المحتوى الرئيسى

معرض «أعماق البحار» يحط في الدار البيضاء كاشفا عن عالمه الخفي

03/24 14:49

بعد لوس أنجليس وباريس وشنغهاي وهونغ كونغ ومدن أخرى حط معرض «أعماق البحار» في «حوض الحوت» في الدار البيضاء، الذي فتح أبوابه بشكل مؤقت لهذه المناسبة بعد أن ظل مغلقا لما يقارب ربع قرن. اكتشفت كلير نوفيان، وهي مؤلفة ومخرجة أفلام علمية وأفلام عالم الحيوانات، في حوض الأسماك «مونتراي» في ولاية كاليفورنيا الأميركية، صورا نادرة وفريدة من نوعها تعكس حياة أخرى في أعماق البحار. صور دفعت بنوفيان إلى الغوص في هذا العالم العجيب والمجهول من أجل إخراجه للوجود والكشف عن معالمه الخفية والسرية لأكبر عدد من سكان العالم. في عام 2006 ألفت نوفيان كتابا سمته «الأعماق» يتطرق إلى عدد من الظواهر حول سبل الحياة ونمط العيش، لدى الكائنات التي تعيش في أعماق البحار، ونشرت صورا مذهلة لم يتم نشرها من قبل. وترجم هذا الكتاب، الذي أضحى من المراجع الأساسية في عالم البحار، إلى لغات مختلفة. عشق كلير نوفيان للأعماق لم يتوقف عند هذا الحد، إنما جعلها تستلهم تصورا حول معرض «أعماق البحار» الذي ساعدها في إخراجه إلى الوجود عدد من الباحثين من مختلف أنحاء العالم، وفروا لها مجموعة مختلفة ومتنوعة من الصور والعينات السمكية التي لم تعرض من قبل. وتجدر الإشارة إلى أن المحيطات في العالم بأسره ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، ولا يعرف أغلب سكان الأرض منها إلا السطح. إذ تمثل الأعماق وحدها ثمانية وتسعين في المائة من المساحة التي يمكن أن يتطور فيها منحى الحياة. في أواخر القرن التاسع عشر بدأ المولعون بعالم البحار باستكشاف أعماقها، ولم تتطور هذه العملية إلا في بداية الثلاثينات مع المستكشف ويليام بيبي. إلا أن غواصات «أوغست بيكار» التي اقتحمت المحيط الهادي عام 1960 أحدثت قفزة نوعية لا مثيل لها في هذا الميدان بعد أن تمكنت من الهبوط عشرة آلاف وتسعمائة وستة عشر مترا في خندق «مريانا» الذي يعد الأعمق في المحيطات جميعها، لتحقق بذلك رقما قياسيا لم يتمكن أحد من تحطيمه إلى غاية يومنا هذا. ويصف الغواصون أعماق البحار بالمنطقة المظلمة في قاع المحيطات والتي تتجاوز ألف متر، وتتميز بظلمة مطلقة وبرد قارس، حيث درجة الحرارة لا تتجاوز درجتين أو ثلاث درجات. وهي أرضية تتأقلم فيها الكثير من المخلوقات البحرية التي لا تصل إلى الأعالي. يبدأ معرض «أعماق البحار» بدخول غرفة تهيئ الزائر للمرور إلى عالم الأعماق، بعدها يدخل قاعة داكنة مظلمة تتمايل على جدرانها ألوان مختلفة، تتباين لك من الوهلة الأولى وكأنها احتفالية أو معرض للفن التشكيلي، بالفعل هو كذلك، لكن لوحاته هي صور حقيقية لمخلوقات مجهولة مرصعة في مربعات بإضاءة خلفية خفيفة، وإلى جانبها لوحات تحدد لك أسماء هذه المخلوقات ومعلومات عن نمط عيشها والعمق الذي تصل إليه، وكذا الغواص الذي اكتشفها. ويتوسط بهو هذه القاعة واجهات زجاجية تضم حيوانات بحرية وأسماك نادرة محفوظة بشكل علمي لكي تبقى على طبيعتها وكأنها ما زالت حية. كما تشتمل أيضا على قاعة مصغرة لعرض فيلم وثائقي من 12 دقيقة يقرب الزائر من حياة هذه الحيوانات البحرية وكيف تمارس أنشطتها في عالمها الخاص. تختلف اللوحات المعروضة وتعرض على حسب قياس أعماق البحار، فابتداء من مائة متر وحتى خمسة آلاف متر تختلف الحياة في المياه غير العميقة والأخرى العميقة. أو كما قسمها المنظمون إلى الحياة في المياه الوسطى والمياه في قاع المحيطات. المياه الوسطى رغم عدم عمقها بقيت غامضة لفترة طويلة، ويرجع ذلك لأن الغواصات في وقت سابق عبرت هذه المنطقة بأضواء منطفئة وبأسرع وقت توفيرا للطاقة من أجل اكتشاف القاع. لكن عندما تم الغوص في منطقة «البحر المفتوح» في الثمانينات، تم الكشف عن وجود وفرة هائلة من الكائنات الحية، ولا سيما المخلوقات الهلامية العملاقة الحجم، التي تشكل أكبر عدد من الكائنات الحية على الأرض. وعلى الرغم من أن مستويات الضوء تنخفض في المحيطات، فشعاع الضوء يصل حتى عمق 150 مترا تحت سطح الأرض، و99 في المائة من الضوء يتم استيعابه بواسطة مياه البحر، أما الضوء الخافت المتبقي فهو يحول المنطقة إلى مسرح ضخم الظلال بوضوح على خلفية أكثر إشراقا، وتعد هذه المنطقة الأشد خطورة، وتضم الحيوانات الشفافة التي تختلف في ألوانها بين الأحمر الزاهي والبني الداكن، كما هو حال «قنديل البحر» و«السحارات» و«السالب» و«الكتيتوفور» التي تشكل جزءا من العوالق لأن أجسامها الجيلاتينية تتكون من ثمانية وتسعين في المائة من الماء والكولاجين. ومن 200 إلى 600 متر في ظلمة المحيطات تتوفر الحيوانات على حوامل ضوئية، وثمانين إلى تسعين في المائة من كائنات هذا العمق تنتج الضوء الذي يمكنها من الصيد والاتصال والجماع وأيضا الدفاع عن نفسها، في حين أن الكائنات تحت الألف متر تتسابق للظفر بالغذاء في ما بينها، فمثلا السمك الثعبان يملك أسنانا كبيرة وحادة تتجاوز فمه لكي لا تجرح فمه، أما «الأنقليس» أو «الساكوفارانكس» فيملك فكين ضخمين ومعدة قابلة للتمدد لتسع حجم فريسته التي قد تكون في حجمه. ويتوجب على هذه الكائنات أن تتوفر على قابلية للطفو تمكنها من انتظار فريستها دون أن تبدد طاقتها في البقاء في تلك الأعماق الصعبة. والأعماق تحت الألف متر تفتقر إلى الضوء تماما، لهذا يطلق عليها اسم «المنطقة المعدومة الضوء» حيث يسود الظلام الدامس داخل هذه المنطقة الكبيرة، إضافة إلى ذلك فدرجة الحرارة لا تزيد عن 4 درجات مئوية، ومصادر الغذاء الوحيدة المتوفرة هي من الفتات الذي تجود به المياه الضحلة التي سبق تناول أغلبيتها في الطريق إلى الأسفل من طرف الكائنات التي تسكن الكيلومتر البحري الأول. وفي عمق 2500 متر تتنوع مظاهر الحياة، فالكائنات الغريبة بأحجامها وأشكالها تثير استغراب من يتعرف عليها للمرة الأولى، فهي تختلف تماما عن البيئة البازلتية لتلال الصدع. ففي هذا العمق تم اكتشاف المداخن الحرارية المائية التي يصل ارتفاعها ما بين 15و20 مترا، تحيطها غابات عضوية تتألف من أنابيب بيضاء متشابكة من الديدان العملاقة وأعمدة حمراء، وحقول من المحار، وهذه المنطقة التي تتوفر على درجة حرارة جد مرتفعة، فهي تحوي مجموعات هائلة من الروبيان الأعمى أو ما يسمى بالقريدس واللافقريات التي تعيش تحت الرماد البركاني. وتستطيع هذه الحيوانات العيش في بيئة مماثلة تفتقر إلى الضوء، من خلال تشبعها الذاتي الكربوني بالتركيب الكيميائي. إذ تشكل البكتيريا بديلا للنباتات الخضراء. وهي أساسية لتشكيل هذه الواحات لأنها قادرة على تحويل كبريتيد الهيدروجين أو الميثان إلى مواد عضوية، وهناك مخلوقات معينة تعيش بتكافل معها مثل بلح البحر العملاق، والشعاب المرجانية الجورجونية والنجوم الهشة والسرطانات. يقول الباحث تشارلز ويفلي طومسون: «أمور غريبة وجميلة جلبت لنا من وقت لآخر، والتي يبدو أنها تعطينا لمحة عن عالم غير مألوف». والحياة في قاع المحيطات هي بالفعل غير مألوفة، ففي الماضي كانوا يعتقدون أنها صحراء مسطحة، تفتقر إلى الحياة، أما اليوم ففي أعماق البحار تتنوع الحياة، فثلاثة أرباع قيعان المحيطات العميقة مسطحة جدا ومكسوة بطبقة من الطين يصل عمقها إلى مئات الأمتار السميكة. ورغم الإضاءة الحيوية الخافتة التي تنتجها الحيوانات لنفسها، فأعماق البحار تظل مظلمة لنمو النباتات، لهذا السبب تتشكل جميع أشكال الحياة في أعماق البحار سواء من ميكروبات أو حيوانات. وتتكون أعماق البحار من مجموعة من الحيوانات في غياب النباتات والأشجار: كشقائق النعمان البحرية والشعب المرجانية والديدان والظباء، إضافة إلى قطعان من قنفذ البحر وخيار البحر، وهي جميعها تتغذى على الطين. بعيدا في هذه الأعماق الغامضة يكتشف الزائر حياة مليئة بالمتعة والذهول، حيث تعيش كائنات تشبه المخلوقات الغريبة التي نراها في أفلام الخيال، وتظل هذه الكائنات صعبة المنال وغير معروفة في التاريخ البشري. هذا المعرض يركز على كشف الحجاب والتعريف بهذه المخلوقات من خلال المعلومات المرفقة بكل شكل وصنف، أو حتى من طرف الدليل الذي يرافق الزائر لمده بمعلومات وافرة حول هذا العالم وهذه المخلوقات النادرة. ويفيدنا دليل المعرض بأنه خصصت خمس غواصات مصممة لغرض البحث العلمي، هي التي أتت بهذه الكائنات المعروضة والمثيرة، مثل أخطبوط المجسات المضيئة والشيطان الأسود، وحيوانات أخرى عملاقة كالعنكبوت الياباني ذي السيقان الأربع التي تصل إلى أربعة أمتار. إلى جانب هذه الحيوانات العملاقة هنالك مخلوقات صغيرة كالسمكة الغريبة التي تتمتع برؤية مجهرية والتي تطلق ألوانا مختلفة من الأضواء الحمراء والخضراء والزرقاء يطلق عليها «ستوبلايت لوزجو». كما أن المعرض يضم هياكل عظمية لمجموعة من الأسماك الحقيقية، ومن بين ما يميز هذه المعروضات هيكل الحوت الكبير الذي تستقر جثته في الأعماق لمدة تزيد عن 50 عاما، حيث إنه بعد مماته واستقرار جثته نحو ساعتين تقريبا تستفيد باقي الأسماك، منها القرش والزبالون، بلحم هذا الحوت الميت، وما إن يتم تجريده من اللحم حتى يأتي الدور على مخلوقات أخرى تتغذى على بقاياه العظمية كالدودة المزهرة آكلة العظم، وهي دودة جد صغيرة يصل طولها إلى ملليمترين اثنين وتتغذى على زيت عظام الحوت لسنوات بعد موته. ولا تنحصر أهداف المعرض في التعريف بهذه الكائنات وبنمط حياتها فحسب، إنما عمل القائمون على تخصيص حيز مهم من أجل التعريف بمخاطر التلوث البيئي الذي يحدق بالبحار، وبالتعريف بالصيد الجائر أو ما يعني أخذ السمك من المحيط بوتيرة أسرع من وتيرة تكاثرهم. ومن خلال دراسة قام بها المختصون بات الإنسان يصطاد ويستهلك أكثر مما يمكن للطبيعة أن تعطي. وبالتالي بدأت بعض الأصناف في الانقراض أو النمو بشكل بطيء جدا كأسماك القرش التي ليس لها سوى عدد قليل من الذرية خلال حياتها. فيمكن أن يستغرق 10 سنوات فقط لصيد أسماك القرش حتى الانقراض، لكن يستلزم 100 سنة لاسترداد أعدادها. جال معرض «أعماق البحار» مجموعة من المحطات، حيث انطلق أول مرة من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، ليصل بعدها إلى هونغ كونغ ولواندا وتايبيه وشنغهاي، ليحط الرحال هذه المرة في حوض الأسماك القديم بالدار البيضاء الذي شيد عام 1950 من طرف المهندس جورج ديلانوي، حيث جمع فيه بين البساطة والغنى الهندسي. ينقسم المبنى الذي فتح أمام الجمهور عام 1962 إلى قسمين مختلفين، قسم للأبحاث وحوض للأسماك يميز مدخله مسبح مزلج هو مخصص في الأصل لكلاب الماء، يربط بينهما برج الضغط المرتفع بسبع طبقات، والذي يحتوي على نوافذ دائرية. غير أن هذا الحوض الذي يشرف عليه «المعهد الوطني للأبحاث في أعالي البحار» أوقف أنشطة مسبحه وأحواضه نظرا لتلوث مياه البحر، كما أغلق في وقت سابق ولمدة تجاوزت 25 سنة، ليفتح من جديد لاستقبال معرض «أعماق البحار».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل