كبير وسراب براق يتم خداع الشعوب به ليس في مجتمعاتنا العربية فحسب بل حتي في عقر دار سدنة الديمقراطية الغربية وكهنتها. بل لم تنتهك كلمة في الدنيا وتبتذل مثلما انتهكت كلمة الديمقراطية وابتذلت، ولم تجرد كلمة في الدنيا من مدلولها الحقيقي ويوضع لها مئات المدلولات الأخري المزورة. كما جردت الديمقراطية وزور مدلولها، وذلك منذ ظهورها في العصر اليوناني لوصف نظام سياسي واستمرارها لأكثر من قرنين من الزمان ثم اختفاؤها ثم عودتها للظهور مرة أخري مع الثورة الفرنسية عام 1789 ميلادية وإدخال كثير من المفاهيم والمدلولات المزورة عليها عبر هذه السنوات، بل ودخلت عليها إضافات تتناسب والمجتمعات التي تطبقها مما أدخل الميوعة واللامعني علي معناها.. (البقية تأتي) باحث إسلامي

نرشح لك

Comments

عاجل