المحتوى الرئيسى

> دستور يا أسيادنا والبرلمان الإخواطني

03/27 13:33

الدستور هو أم القوانين وبموجبه تستقر الأمور أو تسود الاضطرابات. من المعروف أن الدساتير هي التي تفرض الديمقراطية وحرية الرأي أو تكرس الاستبداد وتصنع الحكام الدكتاتوريين وتدعمهم حتي تنزل الكوارث علي البلاد. لعل القارئ يعلم أن الدستور الأمريكي المعمول به الآن يتم تطبيقه منذ 17 سبتمبر 1787م وهو الذي أرسي قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلاد العم سام التي يحكمها الآن الرئيس رقم 44 وبدون هذا الدستور لكانت أمريكا الآن أشبه بأي دولة أخري في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية. وكذلك الحال بالنسبة لدستورنا الذي وضعه السادات في عام 1971م ثم أجريت عليه عمليات ترقيع عديدة في السنوات التالية وبموجبه أصبح لنا رئيس حكمنا لمدة ثلاثين عاما وهو الرئيس حسني مبارك الذي يعتبر ثاني أقدم حاكم في تاريخ مصر بعد محمد علي (43 عاما). وبسبب هذا الدستور قامت ثورة 25 يناير التي تعتبر أكبر ثورة شعبية في تاريخ العالم. وفور تنحي الرئيس ورحيله إلي شرم الشيخ في 11 فبراير تسلمت القوات المسلحة إدارة شئون البلاد ولكي يتسني لها ذلك قامت بتعطيل الدستور المعمول به، وبعد مرور شهر أي في 19 مارس المنصرم تم طرح التعديلات الدستورية في استفتاء عام. وكان هذا الاستفتاء يسعي لاستطلاع رأي الشعب في تعديل تسع مواد هي المواد 75، 76، 77، 93، 139، 148، 179، 189، 189 مكرر. ومن الواضح أن الشعب، أفرادا وجماعات، اختلفوا حول هذه التعديلات. فهنالك فريق رأي أن يقول نعم وفريق آخر علي النقيض رأي أن يقول لا. وفي الواقع فإن الشعب المصري لأول مرة يقع في حيرة من أمره، فالشعب اعتاد علي أن يقول نعم ولم يحدث في تاريخ الاستفتاءات المصرية التي أجريت بعد ثورة 52 أن قال الشعب لا. ولأول مرة نقف حياري تجاه نتيجة الاستفتاء، والسبب ببساطة أن الدين تم إقحامه بلا مبرر. وقد تلاحظ أن جهات دينية عديدة سعت لدفع بوصلة التصويت تجاه مادة لم تكن في الأصل مطروحة في التعديلات الدستورية وهي المادة الثانية الخاصة بدين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، وهي مادة تعاملوا معها كفزاعة لإخافة الناخبين من عواقب نار الآخرة في حالة التصويت بـ «لا». وهذه الفزاعة تذكرنا بفزاعة التطرف والإرهاب الديني التي اعتاد النظام السابق الإشارة إليها في الدوائر الإعلامية والسياسية الأوروبية والأمريكية. لعل موقف الكنيسة وتخوفها من النتائج المترتبة علي التصويت بنعم قد ساهم في تزايد مشاعر الحيرة لدي الناخبين. وكما قلنا فإن الناخب لم يكن يملك سوي خيارين لا ثالث لهما تجاه التعديلات الدستورية التسعة: نعم أو لا. لذلك انقسم الشعب إلي جبهتين، جبهة الرفض وجبهة الموافقة. تري جبهة الموافقة التي رجحت كفتها ومنهم الإخوان المسلمون وبقايا الحزب الوطني أن هذه التعديلات كافية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وتشتمل علي مادة تلزم مجلس الشعب القادم أن يختار جمعية تأسيسية لإعداد دستور جديد خلال سنة من انتخاب البرلمان واختيار أعضاء الجمعية. يري هذا الفريق أن نتيجة التصويت بنعم سوف يساهم في الإسراع بعودة الحياة إلي طبيعتها وأن القوات المسلحة ترغب في العودة إلي مهمتها الأساسية وهي المحافظة علي حدودنا الغربية والشرقية والجنوبية. لعل أصحاب هذا الرأي يدركون أن مصلحة بعض العناصر تقتضي الإسراع بعمل انتخابات برلمانية قبل أن تلتقط الأحزاب القديمة المنهكة أنفاسها وقبل أن تتشكل الأحزاب الحديثة وفي هذه الحالة فإن الكيانات ذات التنظيم الجيد كالإخوان وفلول الحزب الوطني الذي مازال أعضاؤه يرابضون في كل مكان سوف يقتنصون نصيب الأسد من مقاعد البرلمان. ومن المتوقع أن يتولي البرلمان الاخواطني اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية المنوط بهم إعداد الدستور الجديد. كما أن هنالك فريقا آخر لم ترجح كفته رفض هذه التعديلات ظنا منها أنها تبعث الحياة في دستور سيئ السمعة، دستور في حاجة إلي إحلال كامل حيث لن تجدي نفعا إجراء عمليات تجميل علي وجه منهك جراء الترميمات التي تعرضت له لقرابة أربعين عاما. لقد كان هذا الفريق يعتقد أن الرئيس الجديد سوف يحكم البلاد من خلال الدستور الذي يصنع الدكتاتورية علي اعتبار أن به صلاحيات إلهية للرئيس الذي لن يألو جهدا في سبيل المحافظة علي أكبر قدر من هذه الصلاحيات. وبالإضافة إلي ذلك فإن الرئيس الجديد قد يلعب دورا في تحديد الشخصيات التي تنضم إلي الجمعية التأسيسية، كما أن مجلس الشعب والشوري القادمين سيتم انتخابهما بموجب هذا الدستور. من المؤكد أن أصحاب هذا الرأي كانوا يرغبون في السير علي الطريقة التونسية أي عمل إعلان دستوري وتشكيل هيئة رئاسية مؤقتة تتولي تسيير أحوال البلاد حتي تنتهي الجمعية التأسيسية من إعداد دستور جديد ثم تجري انتخابات برلمانية ورئاسية في الوقت المناسب مما يعطي الفرصة لجميع القوي السياسية لكي تعد العدة لخوض الانتخابات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل