المحتوى الرئيسى

العلمانيون وأزمتهم مع الشعب بقلم:د.محجوب احمد قاهري

03/22 23:49

لا يختلف اثنان على مفهوم العلمانية مثلما جاء في موسوعة العلوم السياسية (مادة العلمانية, ص 298 -299), من إنها هي المذهب الذي يؤمن بضرورة إبعاد المؤسسات والمضامين الدينية عن ممارسة أي تأثير في أي من مجالات الحياة, بما في ذلك التعليم والتشريع والإدارة, وهي تسعى بذلك عن فصل الدين عن الدولة, بل فصل الدين عن حياة المجتمع. وينقسم العلمانيين في تونس إلى قسمين, قسم يحافظ على إيمانه بالدين الإسلامي وقواعده ولكنه يعتبرها مسألة شخصية لا غير ودون أن تتعدى ذلك, وقسم يرفض الدين رفضا قاطعا ولا يؤمن به. ومع أن علمانيو أوروبا لا يجدون حرجا بمصارحة شعوبهم بنظرتهم للدين وبإجماعهم على ضرورة خروجه من حياة المجتمع, ويرجع ذلك إلى أسباب تاريخية أهمها غطرسة الكنيسة وهيمنتها على مفاصل الحكم وعداءها للعلم, ولكن علمانيو تونس يجدون أنفسهم في موضع أزمة لا يستطيعون الخروج منها ولا يجدون الجرأة على مصارحة الشعب بما يدور في أفكارهم وبإيمانهم بمذهبهم العلمانية. هم لا يجدون حرجا عندما يتحدثون إلى المثقفين وفي البيوت المغلقة عن ضرورة إقصاء الدين وعن كيفية إقصاءه, ولكن لا يمكنهم قول ذلك للشعب. وحتى وان حاوروا هؤلاء المثقفين ويعبرون عن رفضهم للدين وعن عدم إيمانهم به, يستشيطون غيضا عندما تقول لهم بأنكم تكفرون بالدين, والكفر هو إنكار الشئ, والذي ينكر الماركسية هو بالضرورة كافر بها, والذي ينكر الدين والله فهو كافر, فالمعادلة في غاية الوضوح والبساطة, ثم يبدءون ببث الاتهامات في كل صوب, ها قد ظهر "التكفيريين" بيننا ولا بد من التصدي لهم. ولكن مالداعي لثورتهم هذه مع أنهم يؤمنون إيمانا قاطعا بتحويل الدين إلى مجرد شعائر شخصية وأن قسم منهم يكفر كفرا قاطعا بالله والدين ويرفض نعته بالكافر؟ والجواب لا يتطلب حكمة ولا فلسفة, ويتمثل في جانبين. الجانب الأول, بان الشعب التونسي برغم ما مارسه عليه بورقيبة من فرض قطيعة بينه وبين الدين, إلا أنه ظل شعبا مؤمنا ممارسا لشعائره الدينية, ولا يتخلى عن أي مناسبة في التعبير بكل عفوية عن تمسكه بالدين, ولم تفلح أيضا ممارسات بن علي في مطاردة المصلين بأن تفرغ المساجد وأن يظل الدين الإسلامي هو دين الشعب التونسي. الجانب الثاني, هو أن الشعب التونسي لم يتعود ولا يستسيغ وجود من ينكر الله والدين بينه, وظهور هؤلاء بينه سيجعلهم في وضع الاتهام ومعاداة الله, وبالتالي سيلفظهم من أي صندوق اقتراع. هذا الشعب لا يعرف من الكفار إلا أبو لهب وأصحابه, ولو ظهر هؤلاء العلمانيين الناكرين للدين سيلاقون نفس مصير هؤلاء الكفار وعلى أيدي أفراد الشعب العاديين الذين لا ينتمون إلى أي فكر سياسي, وقد أثبت الواقع هذا في مسيرتي تونس العاصمة وسوسة والتي خرجت بشعارات معادية للإسلام, فتصدى لها المواطنون العاديون وبطريقة عفوية. لذلك يلتجأ العلمانيون الناكرون للدين إلى الاختباء وعدم التصريح بما يعتقدون للشعب, وهي مغالطة كبرى في حقه, فمن حق هؤلاء العلمانيين كأفراد من الشعب بان يعتقدوا ما شاءوا ويناضلوا من أجله, ولكن ليس من حقهم خداع الشعب. وتتسع رقعة عذابات العلمانيين في تونس, لأنهم لا يقدرون على مصارحة الشعب بما يضمرون تجاه الدين, فالعلمانيون الذين لا ينكرون الله والدين يظلون من المسلمين, ولكن يخشون مصارحتهم للشعب بان الدين في اعتقادهم ليس سوى طقوس شخصية وخاصة. والعلمانيون الكفار, يكفرون بالدين وبالله صراحة, ولكنهم يلجئون إلى فزاعة ظهور "التكفيريين" بين أبناء الشعب وكأنهم يطلبون دعم القوى الخارجية لهم, لأن الشعب سوف لن يدعمهم, على الأقل لأنه لا يعرف ايجابيات العلمانية. من يخجل من قناعاته وأفكاره ولا يمكنه مصارحة الشعب بها, خوفا من السقوط في صناديق الاقتراع, سوف لن يكون إلا خطرا على هذا الشعب. وما على العلمانيين إلا أن يكونوا صرحاء مع أبناء شعبهم, فهم مواطنون ومن حقهم التواجد والتعبير عن أفكارهم كما هي, وأما النفاق السياسي حباله لن تطول, وأزمتهم في الوجود تبقى رهن لاعترافهم برؤاهم للدين الإسلامي أمام كل الشعب. الدكتور محجوب احمد قاهري

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل