المحتوى الرئيسى

> الديمقراطية وغموض واضطراب المفهوم

03/27 21:17

تتغني الشعوب دون وعي بالمدلول الحقيقي لمصطلح الديمقراطية، وتنظر إليها كنظرتها للمخلص أو كنظرتها للخلاص، وقبل أن نناقش فكرة الديمقراطية وقبل أن نضعها طاولة التشريح نود ابتداء أن نقف علي الدلالة الحقيقية لمصطلح الديمقراطية كما دل عليه لسان قومه اليونان إذ هم أول من قام بتخليق هذا المصطلح وأول من أطلقوه علي نظام سياسي وهم أول من قاموا بتطبيقه كنظام سياسي علي أرض الواقع، أمّا لغوياً، فالديمقراطية كلمةٌ مركبة مِن كلمتين: الأولي مشتقة من الكلمة اليونانية أو Demos وتعني عامة الناس، والثانية أو kratia وتعني حكم أو سلطة، وبهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تَعني لغةً "حكم الشعب لنفسه" أو "سلطة الشعب علي نفسه" لا يخفي علي أحد في هذه الدنيا مدي شيوع مصطلح الديمقراطية علي ألسنة الناس في كل مكان من أرض الله، لكن ما قد يخفي علي كثير من الناس غير المتخصصين أن مصطلح الديمقراطية الذي يعني في مدلوله اللغوي (حكم الشعب أو سلطة الشعب)، هو مصطلح يحاط بكثافة كبيرة من الغموض والاضطراب والميوعة لدرجة يكاد معها أن يفقد معناه اللغوي البسيط الذي هو (حكم الشعب أو سلطة الشعب)، وهذا ليس رأيا شخصيا لي، بل هو رأي كثير من المفكرين وعلماء السياسة الغربيين والعرب، أورد عددا منها (باسل عبد المحسن القاضي) في كتابه (الديمقراطية من اليونان إلي ديمقراطية الانترنت)، ومن هذه الآراء ما أورده عالم السياسة الغربي (بيرنارد كريك): (إن كلمة الديمقراطية هي أكثر الكلمات اضطرابا وغموضا فهي مصطلح قد يعني شيئا بالنسبة لكل شخص بحيث تكون هناك خطورة بأن تصبح الديمقراطية كلمة بدون معني). قال الدكتور (سمير أمين) عن الديمقراطية: (ليس مفهوم الديمقراطية مفهوما علميا يمكن بالتالي تعريفه تعريفا وحيدا دقيقا لا يقبل المناقشة والشك، بل كلمة الديمقراطية هي مجرد تعبير لغوي مائع يتغير بتغير المتحدث والظروف ورغم ذلك فالإنسانذ أي إنسان - يحس تماما إذا كان المجتمع المعين الذي يعيش فيه (ديمقراطيا) حسب رأيه أم غير ديمقراطي، وينطبق ذلك علي الفلاح الأمي كما ينطبق علي المثقف المتغرب ولكن مفهوم الفلاح لماهية الديمقراطية أو عدمها قد يختلف عن مفهوم المثقف) المصدر: (أزمة المجتمع العربي، ص135). بل إن المفكرين الأوروبيين قد اختلف اختلافا كبيرا حول كلمة (الديمقراطية) حتي أن الكاتب (روبرت هـ ثاولس) في كتابه (التفكير السليم والتفكير الأعوج) قد ضم كلمة الديمقراطية إلي باب (التفكير الأعوج) في هذا الكتاب حيث قال (إن النزاع اللفظي قد يكون حول كلمة الديمقراطية في حين أن النزاع الحقيقي يكون حول الديمقراطية، أي حول نظم الحكم التي هي مدلول كلمة الديمقراطية، وإذا كنا نظن أننا نتناقش عن الديمقراطية في حين أن موضع الخلاف في الحقيقة هو علي كلمة الديمقراطية فإننا نكون في ذلك قد خلطنا في الأمر وحسبنا خطأ النزاع اللفظي بأنه نزاع واقعي) (ص90) ويقول علي المؤمن عن الديمقراطية في بحث له (مفهوم فضفاض ساهم في إثرائه عبر عقود طويلة من الزمن كثير من المفكرين السياسيين كل حسب نظرته لهذا المفهوم فجاء إطارا كبيرا يجمع في داخله العديد من التيارات الفكرية التي تتفق علي بعض الخطوط العامة وتختلف في معظم التفاصيل بيد أن الديمقراطية تبلورت بمرور الزمن في الديمقراطيات الحديثة المطبقة ذ بشكل أو بآخر - في الغرب وعرفت بالديمقراطية التقليدية الغربية. ولقد كان الفيلسوف الكبير (جان جاك روسو) قد تحدث عن أن الديمقراطية مستحيل تطبيقها بدقة وقال إنها لم توجد ولن توجد أبدا بعد أن وصفها بالمثالية وأنه لو كان هناك شعب من الآلهة لحكم نفسه بطريقة ديمقراطية لأن هذا النوع من الحكم _كما يقول_ بلغ حد الكمال لا يصلح للبشر ويقول: (إذا أخذنا عبارة الديمقراطية بكل معناها الدقيق نجد أن الديمقراطية لم توجد أبدا ولن توجد أبدا فمما يخالف النظام الطبيعي أن يحكم العدد الأكبر وان يكون العدد الأصغر هو المحكوم ولا يمكن أن نتصور بقاء الشعب مجتمعا علي الدوام للنظر في الشئون العامة ونستطيع أن نري بسهولة انه لا يمكن إقامة لجان من اجل ذلك دون تغيير في شكل الإدارة). (البقية تأتي)

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل