المحتوى الرئيسى

ارتباك أم شىء آخر؟

03/23 08:17

لست سعيدا بالطريقة التى يدير بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة شؤون الدولة والمجتمع منذ تسلمه السلطة فى 11 فبراير الماضى. ولأنها طريقة تعكس ارتباكاً واضحاً فليس لها من تفسير عندى إلا بأحد احتمالين: سوء فهم، أو سوء نية. فإذا كان الأمر يعود إلى سوء فهم ناجم عن نقص الخبرة والدراية بدهاليز العمل السياسى، وهو أمر طبيعى بالنسبة لقيادات جيش مهنى فرضت عليه ظروف استثنائية أن يمسك بزمام سلطة لم يكن طامعا فيها أو ساعيا إليها، يصبح العلاج فى هذه الحالة سهلا وميسورا، وربما لا يحتاج سوى جهد إضافى لتوسيع دائرة التشاور مع أهل الخبرة، ولضبط آليات وموازين الحوار مع مؤسسات المجتمع المدنى ومع القوى السياسية المختلفة. أما إذا كان السبب يعود إلى سوء نية ناجم عن وجود أشخاص قريبين من دوائر السلطة يتعمدون تضليل صانع القرار ودفعه للسير فى اتجاه يسمح لهم بالالتفاف حول أهداف الثورة تمهيدا لإجهاضها، فيصبح العلاج فى هذه الحالة أكثر صعوبة، وربما يحتاج إلى حركة تصحيح سريعة. الشواهد على حالة الارتباك التى أتحدث عنها اليوم عديدة وأكثر من أن يتسع لها هذا الحيز المحدود. من هذه الشواهد، على سبيل المثال، عدم استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لرغبة المصريين فى الخارج فى المشاركة فى التصويت على التعديلات الدستورية. ولأن مشاركتهم فى الاستفتاء حق أصيل، وليست منّة أو منحة من أحد، فضلا عن أنها محدودة التكلفة ولا تتطلب تعديلات دستورية أو إجراءات قانونية معقدة، فقد كان من شأن الاستجابة لمطلبهم هذا توجيه رسالة قوية إلى كل من يهمه الأمر، خاصة إلى القوى الفاعلة فى النظام الدولى، تفيد بأن مصر تغيرت بالفعل وأنه لا مجال أبدا للعودة إلى الوراء. فإذا كان السبب فى عدم الاستجابة إلى هذا المطلب العادل يعود إلى سوء فهم أو سوء تقدير، فتلك مصيبة، أما إذا كان يعود إلى سوء نية، فالمصيبة أعظم. أما الشاهد الأهم على وجود حالة الارتباك هذه فيتعلق بما يتردد عن فحوى «إعلان دستورى» تؤكد الصحف الصادرة أمس أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصدد إصداره خلال ساعات. فمن المتوقع، وفقا للمصادر التى نشرت الخبر والتى استندت إلى تصريحات أدلى بها الدكتور عاطف البنا، عضو لجنة تعديل الدستور، «أن يقتصر هذا الإعلان على المواد الثمانى المعدلة فى دستور 71، والتى تضمن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة تحت إشراف قضائى كامل، وتذليل العقبات أمام ترشيح المستقلين والحزبيين لرئاسة الجمهورية، وتعديل أسلوب مد حالة الطوارئ مع إلغاء صلاحيات رئيس الجمهورية لمكافحة الإرهاب بتدابير استثنائية». يفترض أن يتضمن الإعلان الدستورى المرتقب، ووفقا للمصدر نفسه، «بيانا مختصرا لأسلوب إدارة البلاد وقت الانتخابات، وأن يحتفظ المجلس العسكرى لنفسه بسلطة إصدار مراسيم بقوانين مكملة للدستور تتضمن تعديل قوانين الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية ومجلسى الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية بما يتفق مع التعديلات التى وافق عليها الشعب»، وهو ما فسرته صحيفة «الشروق» فى عددها الصادر أمس، بأنه يعنى «قطع الطريق على عودة دستور 71 المعطل». غير أن الصحيفة نفسها عادت وأكدت، استنادا إلى تصريحات الدكتور البنا، أن النية تتجه إلى «استمرار مقاعد العمال والفلاحين والمرأة فى مجلس الشعب المقبل»، وهو ما ينطوى على تناقض صارخ ويؤكد وصول حالة الارتباك القائمة إلى ذروتها. إذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة ينوى حقا قطع الطريق على عودة دستور 71 الذى أسقطته ثورة 25 يناير، فلماذا يصر على تخصيص نسبة 50% من مقاعد مجلس الشعب القادم للعمال والفلاحين، و64 مقعدا للمرأة؟. ولأن المصدر الوحيد لشرعية نسبة المقاعد المخصصة للعمال والفلاحين هو دستور 71 فكيف نصدق وجود نية لقطع الطريق على عودة هذا الدستور الفاسد؟ وإذا لم يكن هذا الإصرار دليلا على الارتباك فهل له من تفسير آخر سوى سوء النية والحرص على أن يكون برلمان مصر القادم نسخة مكررة، حتى لو كانت معدلة أو محسنة، من برلمانات مصر القديمة؟ ولأن شعب مصر يصر على برلمان يليق بمصر الجديدة، مصر ثورة 25 يناير، فعليه أن يظل يقظا ومستعدا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل