المحتوى الرئيسى

> هل كسرت الثورة حاجز الاحترام؟

03/26 21:16

نشرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية، في عددها الصادر في يوليو من العام الماضي، دراسة بعنوان The long wait أو «الانتظار الطويل»، كانت تتنبّأ فيه ضمناً بما سيحدث في مصر من ثورة، عبر سرد معلومات عن التدهور في الوضع الاقتصادي وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية من المحيطين بالرئيس السابق حسني مبارك، وعدم مبادرته بوضع نهاية لها. كما قامت المجلة بتصدير غلافها بوضع صورة مركّبة للرئيس مبارك وهو يرتدي الزي الفرعوني علي شكل تمثال يغرق في رمال الصحراء. وكأن المجلة كانت تستلهم تصريحاً شهيراً لحكمدار مصر «الإنجليزي» وحاكمها لمدة ثلاثين سنة »جون راسل باشا« قبل ثورة 23 يوليو 1952م، يقول فيه: إن «المصريين مثل رمال الصحراء الناعمة، تستطيع أن تمشي فوقها مسافة طويلة، ولكنك لا تعرف متي تفاجئك وتتحرك وتبتلعك». وقتها، وقبل ستة أشهر، اعتبرت المجلّة أن التغيير قادم إلي مصر لا محالة، مشيرة في الدراسة - التي نُشرت بعنوان آخر هو "الرمال المتحرّكة": أن التغيير قادم إلي حلفاء الغرب العرب - كما أن كل المؤشّرات تؤكّد أن هناك تغييراً وشيكاً علي الساحة في مصر. والحقيقة أن التوقع الجيد للمجلة لهذه الثورة بناء علي معطيات سلبية سياسية واقتصادية، كان افتراضاً لم يغفله أحد في مصر، ولكن ظل السؤال: من يقوم بهذه الثورة؟ وهل خصائص «الصبر» التي يتحلي بها الشعب المصري علي حكامه بحسب التاريخ جعلته ساكناً بعد ثلاثين عاماً من حكم «مبارك»؟ ولم تتأخر الإجابة، عندما انطلق الشباب، وسالت الدماء، لينضم لها عفوياً كل أصحاب المظالم في مصر؛ سواء سياسياً أو اجتماعيا أو اقتصادياً، ويتم الإطاحة بجميع رموز الفساد وعلي رأسهم مبارك. لقد نجح شباب مصر في صنع واحدة من أهم انتفاضات هذا الشعب بعد 30 عاماً من الجمود والإحباط، وبعد أن تصور الكثيرون أن الشعب المصري لم يعد قادراً علي الثورة ولا حتي الاحتجاج وأن شبابه قد غيب بفعل فاعل عن هموم وطنه وعن كل ما له علاقة بالعقل والسياسة، ولم يعد أمام الناس إلا الدعاء من أجل التغيير. لقد كسرت الثورة العديد من الحواجز التي كان من المستحيل تخطيها، وعلي رأسها حاجز الخوف، ولكن يبدو أنها كسرت أيضا حاجز الاحترام الذي يعد في رأيي أحد أهم الحواجز التي يتميز بها الشعب المصري. لقد فوجئت بحديث صحفي للمهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق، نشر الأسبوع الماضي في إحدي الصحف الخاصة، تحدث فيه عن الثورة والرئيس السابق مبارك، وتطرق الحديث إلي الفساد الذي استشري في البلاد خلال الحكم السابق ... الخ. في البداية ليسمح لي القارئ العزيز أن أسجل أولا كامل احترامي وتقديري لشخص المهندس الكفراوي، فهو صاحب إنجازات أعتقد أنها لن تكرر لا سيما فيما يتعلق بإنشاء المدن الجديدة، وتحويل الساحل الشمالي إلي أحد أهم مناطق الاستثمار في مصر بعد أن كان مرتعا للخارجين علي القانون. أيضا هو أحد الذين تصدوا للفساد داخل وزارة الإسكان فيما بعد من خلال تصريحاته التي كشف فيها عما ما يجري داخل كواليس الوزارة من محسوبيات وإهدار للمال العام ، والسماح لأحمد عز ومن هم علي شاكلته باحتكار صناعة الحديد والأسمنت، مما أدي إلي الارتفاع الجنوني لأسعار الشقق التي حرم منها غالبية الشعب المصري. وقد دفع ذلك الرئيس السابق بأن يصدر تعليماته إلي معاونيه مع نهاية عام 2009 بمنع الكفراوي من الإدلاء بأي تصريحات صحفية أو تليفزيونية. ومع اندلاع الثورة، وخروج الرئيس السابق، وجد الكفراوي ضالته في العودة إلي تصريحاته النارية، التي بدأت من خلال أحد برامج التوك الشو، وبعدها كان الحديث السابق الإشارة إليه، حيث أتهم الرئيس السابق بأنه وراء اغتيال الرئيس السادات، مؤكدا أن لديه ما يثبت ذلك، وهو ما دفع السيدة رقية السادات إلي رفع دعوي قضائية ضد مبارك مستشهدة بما قاله الكفراوي " الذي عاد وقال في مداخلة تليفونية مع أحد البرامج أنه لم يقل هذا الكلام في حين أكد محامي رقيه أن الحديث بصوته موجود تحت يديه"، ليس هذا هو المهم، لكن أن يقول سيادته عن مبارك أن الرئيس السادات عندما عينه كان يريد حمارا في هذا المكان، فهذا هو العيب، أنا لست مع مبارك ولا أدافع عنه، أنما أتحدث عن شخص كان في يوم من الأيام رئيسا لمصر. أيضا أن يقول سيادته أنه يجب إعدام مبارك وزوجته رميا بالأحذية فهذا أيضا لا يليق بشخص الكفراوي الذي تجاوز عمره الثمانين عاما. من هنا أقول أنه لا يجب أن تفقدنا نشوتنا بالثورة خصوصية احترام الغير، صغيرا كان أو كبيرا، فالشخص الذي يخطئ هناك جهات مسئوله تحاسبه علي خطئه، لكن أن يهين بعضنا الآخر، وأن نشارك في كسر حاجز الاحترام، فهذه سقطة كبيرة قد تحسب علي الثورة، والثورة والثوار منها براء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل