مجرد رأيالجميع يسعي لاختطاف »توكيل« الدين
توجهت، شأني شأن الملايين للمرة الاولي في حياتي، مع أسرتي في الثامنة من صباح يوم السبت الماضي إلي صناديق الاستفتاء، وسط انقسام في الرأي داخل الأسرة، وإن كانت الاغلبية لمن قالوا لا وأنا منهم.واظن ان وسائل الاعلام المختلفة أفاضت في وصف ذلك العرس الديمقراطي الذي شهدناه جميعا، وعلي الرغم من أنني أعطيت صوتي لصالح رفض التعديلات الدستورية، إلا أنني أمتثل للنتيجة، وأدعو الرافضين للامتثال، والبدء فوراً في مواجهة الاستحقاقات المرتبة علي نتيجة الاستفتاء، وهو ما يعني الانخراط فورا في تشكيل الاحزاب واصدار الصحف والعمل داخل الاحياء والقري والمدن البعيدة، فنحن شعب أسقط النظام في ثمانية عشر يوما، ونستطيع مواجهة الاستحقاقات المشار اليها دون أي تفاؤل كاذب أو محاولة لتهوين من شأن ما ينتظر الرافضين للتعديلات.ومع هذا فإن ماجري بشأن الاستفتاء خطير ويدعو للتأمل، لأن الاخوان والسلفيين وجماعات الاسلام السياسي حولوا الاستفتاء إلي شأن ديني، كما أن هناك استغلالا سياسيا من جانب بعض الاقباط جري وتصويتهم لصالح رفض التعديلات. هناك مثلا منشور منسوب للاخوان تم توزيعه يعتبر التصويت بنعم واجبا شرعيا، وهو »سقطة« لاتغتفر لأن الدين ليس »توكيلا« تتنازعه الأطراف المختلفة، ومن بينها حتي لاننسي النظام السابق الذي تم اسقاطه، وما يردده مشايخ السلفية في خطبهم ولقاءاتهم ومقابلاتهم الصحفية خطير، فهم يعتبرون التصويت بنعم تصويتا علي الاسلام، ودعوا - شأنهم شأن الاخوان والجماعات التي سبق لها ان وافقت علي المراجعات ونبذت العنف - هؤلاء جميعاً دعوا الناس إلي الموافقة علي التعديلات دفاعاً عن المادة الثانية، وهو خطل وخطيئة متعمدة.أود أولا أن أؤكد علي الدور الحيوي الذي لعبه الاخوان، وعلي الاخص شبابهم في ملحمة الصمود في الميدان، وإن كانوا تأخروا بضعة أيام، لكنهم دافعوا بضراوة باعتبارهم فصيلاً وطنياً، جنبا إلي جنب الفصائل الاخري عن الحرية، وقاتلوا دفاعاً عن الميدان، وجاءوا بأسرهم كاملة ليحتلوا الميدان ويتعرضوا للاخطار، أما السلفيون فلم يظهروا مطلقا إلا بعد نجاح الثورة وخلع الرئيس، ثم انهم سبق لهم ان ملأوا الدنيا صراخا بعد إغلاق قنواتهم التليفزيونية في عهد مبارك أنهم أولاد أمن الدولة، مطالبين بفتح القنوات.وهاهم الصوفيون دخلوا علي الخط ويدعون لمسيرة مليونية دفاعاً عن اضرحة اولياء الله، بالطبع في مواجهة السلفيين، والفتنة بين المسلمين والاقباط تطل برأسها بين الحين والآخر، والاخوان سبق لهم أن اتهموا الرافضين للتعديلات بحصولهم علي تمويل أمريكي وما شابه.والحال أن الجميع يسعي لاختطاف توكيل الدين والتحدث باسم الله والنبش في الصدور، بينما صاغت الثورة علي مدي ثمانية عشر يوماً مجيدة ملحمة مذهلة تطهر فيها وانصهر الاقباط والمسلمون والشباب والشابات، ملايين في كل ميادين الحرية في طول بلادنا وعرضها.أهداف الثورة واضحة للجميع، فإلي جانب اسقاط النظام ورحيل الرئيس، تحقيق الديمقراطية والعدل الاجتماعي. والآن رحل الرئيس وسقط الكثير من رموز النظام، وباقي أن تعمل كل القوي السياسية من اجل تحقيق اهداف الثورة. أتمني وأدعو أن تنجو بلادنا من التنازع حول توكيل الدين، ولا مشكلة في بقاء المادة الثانية مع اضافة تتيح لغير المسلمين التمتع بحقوق المواطنة، لنتفرغ جميعا لتحقيق ما تبقي من أهداف الثورة.علينا أن نتقي الله فدماء الشهداء لم تجف بعد، والثورة المضادة تستعد للانقضاض علي مكاسبها، علينا أن نخوض المعارك القادمة باعتبارها معارك سياسية، الانتخابات والاستفتاءات القادمة، وهي كثيرة، سوف تعيد بناء بلادنا إذا خضناها باعتبارها معارك سياسية، فالدين لله والمواطنة حق للجميع، وتشكيل الاحزاب بمجرد الاخطار، والحريات السياسية التي انتزعناها بعد الثورة وتحرير النقابات العمالية والمهنية، و الفرصة المتاحة أمام قوي المجتمع المدني من شباب الثورة الذين فجروا شرارتها الاولي مهما كانت قصيرة، إلا أنها مازالت متاحة، والمطالب الفئوية والاقتصادية المشروعة ينبغي البدء فورا في تلبيتها.الاخوان كما عبر أحد عقلائهم الدكتور سليم العوا في أحد البرامج التليفزيونية »فصيل سياسي« والاستفتاء لاعلاقة له بالشرع، بل وحمل بشدة علي من كذب قائلا إن التصويت بنعم واجب شرعي.ولو تحلت كل القوي السياسية بالمسئولية واشتغلت بالسياسة والتزمت بقواعد اللعبة الديمقراطية، وسارت في الشوط إلي نهايته، فسوف تنجح الثورة وتحقق اهدافها دون ان يركبها أحد أو يختطفها.
Comments