المحتوى الرئيسى

> لم نخرج لنغمس أصابعنا في الحبر الفسفوري

03/23 21:46

بديهي ألاّ ننكر أنّه كانت هناك حالة من الازدهار والفرحة تعمّ طوابير المصريين التي انتظمت أمام اللجان لتبدي رأيها حول التعديلات الدستورية في استفتاء ملتبس تعرّض لكثير من الانتقادات، إنّها تجربة سيركّز الكثيرون ممّن حشدوا للفوز بها علي إبهارنا بمظاهرها، دون التنبيه والتحذير من اقترانها واختلاطها بين رفض الاستبداد السياسي وتزوير الانتخابات ممّا عاني منه الشعب كثيرا، وبين السير نحو ديمقراطية من أجل مصالح المجتمع. بعض الآباء والأمّهات والجدود اصطحبوا أطفالهم معهم وقاموا بغمس أصابع الأطفال أيضا في الحبر الفسفوري الأحمر!، كأنّهم يشهدونهم علي يوم عيد، أو يختزنون في ذاكرة الأطفال أنّه كان علينا أن نحمل علامة واضحة فاضحة علي أنّنا أعداء لأنفسنا، وأننا لانضمن أن يكون بيننا،من لديه الاستعداد والتطبّع والطبع للتزوير واستخدام صوته أكثر من مرّة. وكان واضحا أنّ التوحّد حول أحداث ثورة 25 يناير شيء والتطوّر المقبل شيء آخر. والمشكلة الجوهرية هي بناء توافق مختلف، نتخلّص فيه من أنانية وتضليل الساعين بلا كلل للحصول علي دولتهم الدينية. ونتيجة الاستفتاء تؤكّد أنّ المشكلة الحقيقية للديمقراطية في بلدنا ليست مشكلة الأصوات والتصويتات، لكنّها مشكلة العقل وتنوير الشعب. صحيح أنّ إفساح المجال أمام النّاس للعمل السياسي، وضمان نزاهة أصواتهم، لابدّ منه في أي نظام ديمقراطي، لكنّ هذا الحرص شابه عدم الإخلاص للديمقراطية أمام الولاء للمعتقد الديني. وتمّ علنا خلط الدين بالسياسة ومايثيره من تعصّب. وكان التأثير شديدا علي ضعاف الوعي والأمّيين. وبدأ التحريض من دور العبادة، وتوجد شرائط مسجّلة لخطباء جمعة يحرضّون من فوق المنابر علي قول "نعم ". ووصل الاستعباط لسذاجة النساء العاديات إلي حدّ استغلال موروثهن من التفاؤل باللون الأخضر ، وقالت مجموعة " طبعا علّمنا أو طلبنا أن يعلّموا لنا علي الدائرة الخضرا- والتي تعني الموافقة علي التعديلات - ربّنا يجعلها علينا خضرا! وكان شيئا ملحوظا توافر الذين عرفناهم وحفظناهم طيلة السنين الماضية بفتنة هذا الشعب، وكثر أصحاب اللحي والملابس السلفية أمام اللجان ينظّمون ويحرّضون ويراقبون .لكنّ الأمر لايخلو من فائدة بالنسبة لرصد المستقبل،فهذه مرّة أخري وأكيدة علي أنّ هذا هو أقصي حشد يمكن أن تقوم به هذه القوي التي تفهم الديمقراطية لمصلحتها وليس لمصلحة هذا الشعب. وحتّي في هذه التجربة التي زاد فيها الإقبال، فقد باشر حق التصويت 18 مليونًا من 45 مليونًا، وأمام الذين يحرصون علي مستقبل الناس واستقرارهم ورفاهيتهم مجال حقيقي لاستنفار الذين لايمارسون حقّهم الانتخابي. علي أنّ عملية التصويت شابها عيب خطير،لابدأن نعمل علي تلافيه في الانتخابات البرلمانية وانتخابات الرئيس وهو حقّ العاملين والمبتعثين بالخارج في الإدلاء بأصواتهم التي تبلغ حوالي عشرة ملايين، من بينهم نسبة مرتفعة مشتغلة بالفكر والعلم. لقد قيل لنا مرارا أنّ صندوق الاقتراع هو الحكم والفيصل، وأثبتت تجاربنا أنّ هذا الصندوق كان يتمّ توليف نتائجه بحيث تعبّر الأغلبية عن رغبة الحكّام المتحكّمين في صناعة الرأي العام، وجاءت نتائج الاستفتاءات والانتخابات غالبا، تعبيرا عن أغلبية مزوّرة. ولقد احتجنا إلي ثورة وشهداء لتخليصنا من هذا الاختيار المحصور في إطار المطلوب أو المسموح به، فكيف السبيل إلي استمرار شرارتها لنستمرّ علي قدر مانستطيع في الطريق الصحيح؟ ومن المؤسف أنّ شبابنا الذي فجّر الثورة والذي يفهم ظروف عصرنا، لم نعد نراه بشكل واضح وملموس كصوت للشعب أو صوت للأغلبية الشعبية الذي أطلق ثورتها. والذي يملأ عالمنا بالضجيج الآن هم "الإخوان"، يدخلوننا بحسن نية أو سوء نية علي مدخلات مرحلة جديدة، نأمل أن يتحولّ فيها الصراع الاضطراري بين الإنسان وأخيه الإنسان إلي صراع ارتقائي! نحيي التربة التي أجدبت وأقفرت، نمحو الأمّية، ونرفع مستوي التعليم، ونحقّق ظروف المعيشة اللائقة.. وعندما نتلفّت حولنا نتحسّر علي بشر وأموال تهدر في العراق وليبيا علي سبيل المثال، تصورّوا كم كان يمكن لسكّان هذه المنطقة أن يحقّقوا المستوي الأساسي الذي يرتكز عليه بناء المجتمع والإنسان؟ وآه لو تعي دول الخليج درس الثورات المشتعلة!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل