المحتوى الرئيسى

" ثورة" تستنجد بالقوى الاستعمارية!!بقلم: غسان يوسف

03/23 22:50

نعرف من التاريخ القريب أن بريطانيا وفرنسا وايطاليا أعملت تقتيلا وقمعا دمويا للشعوب التي استعمرتها في دول العالم الثالث، وأغرقت ثوراتها بالدماء ولم تستجب لرغبة الشعوب بالاستقلال طوعا بل تحت ضربات الثورات، في الجزائر وليبيا ومصر وكينيا وغيرها. ونعرف أن أمريكا "رافعة لواء الحرية" قتلت الملايين في فيتنام دفاعا عن نظام جنرالات القمع في فيتنام الجنوبية، وقتلت ملايين من الشعب العراقي وخلفت انقسامات طائفية ودينية وجلبت نظام حكم أكثر دموية من سابقة تحت راية تحرير العراق. ولم نسمع ولو مرة واحدة أن هذه الدول التي تعيش على نهب خيرات وثروات الدول الفقيرة، وتدعم كل أنظمة الحكم الدكتاتورية في العالم، لم نسمع أنها وقفت يوما لنصرة الشعوب المظلومة، أو دعمت ثورة تسعى للتحرر من الاحتلال والاستعمار الأجنبي. وذلك بكل بساطة لان هذه الدول الغربية الكبرى هي التي استعمرت واحتلت غالبية دول العالم الثالث لفترات طويلة، وحجزت تطورها ونهبت ثرواتها وخيراتها لصالح صناعاتها وشركاتها الاحتكارية. خفت الدول الغربية مسرعة "للدفاع" عن المدنيين الليبيين من بطش النظام وقواته العسكرية، وحشدت أساطيلها وحركت طائراتها وبغطاء عربي رسمي لنصرة " الثورة" الليبية، من خلال شن هجمات جوية وقصف صاروخي على ليبيا يذكرنا بالاحتلال الأمريكي للعراق. هللت المعارضة الليبية ورحبت بالتدخل الخارجي لمساعدتها على مواجهة النظام، بل على القيام "بتحرير" ليبيا بدلا عنها وبالنيابة عن الشعب الليبي الذي يجب أن يقرر مصيره بنفسه، وليس بقرار من الدول الاستعمارية. من الغريب أن يطالب قادة المعارضة بتدخل خارجي لينجز لهم مهام كان من المفترض بهم قيادة شعبهم لانجازها، وهم المسلحون تسليحا ثقيلا من البندقية إلى الطائرات الحربية ويقودون "ثورة" على نظام الحكم. فهل الشعب عاجز عن مواجهة النظام، أم أن قادة المعارضة - الذين للمفارقة العجيبة جاء معظمهم من وزراء النظام – لا يريدون أن ينجز الشعب ثورته ويسير بها إلى النهاية، لتكون ثورة خالصة بدون وصاية أو توجيه أو تدخل يقرر وجهتها وهويتها. نعم إن قادة المعارضة في الخارج الذين يعيشون تحت رعاية وكنف الدول الغربية، وقادة المعارضة الجدد المنشقين عن النظام حرفوا الحركة الشعبية في ليبيا عن مسارها واستولوا عليها حتى لا تسير في مسار مضاد لمصالحهم ومصالح حلفائهم في الدول الغربية. وبالتالي هم لا يريدون أن ينجز الشعب الليبي "ثورة" على النمط التونسي والمصري، بل أرادوا حربا دموية لتبرير طلبهم المعونة الغربية، حتى يضمنوا قيادة المرحلة الجديدة في ليبيا إذا حصل وتم التخلص من النظام. ولا يرغب هؤلاء ولا دول الغرب في رؤية نظام ليبي ينبثق من الجماهير والشعب نتيجة ثورة وتحرك جماهيري تخرج عن نطاق التبعية أو تكون معادية لمصالح الغرب كما حصل في تونس وفي طريق الحصول في مصر. الدول الغربية ومعها دول الخليج التي تزعمت دعم "الثورة" وحماية المدنيين في ليبيا، لم تتورع عن دعم نظام الحكم في البحرين ضد الشعب والمدنيين، بل أرسلت دول الخليج قوات مسلحة لسحق هؤلاء المدنيين الذين يطالبون بتوفير الحريات والعمل والتنمية والديمقراطية. والنظام اليمني لم تنتقده الجامعة العربية ولا الأنظمة العربية والغربية رغم أنه قتل عشرات المدنيين المعتصمين سلميا في ميادين المدن. وبالتالي فان الحرب التي تشنها دول الأطلسي على ليبيا لن تكون يوما دعما للثورة وللشعب الليبي ولا لمطالبه العادلة، بل دعما لحلفائها من المعارضة وطمعا في النفط الليبي وللسيطرة عليه، لان هذه الدول دائما وقفت ضد الشعوب وآمالها وتطلعاتها في الحرية والتنمية والتطور. ودول النفط العربية التي تستثمر أموالها في الغرب وتتبرع بها لتمويل حروب أمريكا وبريطانيا، وتترك شعوبها تعاني من الحرمان والفقر ومن خدمات أساسية، وتحرم التظاهر والاحتجاج ليست حريصة على "ثورة" ليبيا بقدر ما هي حريصة على احتواء حركة الشعب الليبي ووضعها تحت الوصاية الغربية الأجنبية. ولو كانت فعلا حريصة على المصالح العربية لما استدعت الطائرات والأساطيل الأجنبية لضرب بلد عربي بحجة حماية شعبه، بل لحركت جيوشها وأسلحتها المكدسة التي لا تستعملها إلا في قمع شعوبها. وهذا برهان جديد على حق الشعوب في الإطاحة بحكامها المستبدين التابعين للقوى الخارجية، ولكن من خلال حركة شعبية وطنية خالصة تعتمد على إمكانياتها وقدرة الشعوب وليس من خلال الاستعانة بالدول الاستعمارية. كنا ندعم ونؤيد حركة الشعب الليبي ضد حاكم طاغية ومستبد، ولكن لن ندعم تلك الحركة مهما كانت نواياها عندما لا تعتمد على قدراتها الذاتية، ولا تؤمن بقدرة الشعب ولا تعمل على إقناع الناس بعدالة وصحة ممارساتها ومواقفها المفترض أن تختلف وتتميز عن النظام الحاكم. لن ندعم حركة تستدعي الغرب الذي يحتل العراق ويدعم احتلال إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ليقوم بضرب وطنها ومساندة زعماء تربوا وترعرعوا في عواصم الدول الغربية ويريدون الوصول إلى السلطة على ظهر دبابة أمريكية، لأنهم لا يثقون بالشعب ويخافونه. فالثورة الحقيقية لا تستنجد بقوى استعمارية، والحركات الثورية الحرة ترفض دائما التدخل الأجنبي وتربط مصيرها بمصير شعبها ولا تتردد في التضحية في سبيل الثورة والتغيير. أما قادة المعارضة في ليبيا فيريدون "ثورة" مستوردة ويريدون من يقاتل نيابة عنهم في سبيل حريتهم المزعومة، لا بل من أجل الاستيلاء على قيادة لا يستحقونها ولم يقاتلوا من أجل نيلها عن جدارة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل