المحتوى الرئيسى

خطاب السقوط!بقلم: جواد البشيتي

03/27 17:21

خطاب السقوط! جواد البشيتي إنَّ أحداً منهم، وعلى انتمائهم جميعاً إلى جامعة الدول العربية، لا يشبه الآخر؛ ولن يكون كالآخر، أكان هذا الآخر نظام حكم أم ثورة شعبية (ديمقراطية) عليه؛ أمَّا إذا أردتم "تعليلاً" لهذا الذي يَزْعمون فلن تجدوا غير "الخصوصية"، التي جعلوها خالصةً مُطْلقة، "تعليلاً". نحن جميعاً نَعْرِف أنَّ "لكل قاعدة استثناء"؛ لكن، هل يظل "لكل قاعدة استثناء" إذا ما قلنا "لكل قاعدة استثناء، حتى هذه القاعدة"؟ كلاَّ، لن يظل؛ فعندئذٍ، يصبح لدينا قاعدة أخرى هي "ليس لكل قاعدة استثناء"، أي أنَّ ثمَّة قواعد لها استثناءات، وثمَّة أخرى لا تَعْرِف الاستثناءات. قُلْتُ هذا (فلسفياً أو منطقياً) حتى أقول إنَّهم (أي أنظمة الحكم العربية التي منها من سقط، ومنها من يَنْتَظِر) جميعاً متشابهون متماثلون ولو في قول كلِّ واحدٍ منهم: "إنَّني لستُ غيري"! وفي هذا القول نقف على إحدى سمات الخطاب (السياسي والإعلامي) الحكومي العربي (أي الخطاب الذي تشترك فيه الحكومات العربية جميعاً) في زمن "السقوط ـ النهوض". "الاستهداف"، هو سمة ثانية؛ فكل نظام حكم عربي، أكان من "جيمٍ" أم من "ميمٍ"، يُصَوِّر نفسه (وكأنَّ شعبه لا يميِّز "الصورة" من "الأصل") على أنَّه "المدينة الفاضلة"، التي لا تَغْبِطها دولة، وتحسدها كل الدول؛ وكأنَّه مُذْ أبصر النور وهو في صراع دائم لا يلين ضدَّ المتآمرين عليه، والمتربِّصين به الدوائر، فهذا مُسْتَهْدَفٌ في مناعته القومية، فهو الصمود والمقاومة والحارس الأمين للقضايا والحقوق القومية العربية، والصخرة الصلبة التي تكسَّرت عليها مؤامرات الأعداء القومية، ومؤامرة "الشرق الأوسط الجديد" على وجه الخصوص، فإذا ذهب ذهبت الأُمَّة، ولن تُبْعَث أبداً؛ وذاك مُسْتَهْدَف في أمنه واستقراره؛ فهو لِفَرْط الأمن والاستقرار فيه يُضْرَب به المثل عالمياً، ويحسده الحاسدون مِمَّن حرمهم الله هذه النعمة التي هي عينها النقمة، أي نقمة الحُكم على الشعب إذا نادى بحقوقه السياسية والديمقراطية، ونزل إلى الشارع منتصِراً لها، فإمَّا أنْ يَنْعُم الشعب بما يَنْعُم به قطيع الغنم من أمن واستقرار في حظائر الحُكَّام وإمَّا الحرب الأهلية والاقتتال والفوضى والصوملة..؛ وذلك مُسْتَهْدَفٌ في ثراء شعبه، وعُلوِّ مستوى عيشه، وكأنَّ فقراء العرب يكيدون له، ويتحيَّنون تأميم ثرواته، أي جعلها مُلْكاً للأُمَّة. وسمة ثالثة مشترَكة هي "لولا المحرِّضون وتحريضهم.."؛ فإنَّ الشعب (أو الرعية) راضٍ قانعٍ، موالٍ مؤيِّدٍ، مؤمِنٍ لا يُشْرِك بوليِّ أمره؛ لكنَّ الأشرار من المحرِّضين، المتوفِّرين على إثارة الفِتَن والقلاقل والاضطِّرابات، هُمْ الذين أثاروا الشعب على حاكمه، مُخْرجين مئات الألوف والملايين من المواطنين (الصالحين المسالمين) من بيوتهم إلى الشوارع والميادين والساحات. وإلى هذا الزَّعم يضيفون زَعْماً آخر مناقضاً؛ لكن من غير أنْ يروا تناقضاً؛ فكل هذا الاحتشاد الشعبي المنادي بما يُغْضِب وليِّ الأمر ولا يرضيه لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، عدم وجود الغالبية الشعبية الصَّامتة، أي التي تقول في صَمْت إنَّها مع وليِّ الأمر ولو لم يكن مِنَّا، أو منها. لقد أضرب آلاف العمَّال؛ فحار "الكهنة" في التفسير والتعليل؛ ثمَّ عرفوا "السبب"، فَبَطُل العجب. إنَّ مُحرِّضاً قد حرَّضهم على ارتكاب إثم الإضراب، وما كانوا ليرتكبوه؛ فإنَّ ظروف وأحوال عملهم وعيشهم، وأجورهم، لا تكفي تفسيراً وتعليلاً، فالمحرِّض مع تحريضه هو وحده السبب، أو السبب الدخيل في العلاقة الأُسرية بين العامل وربِّ العمل. ولقد فاضت الكأس؛ أمَّا "السبب"، في خطابهم، فهو "النقطة الأخيرة (السِّحرية الخارقة)"، وليس امتلاء الكأس بملايين النُّقَط (من الماء). السمة الرابعة المشترَكة هي "وليُّ الأمر، أو الراعي، لا اعتراض لديه على حقِّكم الديمقراطي في التجمُّع والتجمهر والتظاهر والاعتصام.. على ألاَّ تُعَرْقلوا السَّير، وتَقْطعوا أرزاق العباد"؛ والشعب يُحْسِن صُنْعاً، ويُوازِن خير موازَنة بين حقِّه هذا و"حقوق الآخرين"، لو نَصَب خياماً للاعتصام في الصحراء، أو في ما يشبهها من أمكنة فسيحة لا ضرر من الاعتصام فيها إلى يوم يُبْعَثون! أمَّا إذا أبيتم فلا تلوموا إلاَّ أنفسكم إذا ما ثار المتضرِّرون (من المواطنين) عليكم، وأوسعوكم ضرباً بالعصيِّ والحجارة والسكاكين والسيوف..، وغزوا مخيَّمكم كما فَعَل رفاقهم في "موقعة الجَمَل" في ميدان التحرير في القاهرة. وبعض الدَّرك العربي أذكى من أنْ يفعلها فوراً ومباشَرةً، فعيون الإعلام مفتوحة؛ وإنَّ لديه من الذكاء ما يجعله يلعب، ويجيد لعب، لعبة "فضِّ الاشتباك" بين جمهور المعارضين وجمهور المؤيِّدين؛ فهو الذي يَقِينا جميعاً شرَّ الاحتراب والاقتتال والكارثة والفوضى.. فَلْنَدعو له جميعاً بالتوفيق! ولقد كان علي عبد الله صالح مُعَلِّماً ومُخْتَرِعاً ومُكْتَشِفاً؛ وكيف له ألاَّ يكون كذلك و"الحكمة يمانية"، ولو كانت حكمةً للحُكَّام في رُبْع الساعة الأخير من زمانهم؟! السمة الخامسة المشترَكة "اطلبوا الإصلاح، فالحاكم لا يقلَّ عنكم طَلَباً له؛ لكنَّ عليكم ألاَّ تطلبوا منه كثيراً، فإذا اقتنعتم بطلب القليل منه فإيَّاكم أنْ تطلبوه سريعاً؛ فالإفراط في طلبه، تفريط في تلبيته، والعجلة من الشيطان". إذا قرَّر الحاكم أنْ يَحْكُم شعبه بقوانين منافية تماماً للديمقراطية، وإنْ ألبسها لبوس "المصلحة العامة"، أو "مصلحة الوطن والمواطِن"، فإنَّ قراره يأتينا سريعاً، وكأنَّه أمْرٌ يقع بين الكاف والنون؛ أمَّا إذا ثار الشعب عليه، ودعاه إلى أنْ يلغي سريعاً ذلك الذي قرَّره سريعاً، فإنَّه يشرع يُحدِّث شعبه عن خَلْق الله للسماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وليس من طريق أمْرٍ يقع بين الكاف والنون؛ فقرار الإلغاء يحتاج، عندئذٍ، إلى "لجنة" يؤلِّفها، وتعكف على البحث والدراسة، توصُّلاً إلى حسم الأمر، إيجاباً أو سلباً؛ فربَّما اكتشفت، بعد نقاش مستفيض، وحوارٍ جاد، أنَّ مضار الإلغاء تفوق منافعه! لقد وَعَد الحاكم شعبه الثائر عليه، بالإصلاح؛ لا بل بإصلاح كل شيء، وبحفظ وصون حقوقه، بعد إقراره بشرعيتها، مؤكِّداً صِدْق زعمه ووعده بإكثاره من "سَوْف" التي هي دائماً أطول عُمْراً منه. أمَّا إذا كان مطلب الشعب "ارْحَل" بعد حكمه له عشرات السنين فإنَّه قد يستخذي ويُذْعِن ويمتثل لهذا الأمر الشعبي؛ لكن ليس "الآن"، وإنَّما بعد بضعة شهور؛ فالصابر دهراً يصبر شهراً! يقول ذلك، لابساً لبوس الحكمة، وهو يَعْلَم أنْ ليس من الحكمة في شيء أنْ تدعو الحامل إلى أن تَلِد جنينها، الذي اكتمل نموه إذ أصبح عمره الآن (في رحمها) تسعة أشهر، بعد بضعة أسابيع؛ إنَّه يدعوها إلى أنْ تؤجِّل حتى يموت الجنين في رحمها! السمة السادسة المشترَكة هي معاملة الحاكم (وإذا كان غنياً على وجه الخصوص) لشعبه (في اليوم الأسود) على أنَّه قطيع من الغنم، يرضيه بـ "سياسة العَلْف"؛ فإنَّ "الرعية" لا تُرْشى، ويجب ألاَّ تُرْشى، ببرلمان، أو ببرلمان حقيقي، أو بديمقراطية، وإنَّما بـ "ثلاثين من الفضَّة"؛ أمَّا هذا "العار" فيسميه كهنة الحاكم "ثورة اقتصادية"؛ وكفانا الله شرَّ "الثورات السياسية"! أيُّ خطاب هذا الخطاب؟! إنَّه لخطاب يليق بأسوأ حاكم لخير أُمَّة أُخْرِجَت للناس!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل