المحتوى الرئيسى

نخبنا الثقافية والسياسية بين تقديس الثورات وتسييسها بقلم:مصطفى القرة داغي

03/28 20:49

إن الثورات وبحكم كونها تحرك عفوي وأحياناً فوضوي، تضم في صفوفها مجموعة من الناس بمشارب وتوجهات مختلفة، ففيهم صاحب الفكر والمبدأ سواء كان قيادياً مثالياً مُستوعباً له كجيفارا، أو مناصراً مخلصاً متأثراً به كأغلب أتباع الأحزاب الآديولوجية اليسارية أو القومية أو الإسلامية. وفيهم القيادي الوصولي النفعي والباحث عن السلطة والساعي لها بكل الطرق والسوائل لتحقيق مجد شخطي أو بدفع من جهات خارجية والذي غالباً مايتحول لدكتاتور أسوء من الذي ثار عليه كروبسبير وستالين وكاسترو وعبد الناصر، والرعاع والناعقون مع كل ناعق والحرامية والسراق وقطاع الطرق. ونادراً ما تخلو ثورة ممن ذكرناهم، ولكن ما أقل أولئك وما أكثر هؤلاء، فهذه هي حقيقة الثورات، وهذا هو حالها منذ وجدت، وهي كذلك اليوم وستبقى حتى يرث الله الأرض، فهذه سُنّة الحياة وطبيعة البشر التي لن تتغيّر مهما تغيّر الزمن. وفي الوقت الذي بدأت فيه قلة من نخبنا الثقافية والسياسية بإستيعاب هذه الحقيقة، وأخذت تعيد النظر في أحداث التأريخ بعين الفاحص المُتجرّد الموضوعي، فإن غالبيتها لا تريد الإقرار بها رغم سَيل التجارب الثورية التي ساقها لنا التأريخ، سواء كان قديماً كالثورة الفرنسية، أو حديثاً كالثورة البلشفية والكوبية والإيرانية، أو معاصراً كالثورة التونسية والمصرية والليبية والبحرينية واليمنية. حتى اليوم لايزال أغلب مثقفينا وساستنا ينظرون بعين القداسة لكل ثورة يخرج بها الشارع على حكامه، بغض النظر عن طبيعة الشارع ومستوى وعيه أو طبيعة الحاكم، فالشارع الثائر برأيهم على حق دائماً ومعصوم عن الخطأ وثورته مقدسة لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها. الغريب في هذه النخب هو أنها في الوقت الذي تنفي فيه العصمة عن الأنبياء والأولياء الصالحين، ويشكك بعضها بكل مقدس في الدنيا، نجدها تضفي صفة العِصمة على كل من يقومون بالثورات ويشاركون فيها، وتمنحها عن وعي أو دون وعي صفة القدسية. فبالنسبة لها كل من شارك في ثورة ورفع لافتاتها وصورته كاميرات التلفاز واقفاً بين صفوف المشاركين فيها هو ثوري مناضل وبطل مغوار، وكل من روج لثورة ودعمها بخطاباته الحماسية ومقالاته النارية هو ثوري وحامل لمشاعل الحرية ورافض للظلم والطغيان، أما من يتقاطع معها ويوجه إليها النقد فهو رجعي وفي صَف الطغاة وضد أماني الشعوب وتطلعاتها في الحرية والديمقراطية. ماذ تريد الثورات؟ ومن الذي يحرض عليها ويقودها وماهو برنامجه السياسي؟ ومن الذي يشارك فيها؟ وما البديل الذي تطرحه؟ كل هذا غير مهم، المهم هو أنها ثورة وكفى وليكن بعدها الطوفان. طبعاً هذه النخب نفسها تنقسم في أسباب موقفها من هذه الثورات الى قسمين. قسم يدعم هذه الثورات بهدف تسييسها لمصلحته السياسية أو الشخصية، كما تفعل الآن بعض الأحزاب الإسلامية في العراق بموقفها من ثورة البحرين، أو كما فعل الأخوان في موقفهم من ثورة مصر. وقسم يَدعم هذه الثورات لأنه تأدلج وتشبع بفكر أحزاب كانت ولاتزال تتبنى ما يسمى بالشرعية الثورية، وبالتالي فعقيدته الفكرية وتأريخه السياسي وبرستيجه الإجتماعي كثوري يجبرانه على إتخاذ موقف داعم لهذه الثورات، وهو حال أغلب المثقفين اليساريين والقوميين والإسلاميين الذين نقرأ مقالاتهم هذه الأيام ونجدها مليئة بالشعارات الثورية والخطب الحماسية الداعمة للثورات الحالية، حتى وإن تقاطعت مع رؤاهم السياسية وعقيدتهم الفكرية. ورغم خطورة الحالة الثانية، لأن هؤلاء المثقفين والسياسيين قد أنساقوا بمواقفهم العاطفية والمُتعَجّلة تجاه الثورات الحالية خلف العوام دون تفكير، وإنقادوا لها بدلاً من أن تنقاد هي لأفكارهم ورؤاهم، وهم بذلك قد تخلوا عن دورهم في نصح الشارع وتوجيهه بالإتجاه الذي يخدم مصلحته. إلا أن الحالة الأولى أخطر وسنسوق عنها مثالاً ماقامت به قبل أيام إحدى الكتل الإسلامية التي تدعي تمثيل شيعة العراق في البرلمان العراقي والتي ينتمي إليها رئيس الوزراء المالكي، عندما طالبت بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح شهداء البحرين، وعلقت جلسات البرلمان لعشرة ايام إحتجاجاً على ما يحدث فيها، وزاد بعض نوابها بل وذهبوا في تطرفهم بعيداً لحد تشكيل لجنة شعبية تدعو العراقيين للتطوع لنصرة أهالي البحرين بوجه ما وصفوه بالإحتلال السعودي، في موقف يبدوا بالظاهر إنسانياً لم نألفه من هذه الكتلة وأحزابها منذ دخولها العراق، فبعيداً عن المجازر التي قامت بها ميليشياتها بحق العراقيين خلال السنوات الماضية، لم نر هذه الكتلة وأحزابها وهي تعلق جلسات البرلمان وتقف لحظة حداد على عشرات الشهداء الذين سقطوا خلال الثورة التونسية، أو مئات الشهداء الذين سقطوا خلال الثورة المصرية، أو مئات الشهداء الذين يتساقطون يومياً في ليبيا واليمن، أو عشرات الشهداء العراقيين الذين سقطو في يوم واحد فقط خلال تظاهرات جمعة الغضب على يد أجهزة الأمن العراقية، كما فعلت إستنكاراً للقمع الذي يتعرض له شيعة البحرين على حَد قولها. وهنا يتبادر لذهننا السؤال التالي..هل أصيب هؤلاء البرلمانيون بفقدان الذاكرة ونسوا من هُم الذين خرجوا قبل سَنة مُتحدين الموت والإرهاب لينتخبوهم ويجلسوهم في البرلمان وليقوموا بخدمتهم ورعاية مصالحهم لا مصالح الغير؟ هل هُم شيعة العراق الذين يَدّعون تمثيلهم ويعيش أغلبهم تحت خط الفقر ويعاني شبابهم من البطالة ويفتقدون للأمان وأبسط الخدمات من ماء وكهرباء؟ أم شيعة البحرين المُرفّهين والذين تتوفر لهم كل مستلزمات الحياة في بلد مسالم آمن يُمارسون فيه شعائرهم الدينية بكل حرية وبدعم لا مَحدود من النظام الذي يريدون إسقاطه اليوم؟. إنها ليست سوى محاولة يائسة بائسة من أحزاب السلطة العراقية الفاشلة وحكومتها للهروب الى الخارج عِبر توجيه الأنظار بإتجاه أحداث البحرين وبعيداً عن التظاهرات التي يشهدها العراق، والتي كشفت عورتها وفشلها وزيف شعاراتها الطائفية منها والوطنية، وقد تحقق لها ما أرادت بعد أن نجَحَت وبإمتياز في حَرف مَسار وإتجاه بوصلة تظاهرات الجمعة الماضية جنوب العراق عن الوقوف بوجه هذه الأحزاب وساستها الفاسدين ومطالبتهم بتحقيق وعودهم الإنتخابية، الى السير خلف ساسة هذه الأحزاب بتظاهرات داعمة لشيعة البحرين. طبعاً هذا بالإضافة الى أن مثل هذه التحركات هي جزء لا يتجزأ من أجندة معروفة لقوى إقليمية تدور هذه الأحزاب بفلكها، وتعمل في العراق كجزء من مشروعها للسيطرة على المنطقة والهيمنة على بلدانها، عبر إثارة النعرات الطائفية لدى شرائح معينة من شعوب هذه البلدان، بهدف إسقاط الأنظمة القائمة وإستبدالها بأخرى موالية لها. ختاماً لابد من القول أن أي ثورة في العالم وبضمنها التونسية والمصرية والليبية واليمنية والبحرينية يجب أن ينظر إليها وفق منظار مُجَرّد ورؤية موضوعية بدون تهور وإندفاع، ففيها بكل تأكيد الصالح والطالح الذين يجب التمييز بينهم جيداً، حتى لا تختلط الأوراق ويضيع جهد الخيرين من أبنائها كما حدثنا التأريخ. فغالباً ما تنتهي الثورات الى يد الإنتهازيين والنفعيين والطامحين الى السلطة من أبنائها ليجعلوها وأفكارها ومبادئها أثراً بعد عَين، وقد تنتهي بعض الثورات التي نشهدها ونعيش أحداثها اليوم الى نفس المصير، فكونها شبابية لا عسكرية ولا حزبية، وإنطلقت عبر الفيسبوك وليس مِن ثكنات الجيش وأقبية المؤامرات لا يمنحها العِصمة، ولا ينفي إحتمالية فشلها وإستغلالها من قبل المُتطفلين والإنتهازيين الذين لم يفتهم الإندساس بين صفوفها وربما تصدر واجهاتها والله أعلم؟ همسة: عجبت لشعب يَنسى ظلم ظالميه ليتظاهر مَعَهُم ضد ظلم الآخرين! الى متى هذا الضياع والعَبَث ؟ وأي فنتازيا ومَأساة ومَلهاة هذه التي نعيشها؟ مصطفى القرة داغي [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل