المحتوى الرئيسى

حنان عبد الفتاح بدر تكتب: تغيير النظام لم يبدأ بعد

03/28 15:22

أبدأ بمثال بسيط من الحياة اليومية: إن فسدت الثلاجة فى البيت فمهما استبدلت الطعام كل يوم سيفسد لأن نظام التبريد غير فعال، إذن الحل إصلاح الخلل وليس التخلص من الأكل الفاسد فحسب، وبالمثل لا تجوز شخصنة النظام الفاسد فى مبارك وعز والعادلى وبعض الآخرين من الشلة الحاكمة، مبارك ليس النظام وإن كان أبرز رموزه، لكن النظام الفاسد يعنى منظومة فاسدة من العلاقات المتشابكة والآليات السائدة التى تقوم على الاقصاء واستبعاد الآخر والقمع وانعدام الشفافية وغياب آليات المحاسبة واللاعقلانية والأكاذيب والمصالح الخاصة والفساد والنفاق، يعنى لن ينصلح النظام بمعاقبة البعض وترك الآخر، وإنما بتغيير هذه الآليات من جذورها وإرساء قواعد مجتمع مدنى ديموقراطى ليبرالى عادل عقلانى ناهض..وهى مجرد بداية لطريق نسير عليه عبر الحوار المجتمعى الحر فكرياً والملتزم أخلاقياً فى الوقت ذاته.لا يوجد أى ضمان أن تمر المرحلة الانتقالية لهدفها المنشود بأمان وهو تحقيق مجتمع أكثر ديموقراطية، ويشهد التاريخ على تجارب ثورية ارتدت عن المسار الإصلاحى أو فشلت أو هدأت بعد فترة طالت أم قصرت، ووفقاً لأدبيات التحول الديموقراطى لكى نحكم على إتمام مراحل التحول الديموقراطى يجب أن تمر على الأقل مرتان لتداول سلمى للسلطة، يعنى على الأقل بعد 8-9 سنوات إن أخذنا الانتخابات الرئاسية معياراً للحكم، بعبارة أخرى: لمتعجلى الطمأنينة والاستقرار السياسى لا زال الطريق طويلاً وغير ممهد بالورود، بل ستظل حالة من الشد والجذب مرهونة ببقاء وعى الشعب وضغطه على ذوى الحكم فى الفترة الراهنة.توجد عدة إنجازات على مستوى النظام السياسى اليوم ولا أقول أنها مطالب الثورة كاملة،  لكن لنكن منصفين وبموضوعية توجد مكاسب مبشرة على أرض الواقع بالفعل: أولاً: أجبرت الثورة النظام السياسى على الانفتاح على الشعب والإنصات له بعد طول عمله بالقاعدة "لندعهم يقولون ما يشاءون ولنفعل ما نشاء"، بمعنى آخر أصبح النظام يستجيب لمطالب الرأى العام بدرجات متفاوتة، بعد ان كان يرصدها ليتقى غضبها فحسب.ثانياً: أعادت الثورة قطاعات واسعة من الشعب إلى عالم السياسة بعد العزوف الاختيارى والانغماس المخدر فى عالم الترفيه والكرة، ويبشر ذلك بتضاؤل ظاهرة "القرف السياسى" للمواطن إما خوفاً او إحباطاً، وهذه الصحوة فى الوعى والرغبة فى المشاركة هى ما نحتاجه تماماً فى السنوات المقبلة، والمطلوب ليس التركيز على المطالب المادية وملاحقة التربح فحسب بل الأهم إرساء مبدأ تكافؤ الفرص السياسية ومحاسبة المسئولين عن إفسادها.ثالثاً: نعم، أفرزت ظواهر غير صحية فى النقاش المجتمعى أبرزها التعصب اللاليبرالى للرأى والتطرف الراديكالى فى المطالب، نعم هى ممارسات غير صحية بالفعل وهى إرث نظام سياسى لم يكرس أخلاقيات الليبرالية والتعددية، لكن من الواقعية أيضاً عدم توقع أن تزول فوراً، وإن كنت لا أقصد الركون إلى أسطورة المصرى الجديد، لأن المصرى الجديد مجرد مشروع تراكمى ليس لحظى السريان بمجرد تنحى الرئيس، لكن المبشر فى الفترة الراهنة السيولة الشديدة الحاصلة والدروس المتعلمة من الثورة وأخلاق الميدان إضافة إلى حرية الحركة دون قيود أمنية لكافة التيارات والحركات والقوى الاجتماعية والسياسية فى اللحظة الراهنة، بدأ النخبة ذاتها فى اختزال المجتمع المصرى فى ثنائيات متضادة  ومعادلات "إما- أو" غير التوافقية والتى لا تعد بحدوث مصالحة بين التيارات الأربعة الرئيسية فى مصر وأقصد تحديداً كل من التيار الإسلامى والتيار القومى والتيار اليسارى والتيار الليبرالى، مع تفاوت أوزانهم وتأثيرهم فى المجتمع إضافة إلى ضرورة التمييز بين التيارات الفرعية فى داخل كل من هذه التيارات الأربع بدءأً من المعتدلين الوسطيين وصولاً حتى المتطرفين الراديكاليين.تأخر الحوار المجتمعى القائم وهو جدل حول مشروع نهضة مصر 200 عاماً منذ بداية مصر الحديثة نتيجة آليات الإقصاء المستمرة منذ مذبحة القلعة التى استبعدت المماليك كقوة سياسية فى بداية مصر الحديثة حتى الآن، وحتى خلال الفترات الليبرالية التى تخللت تاريخ مصر تحت الاحتلال سادتها الممارسات اللاليبرالية فى ظل ثقافة سياسية شديدة الاستقطاب، والنتيجة أننا لا زلنا نتجادل حول مستقبل مصر وهويتها وما الأنسب لها، بل تحول الحوار من "ما هو ملائم للشعب المصرى" إلى نقاش حول مدى ملاءمة الشعب المصرى لأى من المشاريع المطروحة، والتى ينذر استحواذ أى تيار منها بتقرير مصير المستقبل باستبعاد ثلاثة تيارات أخرى لها وجاهتها ومؤيديها.لم يبدأ تغيير النظام بعد لأن النظام كامن فى داخل كل منا نستحضرآلياته بممارساتنا الفردية والجمعية على مستوى الحوار المجتمعى الراهن، ولذلك يعد تغيير آليات الحكم أهم من تغيير شخوص الحكم لأن استمرارالآليات يساعد الأفراد تراكمياً على الفساد والإفساد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل