المحتوى الرئيسى

د .صفوت حسين : غسيل أمن الدولة

03/29 20:19

لم تستطع تطمينات منصور العيسوي وزير الداخلية حول عمل قطاع الأمن الوطني أن تمنع فئران العالم من أن تلعب في صدري وجال في خاطري سريعا تاريخ هذا الجهاز منذ أنشأه الإنجليز عام تحت اسم القسم المخصوص1913 لقد ظل هذا الجهاز صامدا لم تمتد إليه يد بالرغم من تغير الحكومات وأنظمة الحكم اللهم إلا تغيير الأسماء والمسميات بينما بقى المضمون واحد انتهاك لحقوق الإنسان  ،والتصنت على المواطنين ، والاعتقال والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون في كثير من الفترات لقد شهدت مصر في عهد ما قبل ثورة يوليو حكومات الأقلية وحكومات الوفد صاحب الأغلبية الشعبية ومع ذلك ظل جهاز البوليس السياسي بعد أن تغير اسمه إلى القلم السياسي  بعد معاهدة 1936 يعمل كما هو ويبعث بتقاريره إلى الإنجليز بالرغم من هذه المعاهدة التي أطلق عليها معاهدة الشرف والكرامة وكانت تقاريره ترفع إلى رئيس الحكومة ،ومع ذلك لم يقدم حزب الوفد على إلغاء هذا الجهاز أو تقليم أظافره في الفترات التي تولى فيها الحكم ثم تغير نظام الحكم بأكمله من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري بعد قيام ثورة يوليو ومع ذلك لم يتغير شيء اللهم إلا اسم الجهاز الذي تحول اسمه إلى المباحث العامة وبقى المضمون واحد ، ثم تغير  الاسم في عهد السادات إلى قطاع مباحث أمن الدولة ثم استقر اسمه في عهد الرئيس السابق عند اسم جهاز مباحث أمن الدولة لقد تراكمت خبرات هذا الجهاز بمختلف مسمياته على امتداد عمره الذي اقترب من مائة عام وإن وصل إلى قمة توحشه في عهد الرئيس السابق سواء بفعل التقدم التكنولوجي في مجال التنصت أو أدوات التعذيب أو بسبب إطلاق النظام السابق – الذي سيطرت عليه الهواجس الأمنية –  يد هذا الجهاز في كافة المجالات بحيث لم يدع صغيرة ولا كبيرة إلا دس أنفه فيها ، وأصبح الحاكم الفعلي للبلاد لذلك لا يندهش المرء مما ذكره فتحي سرور في حواره مع المصري اليوم بتاريخ 25 /3 /2011 عندما سئل عندما تقول للرئيس رأيا والداخلية تقول رأيا مضادا ” مين اللي كان بينغلب ؟ “فأجاب “اللي كان بيغلب رأى وزير الداخلية ” لقد بلغت سمعة هذا الجهاز السيئة على المستوى العالمي  قيام الولايات المتحدة بإرسال من تقبض عليهم تحت اسم محاربة الإرهاب إلى جهاز أمن الدولة بمصر لتعذيبهم وانتزاع الاعترافات منهم ،ولعل هذا الأمر وغيره من الأمور هي التي دفعت الولايات المتحدة للتحرك بسرعة بعد اقتحام مقرات أمن الدولة بعد عمليات الفرم والحرق لمستندات هذا الجهاز خشية من افتضاح العلاقة بينه وبين الولايات المتحدة نحن إذن أمام  جهاز عتيد في انتهاكات حقوق الإنسان وإن اختلفت الدرجة من عهد إلى عهد وربما كان عهد السادات الأقل درجة خاصة فيما يتعلق بعمليات التعذيب  ، ويظل عهد مبارك الأسوأ في كل العهود فقد فاق عهد الاحتلال البريطاني الذي كان أقل سوءا من عهد الاحتلال الوطني في عصر مبارك لذلك لا أستطيع هضم تأكيدات وتصريحات وزير الداخلية فقد أعلن أن وظيفة الأمن الوطني حماية وسلامة الجبهة الداخلية ومكافحة الإرهاب وفقا لأحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحريته. ومن المؤكد أن أيا من أجهزة الأمن السياسي لم يعلن أبدا أن وظيفته هو التجسس على الناس أو انتهاك حقوقهم ولذلك فالحديث عن الوظيفة الجديدة لن يفيد في شيء  كما أن مصطلح حماية وسلامة الجبهة الداخلي تعبير مطاط وغير محدد لا نعرف أوله ولا أخره  ، وممكن أن ترتكب تحت عباءته كل الانتهاكات السابقة ثم أعلن العيسوي في حديث مع برنامج مصر النهاردة أن الجهاز الجديد لن يتدخل في الحياة السياسية ولا حياة الناس الشخصية وأن دوره يقتصر على جمع المعلومات لتقديمها للشرطة دون الاحتكاك بالمواطن وأكد أن الرقابة القضائية والرقابة التشريعية هي أهم الضمانات لمنع تجاوزات هذا الجهاز وبالرغم من أهمية ما أعلنه وزير الداخلية من تصريحات إلا أنها تبقى مجرد أمنيات ما لم ترتبط بضمانات قانونية محددة ومقننة ، ورقابة شعبية قضائية يقظة إلا أن أهم ضمانة فعلية له هو نقل تبعيته إلى وزارة العدل بعيدا عن وزارة الداخلية مثل بعض الدول خاصة إذا كان دوره فقط كما أعلن الوزير سيقتصر على جمع المعلومات  وتقديمها للشرطة وأعتقد أن هذه ضمانة جدية وحقيقية تؤكد التوجه الجديد لهذا الجهاز وتزيل عوامل الشك  التي تملأ النفوس حول الجهاز الجديد وأن ما يحدث مجرد عملية  إعادة غسيل وتبييض لهذا الجهاز وإعادة إنتاجه تحت مسمى جديدمدرس التاريخ الحديث والمعاصر كلية التربية  - جامعة دمنهور[email protected]مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل