المحتوى الرئيسى

ميمات الديمقراطية وجينات المصريين

03/27 10:21

بقلم: أحمد شوقي 27 مارس 2011 10:08:49 ص بتوقيت القاهرة تعليقات: 0 var addthis_pub = "mohamedtanna"; ميمات الديمقراطية وجينات المصريين  من حق المحللين المتخصصين أن يتوقفوا أمام نتائج استفتاء التعديلات الدستورية، وأن يوضحوا إيجابياته وسلبياته والدروس المستفادة منه، التى يجب أن تنعكس على الجولات الأخرى فى سيرة التحول الديمقراطى لمصر. وفى نفس الوقت، ليس من حق احد أن يسلبنا الشعور الموضوعى بالفرحة، لأن جولة الاستفتاء أثبتت نجاح الثورة فى إحداث الصحوة: مناقشات مستفيضة فى كل مكان، محاولات للفهم تتسع لتعدد الآراء، وإقبال غير مسبوق على المشاركة الإيجابية. صحيح أن الأمر لم يكن «ملائكيا» خالصا، وما كان من الممكن أن يكون كذلك، فى تجربتنا الديمقراطية الأولى حدثت محاولات استقطاب من بعض انصار «نعم» وبعض أنصار «لا» على حد سواء، قام فريق بالتوظيف الخاطئ للدين والخوف على الإسلام فى مصر لتأييد الموافقة على التعديلات، وقام فريق آخر بالتوظيف الخاطئ لمكاسب الثورة ودماء الشهداء لتأييد الرفض. لكن النتيجة لا تمثل تفوقا لأحد الفريقين على الآخر، كما توضح التحليلات المدققة، وكما ستثبت الجولات القادمة. لقد تعددت أسباب القبول أو الرفض عند المشاركين، ومن الظلم اتهامهم بالانسياق الأعمى وراء هذا الرأى أو ذاك. لقد انحصر الأمر فى الاختيار بين برنامجين للمرحلة الانتقالية، لكل منهما مبرراته، مع حرية كل منا فى قبولها أو رفضها. ولا أظن أن التوظيف الخاطئ للدين أو الثورة كان العنصر الحاسم فى نتيجة هذا الحدث الديمقراطى المفرح.ولأن ثورة مصر كانت محور اهتمام وتقدير العالم كله، يحضرنى هنا اللقاء بين مقدم البرامج الساخر ستيفن كولبرت والإعلامية الشهيرة كريستيان أمينبور. وكولبرت، لمن لا يعرفه، يختار عمدا المواقف المتحفظة ليستفز محدثه بصورة تثرى المناقشة الجذابة، التى تجعلنا نتحسر بسبب برامج «التوك شو» البلهاء، المليئة بالتلعثم والسطحية والانتقال الصفيق من نفاق إلى نفاق. إن النقاد يرون فى برنامج كولبرت فائدة للمشاهد تفوق بعض البرامج الإخبارية، وفى حديثه مع امينبور، سألها عن مستقبل الانتفاضة المصرية، فبدت متفائلة ومتحمسة، لكن بأسلوبه الساخر المحافظ، والمتعمد كما ذكرنا، فاجأها بقوله إن «جينات المصريين تجعلهم غير مهيئين للديمقراطية، ألا يخبرنا العلم بذلك؟»، ولأنها تعرف طريقته جيدا، انفجرت ضاحكة وأوضحت له العوامل والمتغيرات التى تدعم رأيها، وترجح انتشار ونجاح هذا المد الثورى فى المنطقة. وقد أنهى كولبرت اللقاء بقوله إنه يتمنى أن تكون على صواب، ولا أظن أنه أقل تأكدا منها.ولأن كولبرت قد ذكر العلم، والوراثة بالذات، عندما تحدث عن جينات المصريين، فاسمحوا لى ــ بحكم التخصص ــ أن أعلق على ذلك. لا توجد شعوب غير مهيأة جينيا، أو وراثيا، كقدر محتوم، للديمقراطية، بينما تنعم شعوب أخرى بهذه الجينات السياسية التى لا وجود لها!، لقد مرت البشرية كلها بفترات من النظم الاقطاعية، وحكم الأباطرة والجبابرة وأمراء الحروب، وغيرت الحركات والمذاهب الاصلاحية والتطورات الثورية من واقع هذه الشعوب، بأساليب مختلفة وفقا لظروفها وسياقاتها الثقافية والتاريخية، لكن البشر جميعا متساوون فى الحلم، الذى عبر عنه شعار ثورة يناير الأول «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، وذلك قبل استنساخ الشعار التونسى بكلماته ولحنه، الذى يطالب بإسقاط النظام. وهو استنساخ مشروع، لأن الهدف الأول لا يتحقق بدونه، والتوارث الذى يعين التطور فى بعض المجتمعات، بالمقارنة بمجتمعات أخرى، له طبيعة ثقافية وليست بيولوجية (أو جينية)، إنه توارث للنظم الأبوية، القامعة للحرية والمساواة وحقوق الإنسان، وها نحن نرى قدرة الثورات الشعبية، النابعة من الفطرة السوية للبشر، على دحره وإسقاطه. وكمقابل للجينات، باعتبارها وحدات التوارث البيولوجى فى الكائنات الحية، صك عالم الوراثة الشهير ريتشارد دوكنز مصطلح «الميمات» لتعبر عن وحدات التوارث الثقافى، هذه الميمات المتمثلة فى الأفكار والمفاهيم والأعمال الإبداعية ودروس التاريخ والخبرات البشرية، تنتقل من عقل إلى عقل ومن جيل إلى جيل، وتتطور وتتبدل بمعدل أكبر من الجينات، وهى مشتقة من أصل إغريقى يعنى التقليد والمحاكاة، كإحدى وسائل التعليم والتعلم البشرى. ويمكنها الانتظام فى عقائد وايديولوجيات ونظريات ومذاهب، متباينة فى درجة تماسكها واعتدالها وتطرفها، وقدرتها فى تحريك أتباعها من الفكر إلى الفعل، وهنالك من يحاول أن يقيم للميمات علما لا مجال لتفصيله هنا، حيث يعنينا الحديث عن نجاح «ميمات الثورة» فى إحداث الصحوة، التى تستحق أن نحافظ على زخمها.لا أشك لحظة فى أن «ميمات الثورة»، التى انعكست فى شعاراتها وأهدافها وأحدثت هذا التواصل الملايينى بين المشاركين فيها والداعمين لها، قد أطلقت صحوة غير مسبوقة. هذه الصحوة تمثل «طاقة شعبية هائلة»، وهى، كأى طاقة أخرى، لا تفنى ولا تستحدث، لكنها يمكن أن تتسرب، وقد ننتظر طويلا لاستعادة قوتها وعافيتها. وعلينا أن نجتهد فى منع تسرب هذه الصحوة التى دفع الشعب فيها ثمنا غاليا ومستحقا، ولتحقيق ذلك، يمكن تصور العمل على مستويين:المستوى الأول يتعلق بالمدى القصير، باستلهام المبادئ والأهداف التى قامت الثورة من أجلها، فى صياغة «الرؤية الاستراتيجية» لمصر التى نريدها. هذه الرؤية، التى تمثل الصورة الذهنية لمصر المـسـتـقـبـــــــل، ومكـانـتــهـــــــــا فى محيطها الاقليمى والعالم الذى نعيش فيه، ستكون هادية لنا فى وضع خريطة الطريق الذى يحققها، وتحديد اساليب وآليات المشاركة المجتمعية الواسعة فى انجازها. ولا يمكن ان يتم ذلك إلا بتوافق وطنى على الأهداف الكبرى، مع سماح كامل بتنوع وتعدد الآراء والبرامج المؤدية إلى ذلك، وطرحها على الشعب للاختيار فى مناخ ديمقراطى سليم. علينا أن نشرح ونطرح حلم الثورة فى إقامة «مصر المدنية الديمقراطية العصرية»، وأؤكد هنا ضرورة الشرح قبل الطرح، حتى لا تتسرب الصحوة فى تفسيرات جاهلة وجهولة (غزوة الصناديق)، كما حدث بالنسبة لنتائج الاستفتاء، حتى كادت تقضى على فرحتنا بإيجابياته. ولذلك، أكرر دائما أننا يجب ألا نحرص على تجديد الخطاب الدينى فقط، رغم أهمية ذلك القصوى، لكننا يجب أيضا أن نجدد «الخطاب التنويرى»، الذى ظل نخبويا ضيقا، ولم ينجح فى الوصول إلى قطاعات عريضة من الناس، علينا أن نوصل «الدعم التنويرى» إلى مستحقيه!!!أما المستوى الثانى فيتعلق بالمدى المتوسط والطويل، وهو يعنى بما أسميه «المستقبل العميق»، لأنه يهتم بتربية الأجيال الجديدة وإعدادها لمصر الجديدة. لا يكفى أن نقول إن شباب ثورة يناير أثبتوا ذلك بلا جدال، لأن مصر الجديدة تحتاج أن يكون كل الشباب مثلهم، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا «بنقلة نوعية» فى التعليم والإعلام والتربية السياسية والمدنية، والحياة الثقافية بشكل عام. وإن لم نعمل بجد على إنجاز ذلك، سنكون معرضين بشدة لتسرب طاقة الصحوة، وإعادة إنتاج السلبية عند البعض، والتطرف عند البعض الآخر، رغم وجود الفيس بوك والتويتر واليوتيوب، بل وباستخدامها!!! إن تربية جديدة تعلى من شأن العقلانية والمنهج العلمى والتفكير الناقد، وترسخ حرية التفكير والتعبير والإبداع والابتكار....إلخ، هى الكفيلة بمنع تسرب الصحوة من «المستقبل العميق» للوطن، وباستمرار روح الثورة بإذن الله، الذى لا يغير ما بقوم إلا إذا غيروا ما بأنفسهم. لقد حقق الله وعده، ووفقنا فى تغيير الحاضر عندما غيرنا ما بأنفسنا فى ثورة يناير، وبامتداد الصحوة وروح الثورة إلى الأجيال الجديدة، سيوفقنا فى تغيير المستقبل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل