المحتوى الرئيسى

مقومات تحقق الوحدة وانهاء الإنقسام السياسي بقلم:آمال أبو خديجة

03/23 23:19

كيف يتحقق إنهاء الانقسام الفلسطيني وسيادة الوحدة من عرف شعب فلسطين لا بد أن يعرف كم كان هذا الشعب، وما زال يملك قوة الإصرار والعزيمة في البقاء والتضحيات، لأجل أن يحقق كرامته ووجوده، ومع مراحل نضاله العديدة، كان هذا الشعب لا يُعرف عنه إلا قوة التوحد والتلاحم والتآلف والمحبة في نضاله وكفاحه، فكان يضرب أعظم المثل لشعوب العالم كلها في كيفية تحرير الأرض والإنسان، واسترداد الحق من الاحتلال، ورفض لكل أنواع القمع والعدوان، وبقي ذلك الشعب متوحدا متماسكا بقيادته وأفراده حتى ألمت به نكسه مرضية، ما كان يُتوقع حدوثها في وسط هذا الشعب، حيث كان من الُمستبعد أن تحدث فرقة ونزاعات فئوية وحزبية في داخله، بل كان محرما ومستحيلا على العقل الفلسطيني، والذات الفلسطينية، أن تقبل بحدوث مثل تلك الكارثة والتي أوقعت وبالا كبيرا على قضيتنا وشعبنا، وأضاعت الوقت الكثير، والمكاسب الكبيرة، التي كانت ستحقق لمصلحة جميع أفراد الشعب. فمنذ عام 2006 وضعت فجوة كبرى في داخل الشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا، حيث قُسمت الأرض وجُزأ الشعب ليصبح هناك قيادتان وحكومتان وأيضا شعبان، فتشكل انفصام ما بين الإنسان الفلسطيني ووطنه رغما عنه، لكن هذه المرة ليست من فعل الصهاينة وحدهم، بل بسبب الخلل الذي أصاب فكرنا السياسي وقيادتنا الحزبية . ومنذ تلك النكبة الجديدة في تاريخ قضيتنا، والشعب الفلسطيني يعاني ويخسر الكثير، ويدفع الثمن الكبير في كافة مجالاته، فانشغال القيادات الفلسطينية في المشاحنات السياسية والصراعات الحزبية، جعل الكيان الصهيوني يستغل ذلك الحدث لمصلحته، ليحقق مزيدا من مطامعه ضد هذا الشعب، فزاد الاستيطان والاستيلاء على الأرض، وازداد أعداد المعتقلين، وهدم البيوت وتهويد القدس، وغيرها من الممارسات العدوانية الظالمة، كما كان لذلك الانقسام والصراع الأثر السلبي على نفسية المواطن الفلسطيني، وعلى حياته الاجتماعية والاقتصادية، الذي بدأ يشعر بالإحباط ، وفقد الثقة بالمسئولين والأحزاب السياسية، وما عاد يرجوا ويحلم إلا بسيادة الهدوء، والاستقرار السياسي، ورؤية الوحدة والمحبة بين أفراد شعبة وقيادته، كما كان لذلك الأثر، زيادة الإحساس بالاغتراب داخل الوطن، ونقص في حب البذل والعطاء، فأصيبت الذات الفلسطينية بالضعف والانهزام الداخلي، وعدم الحرص على ما يدور حول قضيتها، أو الانزواء بعيدا، وذلك بسبب تشرذمها وتفرقها، وانشغال القيادات الحزبية في حسابات يحققها كل من الطرفين لمكاسب حزبيه وفردية، كما ساد الشعور بالخوف والقلق والتوتر والإحباط ، وعدم الإرادة في الإنجاز، وسيادة الأفكار السلبية وارتفاع نسبة العنف، وتأثرت العلاقات الاجتماعية بين الناس، فأصبحت كثير من المجالس لا يدور فيها إلا التأيد لحزب ما أو اللعن والشتم له، مما ولد كثير بين الأسر الواحدة والعائلات والجيران، أحقاد وشحناء ومنازعات، بل وصلت إلى حد المخاصمة الدائمة بين الأهل والأحباب، ووصل الحال أن يؤثر على عادات الناس في اختيار شريكة الحياة في الزواج، أو الأغنيات التي توضع في ذلك الاحتفال، ولم ينجو الأطفال والمدارس مما حصل، حيث أصبح أطفالنا لا يتحدثون إلا بنهج التعصب الحزبي، وانشغلوا في أمور لا تتناسب مع المرحلة العمرية لهم،فدخلوا في دائرة العنف والحقد على غيرهم من الأطفال أو المسئولين السياسيون، نتيجة ما يشاهدونه من نماذج حية في أسرهم وواقعهم، كما تأثرت الأوضاع الاقتصادية بخوف المستثمرين لعدم استقرار الوضع السياسي والذي لا يعرف نهاية له، فقيدتهم من أن يقبل أحد منهم على الاستثمار في فلسطين، وكان لاستمرار الحصار لقطاع غزة أثرا شديدا على تدمير الاقتصاد فيها، وانقطاع التبادل التجاري ما بين قطاع غزة والضفة الغربية، وزيادة في نسبة الفقر وخاصة في قطاع غزة، كذلك تأثرت عملية التوظيف والحصول على عمل، وذلك بسبب الاعتماد في ذلك فقط على التوجهات السياسية والحزبية . وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي تغيرات سياسية في معظم دوله، والتي ستنعكس على تغيرات في كافة مجالاته المجتمعية ، واقتناع كثير من القيادات بضرورة الانتباه إلى الذات الفلسطينية، وتوجيه النظر إلى ما يعانيه الشعب الفلسطيني جراء ذلك الانقسام والتشتت، والالتفات إلى ما خسره الفلسطينيين من تعاطف مع قضيتهم والإيمان بها، وعدم تحقق شيء لمصلحة الشعب الفلسطيني من جراء المفاوضات، والتي يستغلها الكيان الصهيوني لأجل تحقيق غاياته وكسبا للوقت، وضرورة أن يَحدث التغير في صفوف المجتمع الفلسطيني، وتوقيف لهذا النزف الدائم، والمعاناة المستمرة، فجاءت نداءات عديدة من شباب وقيادات فلسطين ومؤسساتها، بضرورة إنهاء ذلك الانقسام، والعودة للوحدة والمصالحة الوطنية، والتي من خلالها، يمكن أن يعيد هذا الشعب بناء قوته، ولملمت ذاته، حتى يعد نفسه من جديد، للمرحلة القادمة في صراعه مع الكيان الصهيوني، والتي ستسعى من خلال للسيطرة على القدس كاملة، وأراضي الضفة الغربية . وحتى تتحقق المصالحة الفلسطينية بين كافة أطيافه وألوانه، وخاصة بين طرفي النزاع الأكبر بين فتح وحماس، وحتى ينتهي ذلك الانقسام والتشرذم بين صفوف الشعب الواحد، وإعادة الكل لهيكل وبناء واحد، وتحت قيادة واحدة، فلا بد أن تظهر مقومات أساسية لذلك البناء، حتى يكون بناءا ثابتا وقويا لا تهزه عواصف التأثير الخارجي، والضغوطات الداخلية والإقليمية . لذا حتى تبنى الوحدة وتتحقق، لا بد من تغيرات نفسية وفكرية في داخل كل ذات فلسطينية، لها يد في عملية الإنهاء للانقسام، وإحداث المصالحة الوطنية، ومن تلك الأسس والمقومات الذاتية قبل أن تكون خارجية أو بيئية هي : أولا: يجب أن يظهر الصدق الداخلي في عملية إحداث المصالحة وتحقيق الوحدة من كل من الطرفان المتخاصمان. ثانيا: أن تخلص النوايا اتجاه تلك المصالحة، بحيث تكون لأجل مصلحة الجماعة والشعب، وليس لمصلحة حزبية أو فردية. ثالثا: ضرورة التغير للقناعات الفكرية والعقلية، حول رؤية كل طرف للطرف الآخر، والاقتناع أن لا مجال إلا للمصالحة . رابعا: أن يتحقق التوازن الانفعالي والفكري في عملية الحوار، ولا تغلب العواطف وشدة الانفعال والتعصب الفكري. خامسا :أن يتم احترام كل طرف للطرف الآخر، والعمل على الاستماع والإنصات إليه، وعدم التقليل من صحة رأيه . سادسا: أن يتم تحديد هدف ورؤية واضحة، من وراء تحقيق تلك الوحدة والمصالحة . سابعا: أن تستبعد الشخصيات التي فقدت التوافق والإجماع في الصف الفلسطيني. ثامنا: إيجاد قيادات جديدة تكون من الشباب الطموح والمعطاء، والذي لديه رؤية واضحة اتجاه قضيته وأمته. تاسعا: أن يتم عرض نتائج الحوارات أمام الشعب للإطلاع عليها بشفافية كاملة. عاشراً : أن يتم تقديم التنازل من كل طرف لما فيه مصلحة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ولا يعارض ثوابتنا الوطنية والدينية . حادي عشر: أن يتم إيقاف كل وسائل التحريض أو الإشاعة حول الطرف الآخر، سواء كان في الوسائل الإعلامية أو غيرها . أثنى عشر :أن يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من الطرفين سواء في قطاع غزة، أو الضفة الغربية . ثلاثة عشر: إعادة فتح المؤسسات المجتمعية التابعة لكل من الطرفان، والتي أغلقت على خلفية فكرية أو حزبية، واحترام دورها الريادي في خدمة المجتمع . أربعة عشر: أن يتم السماح للتعبير عن الرأي للفرد الفلسطيني أينما كان، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وعدم المسألة حول ذلك، شريطة أن لا يمس وحدة الشعب وقضيته وثوابته، أو التجريح والإساءة لأحد . خمسة عشر: احترام الاختلاف في الآراء والمبادئ، ومحاولة الاتفاق على أمور وسطية، يبدأ من عندها حل القضايا الكبيرة للخلاف . ستة عشر: إشراك فئات عديدة من المجتمع الفلسطيني في الحوار والنقاش، وعدم حصر القضية الفلسطينية وقضايا الشعب في حزبين فقط، بل مشاركة كافة الأطياف الحزبية والسياسية، والتوصل في النهاية لتوافق سياسي لا يحقق إلا مصلحة القضية والشعب. سبعة عشر: الاقتناع بأهمية الاختلاف بين الناس والمجتمعات حتى يتم حدوث التكامل، مع معرفة كيف يدار ذلك الاختلاف بحكمة. فإن صدقت النوايا، وصفت النفوس، وطهرت القلوب، ووحد الهدف الذي يسعى إليه كل منهم، وتألفت القلوب بعد ذلك، واطمأن كل طرف للآخر، وتنازل عما يتعصب له، لأجل مصلحة شعبه، وعرف كل منهم من هو عدوه الوحيد والأساسي، فوجه إليه صراعه، عندها ستسود أجواء المحبة والتآلف والود في قلوب القيادات، والتي بدورها ستنعكس على كافة أفراد الشعب ومؤسساته بالطريقة الإيجابية، والتي ستأتي بنتائج عظيمة وسريعة لمصلحة قضيتنا العادلة سواء من الداخل أو الخارج، كما أنها ستدخل على قلب الكيان الصهيوني الرعب والخوف والارتجاف، لما كانت تأمل وتحلم دوما، بعدم حدوثه في داخل هذا الشعب، والتي حاولت أن ترسم له طريقا يتعرج فيها ويتخبط، حتى لا يعي أين يسير وماذا يريد، ولكن هذا الشعب بإرادته وقيادته، سوف يُضيع ذلك الحلم والأمل للكيان الصهيوني، ويُضيع عليه استغلال إي فرصه في شق الصف ووحدته، فمهما طال الصراع بيننا، وولدت الشحناء في القلوب، ووجدت الاختلافات وتنوعت الآراء، فما زالت تلك القلوب بيضاء، وفيها من الخير الكثير، وحب العطاء والانتماء لهذا الوطن، وهذا ما سيظهر إن حدث ذلك الصلح، ومسح ذلك الانقسام من ذاكرتنا، لنعيد لها ما كانت عليه طوال نضالها، من حب التآلف والتآزر بين الصف الواحد، فمن الطبيعي أن يمرض الجسد الواحد، وأن يصاب بالوهن والضعف والاضطراب، ولكن ليس من الطبيعي أن يستسلم لذلك المرض، ولا يَبحث عن الحلول والعلاج، وينتظر قدوم الموت، ظناً منه أن لا علاج ولا دواء يخرجه من علته ويعيده لعافيته . آمال أبو خديجة 23/3/2011

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل