المحتوى الرئيسى

بيوم المياه العالمي المياة في الوطن العربي .. بين الحقوق السياسية والتجارية ( 3 – 3 ) بقلم:د. كمال إبراهيم علاونه

03/23 22:15

بيوم المياه العالمي المياة في الوطن العربي .. بين الحقوق السياسية والتجارية ( 3 – 3 ) د. كمال إبراهيم علاونه أستاذ العلوم السياسية والإعلام الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) نابلس - فلسطين العربية المسلمة الفصل الثالث السياسات المائية الأجنبية في الشرق الاوسط أولا : السياسة المائية الصهيونية في الوطن العربي عملت المنظمة الصهيونية العالمية منذ بداية القرن العشرين ، على التنسيق والتفاهم مع الحكومة البريطانية في عام 1903 ، لنقل جزء كبير من مياه نهر النيل الى صحراء النقب لاستخدامها في استقطاب مهاجرين يهود جدد واسكانهم فيها وانشاء استثمارات زراعية ( 1 ) . وفي عام 1956 ، شرعت قوات الاحتلال الصهيوني بإستخدام مياه نهر الاردن ، اذ وضعت خطة لعشرة اعوام تتالف من مرحلتين : الاولى - لنقل المياه من هذا النهر عند جسر بنات يعقوب للمساهمة في ري اراضي مستوطنة تل ابيب المصادرة من المواطنين العرب منذ عدة عقود من الزمن . والمرحلة الثانية لسحب المياة الى صحراء النقب ، تمكنت خلالها من تحويل 700 مليون م3 من المياه سنويا ، وهذا يعادل 60 % من مياه نهر الاردن . في حين رفض الاحتلال الصهيوني ( الإسرائيلي ) المشروع العربي الذي قدم قبل سنتين من ذلك التاريخ ، أي عام 1954 ، والقاضي بتخزين مياه نهر اليرموك في الاردن من خلال بناء سد خالد بن الوليد ( المخيبة ) واستثمار نهر بانياس في سوريا وانشاء سد على نهر الحاصباني واستثماره في لبنان ، وقدم اقتراح لتقاسم نهر الاردن كالتالي : - حصة الاردن 977 مليون م3 . - حصة سوريا 132 مليون م3 . - حصة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) 285 مليون م3 . وفي حينه تقدمت حكومة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) بمشروع مائي معاكس لذلك في العام ذاته ، وطلبت رفع حصتها الى 55 % من مياه نهر الاردن و400 مليون م3 من مياه نهر الليطاني ، مما عطل المشروع ولم يتم تنفيذه ( 2 ) . موارد المياه اليهودية بفسطين المحتلة تنوعت الموارد المائية اليهودية – الصهيونية - الإسرائيلية بفلسطين المحتلة ، منذ قيام الكيان الصهيوني " اسرائيل " عام 1948 مرورا بعام 1967 وما تبعه من اضافة مصادر مائية جديدة من الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية واحتلال الجنوب اللبناني منذ عام 1982 ولغاية العام الجاري 2011 ، وذلك تبعا لسياستها التوسعية في الاراضي العربية التي عملت على قضم الموارد الطبيعية الفلسطينية بشكل خاص باصدار الاوامر العسكرية التي عملت على الحاق سلطة الاشراف على المياه بفلسطين الكبرى بشركة ( ميكروت الاسرائيلية ) ومنعت المواطنين الفلسطينيين من حفر آبار المياه الارتوازية ، وسعيها الحثيث للسيطرة على المياه العربية ، القريبة او البعيدة عنها على حد سواء ، بشكل عام . وكما يقول الدكتور عدنان هزاع البياني ، الباحث والاكاديمي العراقي : " ان اسرائيل هي نموذج الدولة التي تقيم تكافؤا أو تلازما بين خريطتها الامنية وخريطتها المائية ، والحدود التي تؤثر اسرائيل ان تحيط نفسها بها هي على الدوام حدود مائية ، سواء اكانت هي حدود اسرائيل الصغرى ( الليطاني والحاصباني وخليج العقبة وقناة السويس ، او حدود اسرائيل الكبرى ( حدودك يا اسرائيل من الفرات الى النيل ) " ( 3 ) . وكانت حكومة الكيان الصهيوني “ اسرائيل “ في عام 1974 ، اعادت طرح مشروع التزود اليهودي بمياه نهر النيل تحت عنوان “ ترعة السلام “ ، حيث اقتضت تلك الخطة توسيع قناة الاسماعيلية المصرية ليرتفع معدل تصريفه الى 30م3 / ثانية ، وسحب جزء من مياه النيل الى منطقة النقب ومنطقة الساحل على البحر الابيض المتوسط ( 4 ) . واطماع الكيان الصهيوني بفلسطين الكبرى المحتلة في المياه العربية تسير وفقا للمفهوم الصهيوني الهادف الى تكامل الموارد الاقتصادية والبشرية والعسكرية ، حيث تضع حكومة الاحتلال الصهيوني في حسبانها عندما تشن حربا ضد العرب السيطرة على موارد مائية جديدة مثلما حصل في حرب حزيران عام 1967 واستيلائها على حوالى 70 الف كم2 من الاراضي العربية من فلسطين ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) والجولان من سوريا وسيناء من مصر ( 5 ) . كما أوضح الباحث الاميركي توماس ستوفر في الندوة الدولية التي عقدت في العاصمة الاردنية ، عمان ، عام 1986 ، بعنوان “ اسرائيل والمياه العربية - غنائم حرب “ ، اذ قال : “ ان اطماع اسرائيل في المياه العربية هي جزء من مفهوم اسرائيلي متكامل لسياسة الموارد التي تشتمل على : النفط والمعادن والسباق التجاري والحصول على ايد عاملة رخيصة وموارد اقتصادية اخرى بالاضافة الى المياه ، ولا بد من النظر الى الاطماع الاسرائيلية من هذه الزاوية ان تخلي اسرائيل عن الاراضي التي احتلتها عام 1967 يعني تخليها عن غنائم حرب “ ، ( 6 ) . وهذه السياسة الصهيونية اليهودية المبرمجة والمرسومة تؤكدها الممارسة العملية على ارض الواقع ، اذ تحصل ( إسرائيل ) على نسبة كبيرة من احتياجاتها المائية من الاراضي العربية التي سيطرت عليها بالقوة العسكرية عام 1967 ، وعلى حوالى 50 % من مياهها من هضبة الجولان السورية وروافد نهر اليرموك اضافة الى حوالى 60 مليون م3 مياه من ينابيع الهضبة السورية المحتلة . زد على ذلك ما قامت وتقوم به من استنزاف المياه الفلسطينية من اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تستهلك نحو 450 مليون م3 مياه من الضفة الغربية ، وهذا يشكل ما نسبته 70 % من المياه الجوفية للضفة ، وبذلك يصل معدل استهلاك اليهودي ما ينوف عن 500 % من استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه ( 7 ) . وقد قدم الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة ، مشروعا مائيا جديدا عام 1991 لمؤتمر مدريد للسلام ، وتم تسليمه الى المجموعة الاقتصادية الاوروبية في العاصمة البلجيكية ، بروكسل ، مشتملا على الاحتياجات المائية الصهيونية ، وطريقة حلها ، وكانت هذه الدراسة شاملة مرفقة بالخرائط والجداول الاحصائية ، لاستجلاب المياه العربية وخاصة من نهر النيل العربي المصري الإفريقي ( 8 ). على أي حال ، ضمت المياه موارد المياه المستعملة في الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة “ اسرائيل “ ، عدة موارد وذلك في عام 1992 ، وهي ( 9 ) : اولا : الانهار : وتشمل نهر الاردن ، نهر العوجا ، نهر المقطع ، نهر النعامين ، نهر الكابري ، ونهر روبين . ثانيا : المياه الجوفية : وتشمل عدة احواض اساسية : أ - حوض بحيرة طبريه والاردن وقدر مخزونه المائي ب 575 مليون م3 . ب - الحوض الساحلي وقدر مخزونه ب 283 مليون م3 . ج - حوض العوجا / الزرقا وقدر مخزونه ب 330 مليون م3 . د - احواض صغيرة وقدر مخزونها ب 522 مليون م3 . وفي 28 ايلول عام 1995 ، وقعت الحكومة الصهيونية ( الإسرائيلية ) مع منظمة التحرير الفلسطينية ( الاتفاقية الاسرائيلية - الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة في واشنطن ، حيث نصت المادة الاربعون التي خصصت للمياه والمجاري ، “ على اعتراف اسرائيل بحقوق المياه الفلسطينية في الضفة الغربية ، وسوف يتم التفاوض حولها في مفاوضات الوضع النهائي وتسوى في اتفاق الوضع الدائم الخاص بمصادر المياه المتعددة “ ، وبموجب هذا الاتفاق اعترفت اسرائيل بحاجة الفلسطينيين الى 6ر28 مليون م3 سنويا خلال الفترة الانتقالية ، ولتنفيذ ذلك تم ايراد نص يدعو الى تشكيل لجنة مياه دائمة مشتركة للفترة الانتقالية تحت اشراف لجنة الشؤون المدنية ، الامر الذي شكل تعديا سافرا على حق الكيان الفلسطينية المعروف بالسلطة الفلسطينية في السيطرة على مواردهم المائيه (10 ) . وفي المؤتمر الاقتصادي للشرق الاوسط وشمال افريقيا الذي عقد في عمان في 1996 ، تقدمت ( إسرائيل ) بـ 23 مشروعا للمياه من 162 مشروعا قدمت للمؤتمر وهذا شكل ما نسبته 2ر14 % من عدد المشاريع المقترحة ، وتركزت جميع المشاريع الاسرائيلية المقترحة للتنفيذ في وادي الاردن والبحر الميت والغور الجنوبي ووادي عربة ، ووصلت القيمة المالية لهذه المشاريع 9 مليارات دولار من بين القيمة التقديرية الكلية لاقامة المشاريع المائية المقدمة لذلك المؤتمر البالغة 32ر25 مليار دولار او ما يعادل 6ر35 % من التكاليف الكلية التي اقترحت ( 11) . ويدلل هذا على مدى اهتمام يهود فلسطين المحتلة في إنشاء مشاريع مائية وتنفيذها على أرض الواقع لاستخدام واستغلال الموارد المائية العربية بخاصة والشرق اوسطية بعامة في اقصى حالة اقتصادية ممكنة في مشاريع جماعية عامة او جماعية محدودة ، لينال منها الاسرائيليون قسطا وافرا ، ان كان على صعيد كميات المياه او الاستثمارات على اختلاف اشكالها وانواعها . وعلى الجانب الآخر ، لم تقتصر او تكتف السياسة المائية اليهودية بمحاولات استقدام المياه العربية من قلب الوطن العربي بل سعت ايضا الى مساعدة الدول التي تنبع منها الانهار الدولية مثل النيل والفرات والتي تمر او تصب في اطراف الوطن العربي في البحر الابيض المتوسط او الخليج العربي في قارتي آسيا وافريقيا مثل الدولة التركية والدولة الاثيوبية ، فعملت حكومة الكيان الصهيوني مساعدة اثيوبيا في اقامة 26 سدا على نهر الازرق لري 400 هكتار وتوليد 38 مليار كيلو واط من الطاقة الكهرومائية حتى عام 1998 ، وجددت ذلك وضخمت من المشاريع المائية غير العربية في قارة إفريقيا مستفيدة من مياه نهر النيل حتى العام الحالي 2011 ، وذلك بهدف ممارسة الضغوط على القطرين العربيين : مصر والسودان ، كل على حدة او مجتمعين في مصدر حيوي وهام لهما وهو قطرات المياه الضرورية للتنمية القطرية والقومية الشاملة ( 12 ) . ومن جهة ثانية ، فان سياسة الولايات المتحدة خاصة والعالم الغربي عامة ، سعت وتسعى الى عقد وتنظيم مؤتمرات السلام الاقليمية في الشرق الاوسط لحل النزاع العربي الصهيوني عامة والفلسطيني الصهيوني خاصة عن طريق معاونة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) في تثبيت اقدامها في المنطة العربية والمحافظة على الدور الصهيوني الاستعماري الاستيطاني المتفوق لتبقى القوة الضاربة او شرطي المنطقة ، وقد سعى الغرب وعلى مدار المئة عام الاخيرة الى جعل المنظمة الصهيونية و( إسرائيل ) فيما بعد ، ترسانة عسكرية ونووية ، وما زال الغرب يعمل بشكل متواصل الى تحقيق الامن السياسي والبشري والاقتصادي ومن بين ذلك تواصل تدفق المياه الى الشرايين البشرية والاقتصادية الصهيونية الغريبة عن المنطقة ، وتزايدت حدة ذلك بعد اضطراد الهجرة اليهودية الروسية ( 13 ) . ثانيا : السياسة المائية التركية والوطن العربي اولا : تجاه مياه نهر الفرات : لدى تركيا وفرة مائية سنوية تفيض عن حاجتها من مختلف الموارد المائية حيث تعتمد على عدة مصادر مائية تقليدية متجددة ، تبلغ في مجموعها نحو 196 مليار م3 سنويا ،كما يلي : 1 - التصريف السنوي للمياه النهرية التركية وتقدر ب 186 مليار م3 . 2 - المياه الجوفية المتجددة وتصل الى 10 مليارات م3 سنويا . اما حاجة الاتراك للمياه فتصل حوالى 55 مليار م3 سنويا ، وحسب التقديرات والخطط الموضوعة حتى عام 2000 فمن المتوقع ان ترتفع الى 58 مليار م3 ، ثم إلى 100 مليار م3 خل العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين الحالي الموافق للقرن الخامس عشر الهجري العربي . وبمعنى آخر ، هناك وفرة مائية هائلة اذ لا يصل استهلاك الاتراك من المياه في جميع الاستعمالات اكثر من 28 % من الموارد المائية المتاحة ( 14 ) . ورغم توفر المياه في تركيا ، فانها لم تتورع في ممارسة الضغوطات المائية المتواصلة على القطرين العربيين : سوريا والعراق وذلك لتحقيق اطماع سياسية واقتصادية مختلفة . ومن أمثلة هذه الممارسات في السياسة المائية ما قامت به تركيا من الاستحواذ لوحدها بمياه نهر القويق منذ العقد الخامس من القرن العشرين المنصرم ، الذي ينبع من منطقة عينتاب التركية ويجرى عبر مدينة حلب السورية ، متنكرة لاتفاقات سالفة تم بموجبها الاتفاق على استثمار مياه ذلك النهر بشكل متساوي بين الجانبين السوري والتركي . وكذلك عملت تركيا وما زالت تعمل على استغلال مياه نهر الفرات ( الذي ينبع من شمال ارض روم التركية ويواصل جريانه ليدخل سوريا عند بلدة جرابلس ، في حين يدخل العراق عند مدينة حصيبة ، وقبل ان يصب في شط العرب على الخليج العربي يلتقي بنهر دجله قرب كرمة علي شمالي مدينة البصرة ) أي انه نهر دولي يمر بثلاثة دول ورغم ذلك تستغله وفق مصالحها الذاتية ، مستغلة الخلافات السياسية والمذهبية بين جناحي حزب البعث في سوريا والعراق ، ثم هيمنة الاحتلا الأمريكي على أرض الرافدين منذ عام 2003 حتى الآن ( 2011 ) . فأنشأت العديد من السدود والخزانات الكبيرة والمتوسطة على روافد هذا النهر ، وتقتضي الاتفاقات والاعراف الدولية بضرورة تقاسم مياه الانهار الدولية وفقا للمصالح المشتركة بين الدول التي تشترك في منابع ومصاب نهر معين . وقد عملت الحكومات التركية المتعاقبة على تنفيذ مشروع مياه ( جنوب شرقي الاناضول ) الذي إنتهى انشائه عام 2000 ، الذي هدف الى انشاء 21 سدا و17 محطة كهرومائية ، بتكاليف اجمالية تقدر ب 21 مليار دولار ( 15 ) . وفي حالة الاستمرار التركي في تنفيذ هذا المشروع المائي الكبير ، فان ذلك سيلحق اضرارا متواصلة بكميات ضخ المياه من نهر الفرات الى كل من الاراضي السورية والعراقية . وكانت تركيا عملت على تقليص كميات تدفق المياه من الفرات من 500م3 / ثانية الى 120 م3 / ثانية لمدة ثلاثين يوما في 13 كانون ثاني 1990 ، وتقليص حجم المياه المتدفقة من هذا النهر ايضا نحو 170 م3 / ثانية للفترة الزمنية الممتدة بين 28 كانون الثاني وحتى 3 شباط عام 1991 ، وذلك دون اخذ رأي العراق او سوريا . وكل هذه التصرفات التركية تأتي رغم انه كان تم توقيع اتفاقين بخصوص تقاسم مياه نهر الفرات ، الاتفاق الاول بين تركيا والعراق عام 1980 ووافقت عليه سوريا بعد عامين ( 1982 ) وتقرر بموجبه اتفاق الدول الثلاث على تقاسم مياه النهر والحصول على كميات مائية عادلة كونه نهر مشترك . وبالاضافة الى ذلك ، اتفقت تركيا وسوريا عام 1987 على تحديد التصريف السنوي للفرات لدى اجتيازه الاراضي السورية 500 م3 / ثانية ، واثر ذلك ، تعهدت سوريا بتقاسم ثنائي لهذه الكمية من المياه مع العراق بنسبة 42 % تحصل عليها سوريا و58 % تحصل عليها العراق ، الا ان السلطات التركية لا تلتزم بتعهداتها واتفاقاتها المذكورة آنفا ، وتخرق مبدأ تقاسم مياه نهر الفرات كاحد الانهار الدولية الذي يهم ويؤثر على الحياة العامة في الدول الثلاث . ونتيجة للمشاريع المائية الحيوية التركية المتتالية ، فقد انخفض معدل التدفق السنوي لنهر الفرات منذ عام 1970 من 5ر31 مليار م3 الى 8ر15 مليار م3 عام 1987 ، وتقلصت هذه الكمية الى 11 مليار م3 بحلول عام 2000 او ما يعادل 350 م3 / ثانية . وهذا بدوره يساوي خسارة عربية لمياه الفرات بنسبة 65 % خلال ثلاثين عام ابتداء من 1970 الى 2000 ( 16 ) . وقد حذر العراق زمن عهد الحكم البعثي ، بقيادة صدام حسين التكريتي ، تركيا من مغبة الاستمرار في بناء السدود على نهرى دجلة والفرات ، لأن عملية انشاء السدود يضر بالعراق وسوريا على حد سواء ، حيث ناقش المجلس الوطني العراقي ( البرلمان ) الآثار السلبية المترتبة على انشاء المشروع التركي المائي الضخم والذي اسفر عن تقليص منسوب نهر دجلة من 17 بليون م3 الى 5ر13 بليون م3 ، وتقليص منسوب نهر الفرات من 32 بليون م3 الى 5ر13 بليون م3 ايضا ، الامر الذي اضر بستة ملايين عراقي وعرضهم لنقص كميات المياه المتدفقة لهم وقلص مساحات واسعة من الاراضي العراقية المزروعة . وقد جاءت هذه التحذيرات العراقية في اعقاب انشاء تركيا لسد رابع على نهر الفرات لتوليد الطاقة الكهرومائية وري مساحات كبيرة من الاراضي في جنوب شرق تركيا ، وتزايد العمليات العسكرية التركية ضد الثوار الاكراد المتمردين على الحكومة داخل الاراضي العراقية ( 17 ) . ثانيا : مشروع أنابيب السلام : بناء على طلب من الحكومة التركية أجرت احدى الشركات الامريكية عام 1986 دراسة الجدوى الاقتصادية لانشاء مشروع مائي اقليمي بسحب المياه من نهري سيحان وجيحان ( الى الجنوب الغربي التركي ) بوساطة انبوبين ، غربي وشرقي ، الى عدة دول عربية هي : سوريا ، الاردن ودول الخليج العربي ذات الامكانات المائية الشحيحة ، قدرت تكلفة مدهما بحوالى 21 مليار دولار (18 ) . وبلغت طاقة ضخ الانبوب الاول وهو الغربي نحو 5ر3 مليون م3 يوميا ، وكلفته الاجمالية 5ر8 مليار دولار ، بواقع 84ر0 دولارا / م3 مياه . وتوزع كمية المياه المتدفقة المقترحة على عدة دول مستفيدة ، كما يلي ( 19 ) : اسم الدولة المستفيدة كمية المياه / مليون م3 يوميا سوريا 1ر1 الاردن 6ر0 الاجزاء السعودية الغربية 5ر1 مناطق اخرى 3ر0 ------------------------------------ المجموع 5ر3 الانبوب الثاني - الشرقي : فقدرت طاقة الضخ اليومية ب 5ر2 مليون م3 ، بكلفة اجمالية قدرها 5ر12 مليار دولار ، بواقع 07ر1 دولارا / م3 0 واقترح ان توزع هذه الطاقة المائية كما يلي : اسم الدولة المستفيدة كمية المياه / الف م3 يوميا الكويت 600 الاجزاء السعودية الشرقية 800 البحرين 200 قطر 100 الامارات العربية 600 عمان 200 -------------------------- المجموع 500ر2 وقدرت الشركة الاميركية التي وضعت خطة انابيب السلام عمر المشروع بحوالي 50 سنة .وتهدف تركيا من طرح هذا المشروع المائي الكبير الى تحقيق عدة اهداف ( 20 ) ، من ابرزها : 1 - اهداف سياسية حيال المنطقة العربية ، اذ ان من يمتلك مصادر المياه يمسك بمصادر ضغط سياسية متواصلة على الدول المستفيدة . 2 - اهداف اقتصادية : وتتمثل في ان تركيا تجني بعد تنفيذ هذا المشروع الاول من نوعه في الشرق الاوسط حوالى ملياري دولار سنويا ( بحساب سنة اعداد الجدوى الاقتصادية عام 1986 ) . 3 - اختراق الحواجز الطبيعية والسياسية العربية وتوفير كميات معينة من المياه الى الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة ، حيث صرح الرئيس التركي الاسبق سليمان ديميريل أثناء زيارته الرسمية لتل أبيب في آذار 1996 بأن بلاده ستبيع ( اسرائيل ) 150 مليون م3 من المياه في غضون عامين من تنفيذ المشروع المقترح ( 21 ) . وبهذا نجد ان السياسة الصهيونية والتركية متفقة علنا وضمنا ، عندما كانت الحكومات العلمانية تسيطر على تركيا ( قبل مجيئ حزب العدالة والتنمية للحكم ) على محاصرة العرب ليس من النواحي المائية فحسب بل ايضا في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية لتحقيق مآربهما التوسعية في الوطن العربي ، ويظهر ذلك بشكل جلي في الاتفاق الصهيوني التركي في آذار 1996 للتعاون فيما بينهما . وقد إنقلب هذا الاتفاق الثنائي التركي الصهيوني وتبدل حاله بعد العدوان الصهيوني على سفن أسطول الحرية في أيار 2010 ، ومقتل عدة مواطنين أتراك جاؤوا للتضامن مع أهل قطاع غزة الفلسطينيين المحاصرين من الاحتلال الصهيوني برا وبحرا وجوا منذ عدة سنوات ، وبصورة مركزة خاصة بعد عام 2006 حتى الآن ( 2011 ) . فتوترت العلاقات التركية الصهيونية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية التركي ذو التوجهات الإسلامية بزعامة رجب طيب أردوغان ، والرئيس التركي عبد الله غول الذين اختلفا مع رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيرس ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو . هوامش الفصل الثالث السياسات المائية الاجنبية في الشرق الاوسط 1 - جورج المصري ، “ حرب المياه في الصراع العربي الصهيوني “ ، الوحدة ، السنة السابعة ، العدد 76 ، 1991 ، ص 64 - 66 . 2 - عدنان البياني ، “ دول الجوار العربي والاطماع الجيوبوليتيكية في المياه العربية “ ، شؤون عربية ، العدد 90 ، حزيران 1997 ، ص 90 . 3 - نفس المرجع السابق ، ص 91 . 4 - نفس المرجع السابق ، ص 95 . 5 - عبد الاله بلقزيز ، “ الاقتصادي ، السياسي ، العسكري في الأمن المائي العربي “ ، الوحدة السنة السابعة ، العدد 76 ، 1991 ، ص 10 . 6 - حمد الموعد : حرب المياه في الشرق الاوسط ( دمشق : دار كنعان للدراسات والنشر ، 1990 ) ، ص 118 ، عن جريدة عل همشمار الاسرائيلية ، 14 / 11 / 1986 . 7 - عدنان البياني ، مرجع سبق ذكره ، ص 91 . 8 - نبيل السمان ، مرجع سبق ذكره ، ص 21 . 9 - حسن بكر ، “ البعد الفلسطيني في حروب المياه “ ، صامد الاقتصادي ، العدد 88 ، 1992 ، ص 20 - 21 . 10 - الاتفاقية الاسرائيلية - الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة ، المادة الاربعون ، المياه والمجاري ، ترجمة : مركز القدس للاعلام والاتصال ( واشنطن : 28 أيلول 1995 ) ، ص 213 - 218 . 11 - عبد الفتاح الجبالي ، “ قمة عمان بين أوهام السلام وطموح التسوية “ ، المستقبل العربي ، السنة 18 ، العدد 204 ، 1996 ، ص 16 . 12 - جورج المصري ، “ حرب المياه في الصراع العربي الاسرائيلي “ ، الوحدة ، السنة السابعة ، العدد 76 ، 1991 ، ص 64 - 66 . 13 - نبيل السمان ، مرجع سبق ذكره ، ص 7 . 14 - عدنان البياني ، مرجع سابق ، ص 92 . 15 - عدنان البياني ، مرجع سابق ، ص 93 . 16 - نفس المرجع السابق ، ص 92 - 93 . 17 - وكالة الصحافة الفرنسية ، “ العراق يحذر تركيا من اقامة سدود على نهري دجلة والفرات “ ، جريدة القدس ، العدد 10142 ، 18 / 11 / 1997 ، ص 8 . 18 - جلال عبد الله معوض ، “ تركيا والأمن القومي العربي : السياسة المائية والاقليات “ ، المستقبل العربي ، السنة 15 ، العدد 160 ، ص 92 - 112 . 19 - عدنان البياني ، ص 94 . 20 - نفس المرجع السابق ، ص 94 . 21 - نفس المرجع السابق ، ص 94 . ================== الفصل الرابع كيفية التغلب على ازمة المياه هناك العديد من الحلول التي اقترحت من المختصين والباحثين في شؤون الامن المائي العربي والإقليمي والإسلامي والقاري والعالمي ، لإيجاد مخارج عامة من ازمة المياه في المنطقة ، بقارتي آسيا العربية وإفريقيا الشمالية ووادي النيل ، الا ان تطبيق هذه الاقترحات يبقى خاضعا للامكانات الاقتصادية والفنية والارادة السياسية العامة ، سواء بشكل قطري ، او على مستوى اقليمي محدود ، أو إقليمي عام وشامل . وهناك بعض الاقتراحات التي يمكن من خلالها وضع الحلول الجزئية او الشاملة لمواجهة العجز المائي في المنطقة ، وحتى لا تكون قطرات المياة المتوفرة هي أخر تلك القطرات التي يجري الصراع الدموي بشأنها . وبرأينا ، فيما يلي أهم الحلول الناجعة التي يمكن ان تكون ملائمة لمواجهة هذا العجز المائي الخطير : اولا : انشاء السدود العامة بالقرب من مياة الفيضانات والسيول في المناطق المنخفضة . ثانيا : تشجيع المواطنين على حفر آبار الجمع البيتية للاستفادة من مياه الامطار ، وسن تشريعات قانونية تلزم المواطن الذي ينشأ مسكنا جديدا بضرورة حفر بئر في المنزل . ثالثا : ترشيد الاستهلاك البشري للمياه للاستعمالات المنزلية والزراعية ، وقرع ناقوس الخطر في نفوس السكان ، وكذلك اعادة النظر في توزيع استهلاك المياة على المستوى المحلي او الاقليمي ووضع اولويات معينة وفق الاحتياجات الاساسية مثل ترتيب الاولويات على النحو التالي : أ- مياه الشرب . ب- الاستعمال المنزلي . ج- الصناعة . د - الزراعة والري . وذلك لتوفير كميات كبيرة من المياة سنويا تبعا للظروف والاوضاع العامة . فمثلا في الاردن ، الزراعة تستهلك 80 % من المياه المستهلكة في الاردن في حين انها لا تساهم الا بنحو 8 % من الناتج القومي ، وفي المقابل تستهلك الصناعة 5 % من الموارد المائية وتساهم بحوالى 20 % . وتبين الدراسات المائية والاقتصادية الاستراتيجية المعاصرة ان قطاعات الصناعة والخدمات والتي تحتاج كمية مياه مشابهه قياسا بالزراعة بامكانها ان تستوعب وتشغل عمالة بألف مرة وبعائدات اقتصادية 2000 مرة مقارنة بالقطاع الزراعي ... وتستطيع الزراعة البعلية او التكميلية ان تكون بديلا عن الزراعة المروية ووضع السياسات الحكومية لحث المواطنين لاستغلال اراضيهم ( 1 ) . اما في الكيان الصهيوني بفلسطين الكبرى المحتلة " اسرائيل " فان الحصة الكبرى من موارد المياه تذهب الى الزراعة ، وأما الاستعمالات المنزلية فتأتي في المرتبة الثانية والصناعة في المرتبة الثالثة . حول ذلك بالعقد الأخير من القرن العشرين الماضي ، يقول تيدي برويس : “ ففي اسرائيل 3ر4 مليون نسمة يستهلكون 2145 مليون م3 مياه سنويا ، يذهب منها 1445 مليون م3 ( أكثر من الثلثين ) الى القطاع الزراعي و435 مليون م3 للاستهلاك المنزلي والمدني و 100 مليون م3 الى الصناعة ، و105 مليون م3 الى الضفة الغربية ( وهو حق ليس منه ) و60 مليون م3 نقص - الكمية التي لا تعيدها الطبيعة دوريا - وكانت اسرائيل تسحب 950 مليون م3 من جوف الارض و600 مليون م3 من بحيرة طبرية و90 مليون م3 من مياه الفيضانات و60 مليون م3 من مصادر اخرى و200 مليون م3 من مصادر مستقلة ، مثل خزانات لاستيعاب مياه الفيضانات ومياه الينابيع والجداول وتحلية المياه المالحة ، وهذا يعني أن مرفق المياه يعاني نقصا بنحو 250 مليون م3 من المياه سنويا “ ، ( 2 ) . رابعا : تقليص عمليات منح التراخيص لحفر الآبار الارتوازية ، وذلك لضبط كميات المستخرجة من جوف الارض . خامسا : ادخال التحسينات والتطويرات على أوضاع شبكات المياة القديمة والحيلولة دون تسرب كميات وفيرة من المياة دون فائدة ، وعدم ارهاق الناس في دفع فواتير مياة مرتفعة بدل الماء المتسرب ، ورفع قيمة الميزانية السنوية لتطوير شبكات المياة . سادسا : معالجة المياة العادمة ( الصرف الصحي ) لاعادة استخدامها في والزراعة . سابعا : الاستعمال الأمثل لمياه الينابيع العامة والخاصة . ثامنا : الاتفاق الشامل على سياسة مائية مشتركة وعدم التنافس العنصري والاحتكار المائي الاقتصادي . وهناك العديد من القضايا التي ينبغي اخذها بعين الاعتبار عند النظر في التخطيط والتنفيذ لسياسة الأمن المائي العربية ، من اهم هذه الامور : 1 - التخطيط الشامل والمتكامل لكافة اجزاء الوطن العربي من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه ، على اساس الحق الطبيعي والسيادي . 2 - تضافر كافة الجهود العربية البشرية والاقتصادية لتطوير مصادر وموارد المياه العربية الداخلية وتلك القادمة من الخارج للحيلولة دون سيطرة الاجانب عليها تحت اية حجة من الحجج سواء اكانت سياسية او اقتصادية ، اقليمية او دولية ، لأن الماء العربي هو من حق العرب اينما كانوا وحيثما حلوا دونما الانتقاص من ذلك . ويبرز هذا الامر ، في تحسين العلاقات العراقية السورية ، وفي تمتين العلاقات المصرية السودانية من جهة والعلاقات العربية - العربية بشكل شمولي من جهة اولى . فمثلا ، تتحكم تركيا بمياه نهر الفرات وفق ما تراه مناسبا لها ولحليفتها حكومة الكيان الصهيوني بفلسطين الكبرى المحتلة ، مع انه نهر دولي ، ضاربة بعرض الحائط المصالح والاحتياجات العربية السورية والعراقية بخاصة والعربية بعامة حيال هذا المورد المائي الهام . وكذلك حاولت وتحاول ( إسرائيل ) التسلل من خلف ظهر الوطن العربي من جهة افريقيا عبر تقديم المعونات الفنية والاقتصادية لاثيوبيا وغيرها من الدول الإفريقية الفقيرة ، لحجز اكبر كمية ممكنة من مياه وروافد نهر النيل كاسلوب ضغط وابتزاز سياسي واقتصادي للعرب ، فتقليص مياه النيل يزيد من تفاقم ازمة المياه في السودان ومصر ويقف حجر عثرة امام التنمية العربية الشاملة في هذين القطرين ، ويقلل من امكانية تحقيق الأمن الغذائي العربي الآني والمستقبلي . 3 - السعي العربي الحثيث من اجل استعادة الحقوق العربية في الموارد المائية وعدم السماح للدول المجاورة بالعبث بالانهار الدولية مثل نهري دجلة والفرات التي تستغلهما تركيا وفق مصالحها الذاتية واهمال المصالح العراقية والسورية ، وقد اوصت اللجان المتخصصة التابعة للمجلس الوطني العراقي ( البرلمان ) بضرورة زيادة التعاون والتنسيق العراقي مع سوريا للحد من المخاطر التركية التي تستهدف انشاء المشاريع المائية الكبرى على روافد نهري دجلة والفرات دونما تنسيق مع هاتين الدولتين العربيتين ( 3 ) . 4 - العمل على استعادة السيطرة الفلسطينية على المياه في محافظات الضفة الغربية وغزة وعدم السماح لقوات الاحتلال الصهيوني بالاستفادة من هذه المياه على حساب الحق الوطني والطبيعي الفلسطيني . سيناريوهات السياسات المائية في الشرق الاوسط عدة سيناريوهات مائية طرحت او ما زالت تطرح ، أو من الممكن ان تطرح في المنطقة العربية والشرق اوسطية على المديين المتوسط والطويل ، للتغلب على العجز المائي المتزايد والطلب المتصاعد على المياه سنويا ، لسد الاحتياجات اللازمة لكافة الاغراض التي تستخدم فيها المياه من الشرب والاغراض البيتية والزراعية والصناعية والسياحية او كوسيلة للتنقل والمواصلات او استخراج الكائنات البحرية كغذاء او استخراج المعادن والاملاح اوغيرها ، ومن أبرز هذه السيناريوهات : 1 = السياسة المائية الفلسطينية : لحل مشكلة ازمة المياه في ( دولة فلسطين - محافظات الضفة الغربية وغزة ) تتوزع الاقتراحات على عدة سيناريوهات فرعية كما يلي : اولا : الاعتماد على الذات من خلال المطالبة بكامل الحقوق في المياه الجوفية والسطحية ومياه نهر الاردن والاستفادة من مياه الينابيع والامطار بالعمل على زيادة حفر آبار الجمع ، واستغلال فائض المياه اثناء الفيضانات والسيول الجارفة في فصل الشتاء . ثانيا : تعاون فلسطيني - صهيوني في اقتسام المياه بشكل عادل في توزيع عشرات الملايين من الامتار المكعبة من المياه على عدد السكان ضمن الواقع الحالي والمستقبلي الذي يحتم قيام دولة فلسطينية ، وهو اقرب الى الواقع من الناحية الفنية والاقتصادية ، باتجاهين : أ - توزيع المياه الجوفية المتاحة في فلسطين الطبيعية بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني ، واقامة سدود لحجز مياه الامطار الهاطلة في فصل الشتاء واقتسامها بشكل عادل . ب - انشاء محطات تحلية للمياه على البحر الابيض المتوسط ، على شواطىء غزة للفلسطينيين ، وتل ابيب ليهود فلسطين المحتلة للحصول على الاحتياجات المائية الاضافية السنوية الضرورية ، وهي ممكنة الا انها مكلفة اقتصاديا . ثالثا : استمطار الغيوم ، اما بشكل ذاتي قطري او ثنائي بين فلسطين والكيان الصهيوني " اسرائيل " أو جماعي على مستوى الشرق الاوسط للحصول على موارد مائية اضافية . رابعا : الحصول على مصادر مياه مكملة من مشاريع المياه الاقليمية في حال تنفيذها ، من نهري سيحان وجيحان التركيين او الفرات او النيل . على أي حال ، ان تزويد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بمياه من نهر النيل او اليرموك او الليطاني ، حسب ما يطرحه قادة اليهود بفلسطين المحتلة - غير ممكن وغير واقعي ، اذ لماذا يلجأ الفلسطينيون الى استيراد المياه باعتبارها سلعة استراتيجية ، من مصادر خارجية ولديهم مصادرهم الطبيعية الذاتية ؟؟؟ وهم أحق بها من غيرهم من المهاجرين اليهود القادمين من الخارج ، قديما او حديثا . ولماذا لا تتوقف عملية استيراد او جلب اليهود من الخارج ؟ لان تزايد الهجرة اليهودية يفاقم ازمة المياه بالاضافة الى الازمات السياسية والاقتصادية الاخرى ، ومن النواحي السيادية السياسية والنفسية والاقتصادية ، فإن الفلسطينيين غير راغبين او مستعدين لجلب المياه من خارج وطنهم . وقد طرح الجانب الفلسطيني قضية المياه في المفاوضات المتعددة الاطراف في الشرق الاوسط ، في اعقاب مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 على اساس انها ( موضوع سياسي ) ، يقول عبد الرحمن التميمي : “ وهناك التحديات الخارجية التي تهدد الأمن المائي العربي بشكل خاص مثل أزمة المياه في اسرائيل خلال عقد التسعينات حيث لا يمكنها من تلبية حاجة مشروعاتها الاستيطانية والزراعية المتزايدة وهو ما يدفعها الى الاستيلاء على مصادر المياه المجاورة ... أما الصورة المصغرة للمشكلة وهي مشكلة المياه الفلسطينية ، فهي ليست بمعزل عن مشكلة اسرائيل المائية ... حيث ان التقليد السياسي الاسرائيلي في مجال المياه يحصره ثلاثة محاور اساسية وهي البعد الاقتصادي ... ان الزراعة تستهلك 73 % من مصادر المياه المتاحة في حين ان الزراعة لا تساهم باكثر من 7ر3 % من حجم الدخل القومي الاسرائيلي . اما المحور الثاني فهو التطوير الافقي العمراني الاسرائيلي الذي شهدته اوائل عقد التسعينات وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستقطاب اعداد هائلة من المهاجرين ... أما البعد الثالث فان شعور اسرائيل بسيطرة الفلسطينيين على مصادر المياه هو بعد سيادي ومن ملامح الدولة ، وخصوصا عند الحديث عن نهر الاردن والحقوق المائية الفلسطينية “ (4 ) . ويتمثل الاطار العام للمفاوضات الفلسطينية – الصهيونية ، سواء بشكل ثنائي او في اطار المفاوضات المتعددة الاطراف تركز على عدة قواعد اساسية ، وهي ( 5 ) : 1 - ان موضوع الحقوق المائية الفلسطينية وخاصة في نهر الاردن هو موضوع سيادي سياسي وملامح رئيسية للدولة القادمة ، وليس موضوع حصص مائية فقط . 2 - ان حل مشكلة المياه عامل ضاغط ليس على الجانب الفلسطيني فقط وانما على الجانب الاسرائيلي ايضا فهم في ازمة مائية . 3 - ان أي تطور زراعي فلسطيني وفي اطار البنية التحتية للشعب الفلسطيني مرهون بمدى السيطرة على مصادر المياه . 4 - عدم الفصل وباي شكل من الاشكال بين التفاوض حول المصادر وبين وسائل التوزيع . 5 - عدم التفاوض على المياه حسب المناطق الجغرافية ولكن حسب التوزيع الهيدرولوجي لهذه المصادر . 6 - التحديد المطلق للحاجات الآنية والمستقبلية للشعب الفلسطيني مع اخذ كافة السيناريوهات الاجتماعية والاقتصادية بعين الاعتبار . 7 - طرح مبدا التعاون في المراحل الاخيرة من التفاوض وليس في مراحلها البدائية ... والقبول بسياسة مائية مستقلة وعدم دمج السياسة المائية للمنطقة على اساس انها متجانسة ، والابتعاد عن نقل النماذج الجاهزة لادارة مصادر المياه من مناطق اخرى في العالم “ . 2 - السيناريوهات المائية الاقليمية ( العربية والصهيونية والشرق اوسطية ) اما السيناريوهات الاقليمية لحل ازمة المياه العربية والصهيونية بفلسطين المحتلة والشرق اوسطية ، بشكل عام ، فانها تبدو في عدة مسارات على النحو التالي : اولا : تنفيذ مشاريع مائية عربية صرفة في الوطن العربي ، من ناحية التمويل والاشراف والادارة ، وذلك من خلال الاستفادة من كافة الموارد العربية المتاحة محليا في القطر العربي المعين ، ومد خطوط انابيب مائية عربية من الانهار الكبيرة كدجلة والفرات في العراق والنيل في مصر الى البلدان العربية التي تعاني من عجز مائي ملحوظ كالاردن ودول الخليج العربي اذا كان بالامكان ذلك . وكذلك مضاعفة اقامة السدود والخزانات المائية بالقرب من مراكز الاودية والفيضانات والسيول لتخزين المياه والحيلولة دون ذهابها هدرا . ويكون ذلك على المستوى القطري المحلي وعلى المستوى القومي العام ، على ان تكون المصادر المائية الاضافية المقترحة للدول ذات الشح المائي متممة للمصادر الوطنية المتوفرة . وبالتالي فان هذا الامر يتيح المجال امام الامة العربية من التكامل القومي في السياسة المائية كخطوة اولى حقيقية من خطوات الوحدة العربية على اساس ( الشراكة العربية في المياه العربية ) ويحد من تحكم الدول المجاورة في المياة السطحية المشتركة ، لأن التوحد العربي الجماعي من شأنه أن يعزز الحق العربي بشكل قانوني واستراتيجي عام . ثانيا : تنفيذ مشاريع مائية عربية جزئية لعدة دول على حدة ، مثل تعاون العراق وسوريا والاردن ولبنان في استثمار الموارد المائية المتاتية من الانهار الدولية ضمن حدود هذه المنطقة الجغرافية العربية من أنهار الاردن والليطاني واليرموك وهضبة الجولان السورية بعد استعادتها كليا من الاحتلال الصهيوني ، وذلك بتقاسم المياه وفقا للحاجات المتنوعة للسكان . ولبنان هي الدولة العربية الوحيدة الغنية بالمياه بسبب غزارة الامطار والثلوج وكثرة الانهار ( 15 نهرا ) منها 12 نهرا ساحليا وثلاثة انهار داخلية دولية ، وتبلغ كمية المياه السطحية اللبنانية 4800 مليون م3 سنويا يستهلك منها 100 مليون م3 سنويا ( 6 ) . اما الدول الاخرى فان يتولد لديها حاجة متزايدة من المياه في كافة الاستعمالات السنوية . ثالثا : تنفيذ مشاريع تحلية المياه المالحة من البحر لدول مجلس التعاون الخليجي الست ، السعودية والكويت والبحرين وعُمان وقطر والامارات العربية المتحدة على نطاق واسع ، وهذا سيساهم في تقليل كلفة تحلية المتر المكعب من المياه ، ولا بد ان يترافق هذا السيناريو باعداد الكوادر البشرية المدربة والمؤهلة وتوفير الامكانات المالية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع لضمان استمراريته لفترة طويلة وبالتالي ضمان عدم تحكم قوى خارجية اجنبية في توفير المصادر المائية لهذه المنطقة الجغرافية والسكانية العربية . هذا مع العلم ان الدول الخليجية هي من الدول التي استخدمت عملية تحلية المياه بشكل واسع ، حيث يتوفر في الخليج العربي حوالى 4900 محطة لتحلية مياه البحر منذ عام 1989 انتجت نحو 1200 جالون من الماء للشرب / ساعة ( 7 ) . وكان بلغ مجمل مصادر المياه في دول الخليج العربي عام 1980 م نحو 347ر214ر1 مليون جالون ( والجالون يساوي 4 لتر ماء ) شكلت منها المياه المحلاة 551ر48 مليون جالون في حين بلغت كمية المياه المبتذلة المنقاه 391ر8 مليون جالون ، وشكلت المياه الجوفية 714ر847 مليون جالون والمياه السطحية 141ر284 مليون جالون والمصادر الاخرى 550ر25 مليون جالون في حين بلغ اجمالي الطلب على المياه 027ر710 مليون جالون سنويا . من جهة اخرى ، تباينت نسبة اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي الست على المياه المحلاة فوصلت في العام ذاته ، في الامارات 5ر64 % ، الكويت 25ر63 % ، قطر 5ر49 % ، البحرين 1ر16 % ، السعودية 1ر11 % وعمان 5ر10 % وهي نسب مرتفعة الى حد ما ( 8 ) . رابعا : الابقاء على الوضع الحالي ، باتباع الخطط المائية القطرية العربية كل على حدة ، وهذا يقلل من فرص زيادة الموارد العربية ويفاقم العجز المائي في كل بلد من البلدان العربية ، ويفسح المجال امام الدول المجاورة بالتعاون مع الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة باقتناص الفرص المؤاتية لتخفيض الكميات المائية المتدفقة عبر الانهار الدولية للعرب كالفرات من قبل تركيا والنيل من قبل اثيوبيا بالتنسيق مع حكومة الكيان الصهيوني . خامسا : ويتمثل هذا السيناريو بالسعي لتنفيذ مشروع انابيب السلام الذي اقترحتة تركيا بالتعاون مع الولايات المتحدة و ( إسرائيل ) والقاضي بمد انبوبين مائيين بطاقة يومية قدرها ستة ملايين م3 يوميا او ما يعادل 2190 مليون م3 سنويا من نهري سيحان وجيحان التركيين لتستفيد منه سوريا والاردن والدول الخليجية الست المقترحة . وهذا المشروع يساهم في فرض السياسة التركية واعطائها دورا اقليميا سياسيا واقتصاديا وخاصة في مجال النفط هي بعيدة عنه لغاية الان ، ويفسح المجال لتقوية العلاقات التركية الصهيونية في المشرق العربي الإسلامي اذ ان هذا المشروع من شانه ان يعمل على توفير موارد مائية اضافية للاستخدام اليهودي وخاصة زيادة الانتاج الزراعي الصهيوني المروي بمياه عربية وإسلامية شبه مجانية وبالتالي منافسة المنتوجات الزراعية العربية بعامة وتقليل فرص النهوض الزراعي الفلسطيني بخاصة نظرا لتوفر الدعم الحكومي للمزارع اليهودي وغياب ذلك عن المزارع الفلسطيني . وسيرافق هذا المشروع زيادة نصيب الفرد اليهودي بفلسطين المحتلة بصورة خاصة من المياه سنويا ، ويساعد الحكومات الصهيونية بزيادة استقدام المهاجرين اليهود وزرعهم في المنطقة العربية مع ما يشكله ذلك من خطر على الأمن الوطني الفلسطيني والأمن القومي العربي بشكل عام . وهناك ملاحظة لا بد من التنويه لها ، وهي أن مشروع السلام المقترح وضع عام 1986 ولم يدرج به الشعب الفلسطيني باي حال من الاحوال ، ورغم ذلك فان هذا المشروع من الممكن ان يلحق خسائر فادحة بالشعب الفلسطيني ، لأن توفير مصادر مائية للكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة ، ككيان استعماري دخيل على المنطقة الإقليمية العربية والإسلامية ، سيساهم في زيادة مصادرة الاراضي الفلسطينية للاستيطان والاستعمار ، وحتى لو ادرج الشعب الفلسطيني في هذا المشروع فانه لن يستفيد منه كثيرا ، والشعب الفلسطيني اصلا معني باسترداد مواردة المائية الوطنية كحق من حقوقة الطبيعية والسياسية ورفع يد صهاينة فلسطين المحتلة عنها في اقرب فرصة زمنية ممكنة . هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فإن تركيا في الاساس تحتجز مليارات الامتار المكعبة من مياه نهري دجلة والفرات ، وتسبب اضرارا لسوريا والعراق على حد سواء ، فكيف للعرب ان يثقوا بالسياسة التركية بتمديد انابيب جديدة لاراضيهم ، وهناك مسألة مائية غير مستقرة بين الدولتين العربيتين وتركيا ، “ ان تركيا تخطط منذ فترة بالاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية ، وتفكر في التصدير ، وفي هذه الحالة هي بحاجة الى الاهتمام أكثر بالزراعة ، وتعتقد ان مشروع شرق الاناضول على نهر الفرات يحقق لها هذا الطموح ... كذلك في إطار البعد الاقتصادي فان تركيا تفكر بالتعامل مع المياه العذبة كسلعة تصدرها للخارج ، وفي رأيها ستكون لها اهمية النفط ، وان تجارة المياه قد دخلت السوق منذ عدة سنوات “ ، ( 9 ) . اما بخصوص البعد السياسي والعسكري فان تركيا تحاول الضغط على سوريا والحيلولة دون تقديمها المعونات الى الاكراد الثائرين على الحكومة التركية واستخدام المياه كسلاح استراتيجي ضد العرب ، سواء بشكل سري مستتر أو علني . سادسا : المشاركة العربية - الصهيونية في إعادة اقتسام المياه في المنطقة من أنهار الفرات والنيل والاردن واليرموك بشكل شامل ، او جزئي لاحد الانهار السابقة او اثنين منهما ( النيل والاردن ) او النيل والفرات ، لسد الاحتياجات المتزايدة من المياه ، وجزء من هذا السيناريو قائم بالفعل وخاصة فيما يتعلق بنهر الاردن ، بين الاردن والكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة منذ زمن بعيد . واعيد اقتسام كميات المياة في اعقاب توقيع معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية عام 1994 . ومن الممكن ان يستند هذا السيناريو على توصيات مؤتمر هلسنكي عام 1966 ، حول اقتسام المياه التي اكدت على عدة قواعد ، وهي ( 10 ) : 1 - لكل دولة تشترك في حوض مائي دولي الحق في الحصول على حصة عادلة ومعقولة من المياه . 2 - يتم تحديد الحصة المائية وفق ضوابط معينة وتتضمن الضوابط : • جغرافية الحوض ومساحته . • الاستخدام السابق للمياه في الحوض . • الحاجات الاقتصادية لكل دولة . • عدد السكان الذين يعتمدون مياه الحوض . • وجود موارد مائية بديلة . • الهدر المائي الذي لا مبرر له . • امكانيات التعويض . • تأمين حاجيات دول الحوض دون المساس بحقوق الدول الاخرى . • مقارنة تكاليف المشاريع البديلة التي تفي بالحاجات الاقتصادية لكل دولة . وحسب وجهة النظر الصهيونية ، فان الحل لازمة المياه في ( الشرق الاوسط ) ، ينبغي ان تكون بشكل اقليمي شامل . يقول بهذا الخصوص اليشع كالي : “ ويشير الشح والنقص في المياه في معظم الشرق الاوسط في مقابل الوفرة والفائض في مناطق معدودة الى الحاجة الى حل مشكلة المياه حلا اقليميا شاملا “ ( 11 ) . ويتابع اليشع كالي قوله عن حل ازمة المياه الفلسطينية ، بقوله : “ ان مشكلة النقص في المياه في المناطق ( الضفة الغربية وغزة ) مشكلة اقتصادية - اجتماعية ، كما انها مشكلة سياسية للمنطقة ، فالوضع الذي تستفيد فيه اسرائيل بمفردها من الجزء الرئيسي لمصادر المياه الطبيعية في ( المناطق ) يحمل في طياته نزاعات بشأن المياه بين الطرفين ويجعل نشوء توترات سياسية بينهما امرا اكيدا ، ولا يحل هذا الوضع بنقل مياه اسرائيلية الى ( المناطق ) فهذا الحل غير واقعي نظرا الى النقص في المياه في اسرائيل نفسها . وهو غير مقبول من زاوية قانون المياه الدولي الذي يقدم حصانة الى كل من ( الاستخدامات الراهنة للمياه ) و” الاستخدامات التاريخية “ ولا يتيح هذا الوضع لمشكلة المياه في ( المناطق ) سوى حل مرض واحد : استيراد المياه من مصادر خارجية ، ويمكن ان تكون هذه المصادر : اليرموك والنيل والليطاني ، واستيراد المياه من هذه المصادر ممكن من الزاوية التقنية وممكن ايضا الى حد بعيد - من الزاوية الاقتصادية - ومع ذلك غير ممكن من الزاوية السياسية “ ، ( 12 ) . وفي هذا السيناريو فانه لا بد من وجود اطراف محايدة تعمل على المساهمة في توزيع الادوار الفنية والمساهمات التمويلية ، الا ان هناك دلائل تفيد ان انهار النيل والاردن والفرات ودجلة يتم استهلاك مياهها بشكل شبه كامل حسب ما اشارت له دراسة مائية اعدها مركز الدراسات الاستراتيجية في العاصمة الاميركية واشنطن ، وأن هناك شحا في المياه في هذه المنطقة الجافة ( 13 ) . وفيما يتعلق بنهر النيل فهناك العديد من الاقتراحات التي قدمت للاستفادة من مياهه ا

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل