المحتوى الرئيسى

رضا حماد يكتب: هل يؤمن المجلس العسكري بالثورة؟

03/25 23:19

هل حقاً يوجد إجماع في المجلس العسكري على أن مصر صنعت ثورة لها استحقاقات تختلف جذرياً عما نشهده من إجراءات بطيئة وحذرة؟ هذا مجرد سؤال لا يستند إلى أية معلومات، لكنه صريح وتطرحه كثير من الحوادث والأحداث المتواترة منذ بدء الثورة.لكن قبل الخوض في تفاصيل ودلائل طرح هذا السؤال، يجب التأكيد على أن القوات المسلحة أثبتت وعن جدارة أنها الدرع الواقي لهذا الوطن، وأنها بقيت شامخة وطنية، تدرك واجبها، ومسئوليتها وسط حالة عامة من التردي وطوفان من الفشل والفساد غمر كافة مؤسسات حكم مبارك.أيضا، لا نغفل حجم التضحيات التي يبذلها رجال القوات المسلحة منذ بداية الثورة وحتى اللحظة في مواجهة ميليشيا شبة عسكرية تضم رجال أمن وبلطجية وعملاء للمباحث في الوزارات والمصانع والكنائس والمساجد وهم يحاولون تدمير أركان الدولة، وإجهاض الثورة، بالتآمر والبلطجة وإشعال الحرائق بين أبناء الأمة المصرية قبل البنايات، وإذا كانت القوات المسلحة لا ترغب في الإفصاح عن عدد شهدائها في هذه المواجهات، فإننا جميعاً نقر بأنه لولا هؤلاء الجنود الشرفاء المنتشرون في الشوارع لكنا أمام وضع أسوء بكثير مما نحن عليه الآن.أعود إلى السؤال حول مدى إيمان أو اتفاق أو اقتناع المجلس العسكري بأن ما حدث يوم 25 يناير هو ثورة كاملة، تستوجب هدم النظام الفاسد بالتوازي مع البناء وإن كنت شخصياً أفضل الهدم قبل البناء لا بالتوازي معه.هناك دلائل كثيرة تدعو للتأمل بشأن هذه القناعة أو الاتفاق بدءً من الإصرار على حكومة الفريق شفيق ثم التباطؤ في حسم الملف الأمني وحل أمن الدولة، وحالة ما يسمى بالقبضة الناعمة في مواجهة مؤامرات أذناب النظام السابق، ثم الإصرار على إجراء تعديلات دستورية بدلاً من إعداد دستور جديد يعبر بنا إلى وطن نملكه جميعاً.الحديث تفصيلاً عن كل هذه الدلائل يتطلب عدة مقالات، لكن، نظراً إلى أن بعضها أصبح من الماضي مثل الفريق شفيق وحكومته، لا يبقي لنا سوى مناقشة دلائل الإبقاء على هياكل النظام السابق وفتح ملف الفساد على استحياء ليظهر بحجم يخالف الحقيقة.   إن غض الطرف عن مئات الشخصيات التي صنعت الفشل والفساد مع مبارك، يوحي  بأن أشياء كثيرة نجهلها تدور في الكواليس، أخشى أن يكون مصدرها أن بين القائمين على إدارة البلاد من لا يؤمنون حقاً بأن مصر صنعت ثورة تستحق تغييراً جذرياً وهدماً لأركان نظام فاسد لا مجال ولا فائدة من إصلاحه.لقد جري اختصار ملف الفساد المالي ونهب ثروات مصر في عدد قليل جداً من الوزراء ورجال الأعمال، وبدا الأمر وكأننا علقنا فأس الفساد والنهب واستباحة أموال الدولة في رقبة عز وجرانة ورشيد والمغربي والعادلي فقط، لقد قرأت نبأ تجميد أموال وممتلكات هؤلاء أكثر عشر مرات في الصحف،وأحياناً يتكرر الخبر في الأسبوع مرتين وكأننا ندور في حلقة مفرغة وكأن الفساد توقف هنا ولم يتنشر في شرايين الدولة وكبار رجال السلطة في كافة المواقع. صحيح أن هؤلاء هم عتاة الفساد، وأباطرة النهب العام، لكن ماذا عن الفرعون الأكبر وزوجته وأبناؤه،  ثم ماذا عن الفاسدين الصغار الذين احتكروا السلطة والمال بعيداً عن أضواء العاصمة في المدن والقرى وكانوا المزورين للانتخابات والاستفتاءات، المحتكرين للمناصب والوظائف والأراضي، ناهيك عن ملف الفساد السياسي نفسه والذي لم يعد محل نقاش ولن يفتحه أحد وكأن ما حدث في مصر من إغواء لقادة الأجزاب وتجريف السياسة وتزييف إرادة الشعب على مدى ثلاثين عاماً، لا يستحق أن نفتح ملفه ونحاسب المسئولين عنه.أين بقية الفاسدين، أين الموظفون الكبار ورجال الدولة، هل يوجد ملف يحصى ملاك الفلل والقصور في ضواحي العاصمة والمنتجعات بطول الساحل الشمالي وسيناء والبحر الأحمر، وثم ماذا عن هؤلاء الذين كلفناهم  بالتحري عن الفاسدين وتقديم تقارير عن ثوراتهم، هل سنجد بينهم من يدلنا بصدق وأمانة على ممتلكات أعضاء الهيئات الرقابية وكبار الضباط في منتجعات مارينا وهاسدينا وأخواتهما في البحر الأحمر، أو نجد من يفسر لنا كيف لموظف عام أن يمتلك فيلا بعدة ملايين يمضي فيها أبناؤه عدة أيام في السنة.هؤلاء جميعاً باقون في مواقعهم يمارسون أعمالهم بأمر المجلس العسكري من أول عمدة القرية حتى عميد الكلية مروراً بالمحافظ وأباطرة الحكم المحلي الذين عينتهم أمن الدولة وفق شروط نعملها جميعاً، هل هي صفقة أم ضغوط، أم مخاوف من أكاذيب تحذر من مخاطر انهيار الدولة إذا تمت الإطاحة بأعمدة النظام في الإعلام والجامعات والمحليات ، أم أن الحقيقة التي لا نتمناها تكمن في ضعف الإيمان بمعاني الثورة وقيمتها واستحقاقاتها ومتطلبات نجاحها.الفاسدون في المحليات والمزيفون المتلونون في الإعلام والجامعات ليسوا هم أركان الدولة ولم ولن يكونوا يوماً عامل بناء، بل هم معاول هدم وإفساد وخراب مصر على مدى الثلاثين عاماً الماضية، ولا يوجد عاقل يوافق على أن مصر ستنهار إذا كنسنا من على وجه الأرض المحافظين ومعاونيهم والوجوه الإعلامية والجامعية الكريهة.والمحزن في الإبقاء على هؤلاء في مواقعهم أنه صادهم لروح الثورة ودماء الشهداء،  فبدلاً من أن يحاكم هؤلاء ويتم التفتيش في ثرواتهم وثروات أبنائهم وأقاربهم، يكافئون بالبقاء في مناصبهم وكأن حدثاً جللاً لم يحدث في مصر هز أركانها وقطع رأسها الفاسد.أخشى أن يكون الإلحاح على إظهار الذين قُدموا للمحاكمة مجرد محاولة لإغلاق ملف الفساد، أو عملية تطهير جزئية تضحي بالوجوه المكروهة سلفاً من العسكريين قبل المدنيين ترضية للخواطر وذراً للرماد في العيون.لذلك لا ينبغي أن تكون محاكمة عز وبعض أعوانه من رابطة وزراء الفساد نهاية القصة وإغلاق للملف وإلا فإننا لن نكون أمام ثورة بل مجرد كبش فداء لمبارك عائلته وحزب كبير اسمه حزب الفاسدين في مصر.  أعتقد أنه إذا أراد القائمون على حكم البلاد التأكيد على إيمانهم بثورة الشعب المصري فمن الضروري ألا تتأخر عملية التطهير الشامل أكثر من ذلك، حتى لا تتحول مناطق كثيرة مثل كلية الإعلام ونفاجئ بقرى تتظاهر لإقالة عمدة من بقايا نظام أمن الدولة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل