المحتوى الرئيسى

> تقييم المخابرات الأمريكية لنوايا موسكو في حرب1967 «19»

03/26 21:16

كلنا نعرف بصفة عامة كيف تنشأ أجهزة المخابرات في أي دوله. هذه الأجهزة مهمتها ليست حماية الدولة من مخاطر داخليه، وإنما مهمتها الرئيسية حماية الأمن القومي لها ضد أي عدوان محتمل من الخارج. ولذلك فهي تجمع المعلومات عن نوايا الدول العدوة بل والصديقة أيضا، إذ ما قد يعد صديقا اليوم قد يصبح عدوا في المستقبل. مصادر المعلومات ليست كلها سرية وإنما تعتمد بصفة أساسية علي ما تنشره وسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات، والقليل -في عاصرنا الحاضر- تحصل عليه من وسائل سريه سواء من عملاء زرعتهم داخل دوائر هذه الدول العدوة والصديقة كما تعمل اسرائيل مثلا في تجسسها في الولايات المتحدة. وقد دخل العلم والتكنولوجيا الآن في خدمة أجهزة المخابرات عن طريق استخدام الأقمار الصناعية العسكرية والتجسسية التي تراقب التحركات العسكرية لهذه الدول بدلا من الطرق التقليدية القديمة التي كانت ترسل جواسيس لرصد مثل هذه التحركات وتبعث بتقارير بحبر سري قد تصل أولا تصل . ولكن مع كل هذا التقدم العلمي اكتشفت الكثير من أجهزة هذه المخابرات أنها لا تستطيع أن تستغني عن المصادر البشرية لأنها لا تستطيع الاستغناء عن معرفة النوايا الحقيقية للزعماء أو من بيدهم صنع القرار. لماذا هذه المقدمة؟ لقد استعرضنا في حلقات سابقة مواقف الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية مما حدث في العدوان الاسرائيلي عام 1967 ضد مصر وكيف أن موسكو وحلفاءها فوجئوا بهزيمة مصر والأهم من ذلك بحجم هذه الهزيمة بالرغم من إغداقهم الاسلحة المتطورة علي مصر وسوريا وبقية الدول العربية . كانت هناك مواجهات في تلك الفترة من الحرب الباردة بين الكتلتين الغربية والشرقية خاصة وأن الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة كانت تدعم اسرائيل دون حدود وتمدها بالمعلومات التي تحصل عليها عن أسلحة القوات المصرية وتحركاتها. المخابرات المركزية الأمريكية التي بدأت كجهاز صغير بعد الحرب العالمية الثانية ثم تشعبت وامتدت الي كل انحاء العالم وزادت ميزانيتها الي حد ضخم بعد نشوب الحرب الباردة والتنافس العسكري بين الكتلتين الأعظم كانت تراقب بقلق يتزايد العلاقات السوفيتية المصرية وخاصة بعد اقدام القاهرة علي الانفتاح علي موسكو قبل حرب السويس عام 1956 بعد امتناع واشنطون عن مساعدة مصر عسكريا حتي لو علي نطاق ضيق وامتناعها عن مساعدة مصر بالضغط علي البنك الدولي لسحب عرضه المساهمة في تمويل بناء السد العالي الخ... وبقية القصة معروفة. في يونيو 2007 أي بعد انتهاء فترة عدوان 1967 بمدة طويلة أفرجت المخابرات الأمريكية عن وثيقة أو دراسة هامة اجرتها في 16 مارس 1970 تحت عنوان " تقرير مخابراتي: سياسة الاتحاد السوفيتي وحرب 1967 بين العرب واسرائيل" سبق أن قدمته للرئيس جونسون والقيادات الأمريكية . يتضح من هذا التقرير الهام الرؤية الأمريكية تقديرها لنوايا موسكو وسياساتها تجاه القاهرة وتل أبيب وتطورات حرب يونيو 1967. نجد أن هناك فجوات كبيرة في التقرير المفرج عنه. مثلا يتضمن حذف أسماء الكثير من العملاء أو السياسيين الروس الذين استقت منهم هذه المعلومات. كانت هناك أيضا صفحات كثيرة بيضاء لأنها تتضمن معلومات تري المخابرات الأمريكية أن نشرها سيضر بالأمن القومي الأمريكي لأنها تكشف مثلا مدي تورط واشنطون مع اسرائيل وعلمها بما كانت تنويه من العدوان علي مصر. ومع كل هذا الحذف الا أن التقرير مفيد جدا لسببين الأول هو مدي علم واشنطون بنوايا وأنشطة موسكو في مصر وثانيا قدرتها علي مراقبة مثل هذه الاعمال والاهتمام الذي أولته لهذه العملية.التقرير مكون من 55 صفحة ويتضمن عرضا للسياسة السوفيتية حتي قبل نشوب الأزمة وقبل قيام الحرب مثل التزام موسكو السياسي بسوريا حتي ربيع عام 1966 ودفعها للتضامن المصري السوري، أي توريط القاهرة أو دفعها للدفاع عن سوريا ضد اسرائيل ، ثم استعراض ما تم من أنشطة محمومة قبل الحرب وكيف ساهمت الاشاعات في زيادة التوتر ورفع القاهرة من استعداداتها العسكرية واغلاق عبدالناصر في نهاية مايو 1967 لخليج العقبة وموقف الاتحاد السوفيتي من ذلك. ويستعرض التقرير في فصل كامل ما حدث اثناء العدوان الاسرائيلي ورد موسكو علي ذلك واتهام القاهرة لواشنطون ولندن بالوقوف وراء هذا العدوان وتهديد موسكو بالتدخل اذا لم توقف اسرائيل لعدوانها ورد فعلها لهزيمة القاهرة ودمشق واستغلالها لمنبر الأمم المتحدة لاستعادة هيبتها مع تحليل المواقف السوفيتية الداخلية والخلافات التي ظهرت بين القيادات السوفيتية الداخلية وكذلك تحول موسكو من تأييد المواقف السورية المتطرفة الي تأييد مواقف عبدالناصر المعتدلة. وينتهي التقرير بتحليل موقف موسكو حتي نوفمبر 1967. التقرير مثير للاهتمام وسنستعرضه في عدة حلقات قادمة لأنه يفيد في معرفة التفكير الأمريكي عموما تجاه هذا العدوان الإسرائيلي. التقرير مباشر فهو ليس دراسه تاريخية مفصلة وإنما يتناول ما حدث من تطورات بصورة مباشرة. في الحلقة القادمة سنتعرض الي ما جاء في التقرير عما حدث قبل نشوب الحرب وموقف الاتحاد السوفيتي من ذلك ويمكن أن نقارن بين ما جاء به مع ما استعرضناه من قبل من واقع وثائق حلف وارسو التي تعرضت الي مواقف الاتحاد السوفيتي وحلفائه. * امين عام الجمعية الأفريقية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل