المحتوى الرئيسى

ثوراتنا.. بين تغيير الرؤوس وإسقاط الأنظمة

03/27 14:28

نور الدين قلالة تونس كانت الأولى، ثم تلتها مصر، والآن ليبيا واليمن وسوريا في الطريق.. القائمة حتماً طويلة.. والرؤوس التي أينعت عديدة وقد حان حتما موعد طيرانها.. ولكن ماذا بعد؟ ماذا بعد هذه الثورات؟ هل ستصبح المنطقة العربية جنة ديمقراطية أم أنها مجرد تغيير حالة واستبدالها بحالة ليست بالضرورة مشابهة لها في الشكل ولكنها تقود في النهاية إلى نفس النتيجة. لقد كانت ثورة تونس مفاجأة وفريدة شكلت صدمة للذهنية العربية التي ألفت الكسل والجمود والخوف، وكانت ثورة مصر عظيمة كعظمة شعبها الذي وكأنه بُعث من جديد مشكلا «أسطورة حقيقية» من أساطير الفراعنة القدامى.. واليوم نحن ننتظر ونترقب ما يمكن أن يحدث في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا.. ولكن هل ينبغي لنا أن نندهش ونحن نراقب هذا الزخم الكبير من الأحداث التي لم نتعود عليها؟ أعتقد أنه من السهل على أي إنسان أن يكون حكيما وخبيرا ومحللا بارعا عند وقوع الحدث، لكن في تقديري العامل الأهم في دراسة الأحداث هو التنبؤ بحدوثها، أو النظر في ما يمكن أن يحدث لاحقا إذا ما فاجأتنا تلك الأحداث.. وبالتالي علينا التطلع إلى المستقبل بدلا من الماضي، بل وبدلا من الحاضر أيضا. الذين يتحدثون عن قطيعة وطفرة تاريخية وتحول سياسي واجتماعي كبير بعد هذه الثورات العربية، في الواقع يبنون تطلعاتهم على أساس تفكير رغبوي، وليس على أساس علمي إحصائي، لم يتحدث أحد عن مؤشرات البطالة وزيادة عدد السكان ونسبة الفقر، لم يتحدث أحد عن السلع الاستراتيجية العالمية، التي لا تتحكم فيها حتما هذه الدول الثائرة. في النهاية الذي يحدث تغيير محلي كبير، يطرد الخوف الكامن في النفوس ويبعث على الراحة والاسترخاء السياسي ويعطي المجال لنمو ثقافة ديمقراطية تروج لحرية التعبير وإعطاء مجال للرأي والرأي الآخر، ولكن لا تأثير لهذا كله على الساحة الدولية، لا تأثير سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي.. التغيير الوحيد الذي يمكن أن نلمسه هو في درجة التعامل مع الغرب الديمقراطي بفكر مختلف.. لكن هذا لا يغير مثلا في سعر البترول والقمح والسكر والحليب. وفقا لبعض الإحصاءات الرسمية، على مدار هذا العقد من الزمن قد تشهد المنطقة العربية زيادة كبيرة في عدد السكان وفي نسبة العاطلين عن العمل والفقراء، وقد يزداد معها أيضا درجة شعور الشباب بالملل والإحباط.. التي بدأنا نلحظها فعلا في مصر التي يريد شرائح كثيرة من مواطنيها التغيير الشامل بين يوم وليلة، احتجاجات واعتصامات يومية للمطالبة بحقوق فعلية وليست فكرية (العمل، زيادة في الأجر..) لأن الاعتقاد السائد لدى هؤلاء أن سقوط مبارك سيتيح للجميع الحصول على ما انتزع منهم!! هناك أمثلة عديدة عن دول تعرضت لمثل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية، في أوروبا الشرقية ومن قبلها روسيا وحتى في آسيا.. انظر إلى روسيا بعد غورباتشيف ورومانيا بعد تشاوسيسكو.. بعض هذه الدول غير قادر على التأثير حتى على الأحداث المحلية. السؤال الذي ينبغي أن يشعرنا بالقلق فعلا هو كيف ستصبح تونس بعد بن علي ومصر بعد مبارك وليبيا بعد القذافي واليمن بعد صالح وسوريا بعد الأسد؟ كيف ننتقل من الإعداد الافتراضي (شباب الثورة العاطلين عن العمل، الفقراء، الغاضبين) إلى إعداد أفضل سواء بالنسبة لهؤلاء الشباب أو بالنسبة لنا ككل. في دول أخرى، كالجزائر مثلا، التي حسب السفير الأميركي لديها، ليست محصنة من أية حركة نحو التغيير.. خاضت تجربة مريرة في انتفاضة أكتوبر 1988 حين تركزت الحركة على رحيل الرئيس لتغيير النظام، فرحل الشاذلي بن جديد، لكن النظام بقي وأصبح أكثر قوة وزادت معاناة الشعب الذي دخل عشرية من المعاناة مع الإرهاب. صحيح أن أحداث 88 في الجزائر غيرت الخارطة السياسية للبلاد، أصبح هناك تعددية سياسية، مئات الأحزاب والجمعيات السياسية، مئات الصحف والمجلات، حرية تعبير ورأي قال عنها زعيم النهضة راشد الغنوشي آنذاك «إنكم تعيشون جنة ديمقراطية»، لأن الجزائري كان و-لا يزال- يقول كل ما يفكر فيه التونسي والمصري والليبي وغيرهم.. ولكن في النهاية أوضاع الجزائري الذي تمتلك بلاده نفطا وغازا وثروات أخرى لا حصر لها، لم تكن تختلف عن الآخرين على الأقل في شقها الاجتماعي. وبحكم ذلك فإن تغيير الرئيس لا يؤدي بالضرورة إلى تغيير النظام، مع الوضع في الاعتبار طبعا أنه ‭ ‬لا يمكن تغيير‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬بدون‭ ‬تغيير‭ ‬الأشخاص. ‬ صحيح أن هذه الثورات رفعت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، وفي طريقها نحو تجسيد هذا المطلب أسقطت الرئيس وطردت عائلته وحلت الحزب الحاكم والأجهزة الأمنية، لكن هذا قد لا يكون كافيا، لأن تغيير النظام من الأساس يفترض منطقيا وجود نظام بديل جاهز للتفاعل مع التغيير. وعندما نتحدث عن التغيير فإننا ‬نعني بالضرورة ‬ ‬«تغيير‭ ‬نظام‭ ‬الحكم» ‬وليس‭ ‬«إسقاط‭ ‬ النظام»، نأل موهفم «إسقاط‭ ‬النظام»‭ ‬لا‭ ‬يتضمن عنصر «‬بناء‭ ‬الدولة‮» الذي يحتاج إلى برنامج عمل ضخم قائم على أسس علمية وديمقراطية صحيحة وعميقة وليست سطحية. *نقلا عن "العرب" القطرية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل